تواجه المملكة المتحدة حاليًا أزمة جفاف ظهرت في ربيع هذا العام 2025 حيث سيكون لها تأثيرات كبيرة على الأمن الغذائي والبنية الأساسية للمياه والتوقعات الاجتماعية والاقتصادية في البلاد. ويعتبر هذا الجفاف الذي ظهر مع بداية الربيع هو الأكثر جفافاً منذ 69 عاماً، حيث يشكل تهديداً مباشراً للأمن الغذائي في المملكة. وينذر بتخريب المحاصيل وقد أعلن المزارعون أنهم بحاجة إلى الري قبل الموعد المتوقع. وتؤثر هذه الظروف سلباً على قدرة البلاد على توفير الغذاء الذي يحتاجه الشعب وقد تفاقم هذا القلق بسبب تجربة الجفاف في عام 2022؛ عندما حدثت إجراءات الطوارئ لإدارة المياه في لندن وجنوب شرق المملكة المتحدة. وقد أصبحت مستويات خزانات المياه حالياً أقل حتى من مستوياتها في عام 2022، حيث بلغت 84% من سعتها بل وأقل في بعض الأماكن مما أدى إلى تفاقم الأزمة. (1)
ولمعالجة هذه الأزمة اقترحت شركات المياه خططاً لاستثمارات ضخمة وتم إعداد خطة لاستثمار عشرات المليارات من الجنيهات الإسترلينية بين عامي 2025 و2030، وهو ما يقرب من ضعف المستوى الحالي. وتهدف الخطة إلى تحسين البنية التحتية للمياه والصرف الصحي بما في ذلك تمويل بناء تسعة خزانات جديدة وتنفيذ مشاريع كبرى لنقل المياه وخفض التسربات إلى ثلث المستويات الحالية وتنظيف الأنهار من خلال خفض تصريف مياه الصرف الصحي بنسبة 50 في المائة. بالإضافة إلى ذلك تم تخصيص 1.6 مليار جنيه إسترليني لمعالجة المشاكل العاجلة مثل جريان مياه الأمطار وتلوث المغذيات.(2)
ومع ذلك فإن هذه الاستثمارات تأتي بتكلفة على عامة الناس. ومن المتوقع أن ترتفع فواتير المياه بمعدل 7 جنيهات إسترلينية شهريًا بحلول نهاية عام 2025 لتصل إلى 13 جنيهًا إسترلينيًا بحلول عام 2030؛ وهي قضية تزيد من الضغوط المالية على الأسر. ويزعم المنتقدون أن الإخفاقات التنظيمية السابقة وسياسات المياه التي تخدم مصالحها الذاتية مثل إعطاء الأولوية لأرباح المساهمين ساعدت في تفاقم الأزمة وأثارت تساؤلات حول التوزيع العادل للتكاليف. (3)
وعلاوة على ذلك فإن الحفاف المتكرر له تأثير كبير على الأمن الغذائي. وأظهر تقرير حكومي بريطاني أن نسبة الإنتاج في إمدادات الغذاء في عام 2023 للمنتجات الزراعية ستظل عند 62% فقط مما يوضح مدى ضعف القطاع الزراعي في مواجهة الكوارث المناخية. وتؤكد مقالة صادرة عن وحدة البحوث الاقتصادية الدولية أيضًا أن الإنتاج المحلي والواردات تعطلت تحت تأثير تغير المناخ في البلدان المصدرة، وأن هذا الوضع يهدد الأمن الغذائي. وتشير دراسة أخرى إلى أن انخفاض القدرة على الوصول إلى الأطعمة المغذية يمكن أن يقوض الصحة العامة ويزيد الضغوط على أنظمة الصحة والرعاية الصحية.(4)
وفي الواقع يلعب تغير المناخ دوراً كبيراً في تفاقم هذه الأزمة. إن ارتفاع درجات الحرارة وزيادة تبخر المياه من سطح التربة وعدم انتظام هطول الأمطار من شأنه أن يضاعف من احتمال حدوث الجفاف الشديد بحلول عام 2050. وتشير الوكالة الأوروبية للبيئة إلى أن التكيف مع أزمة المناخ أمر لا مفر منه وأن هناك حاجة إلى استراتيجيات متعددة القطاعات للحفاظ على الموارد وإدارة الطلب. في واقع الأمر هذه الأزمة هي بمثابة وباء وسوف تؤثر على جميع البلدان. لذا لا يمكن معالجتها بشكل منفرد بل تتطلب قراراً وجهوداً جماعية.
وعلاوة على ذلك فإن الأمن الغذائي الذي يسهل ضمان الوصول المستدام إلى الغذاء الكافي والمغذي معرض لخطر شديد في مواجهة أزمات المياه. إن نقص المياه وري المحاصيل الأساسية مثل الحبوب والخضروات قد يؤدي إلى تدفقات رأس المال إلى الخارج من الإنتاج المحلي والاعتماد بشكل أكبر على الواردات. وبما أن البلدان المصدرة تتأثر أيضاً بعواقب تغير المناخ، فإن ذلك يزيد من ضعف سلسلة التوريد العالمية. ونتيجة لذلك ارتفعت أسعار المواد الغذائية وأصبحت الفئات ذات الدخل المنخفض هي الأكثر معاناة.
وتُظهِر أزمة الجفاف في المملكة المتحدة أنه بدون سياسات منسقة والتركيز على المصالح الجماعية بدلاً من المصالح الشخصية، فلن يكون من الممكن التعامل مع حالات الجفاف المستقبلية. إن فشل حكومة هذا البلد في إدارة واحتواء هذه الاتجاهات يشير إلى نقص الاستعداد والتحديات الأكثر عمقا. كما أظهرت التجربة الحالية أن الاستثمارات التي تم إجراؤها والتدابير التعويضية التي تم اتخاذها حتى الآن لم تكن كافية وإذا لم تول جميع شرائح المجتمع والحكومات اهتماماً خاصاً لهذه الأزمة فإن عواقبها سوف تتجاوز السيطرة على الجفاف وقد تشكل تحدياً للبنية السياسية والاجتماعية للبلاد وحتى لاستقرار النظام العالمي. ومن ثم فإن إدارة هذه الأزمة وحلها يتطلبان نهجاً جماعياً وعملاً إقليمياً وعالمياً واسع النطاق.
1- https://www.ecowatch.com/low-river-levels-uk-drought.html
2- https://www.theguardian.com/environment/2025/may/06/england-faces-drought-summer-reservoir-water-levels-dwindle
3- https://www.reuters.com/sustainability/sustainable-finance-reporting/uks-pennon-invest-341-bln-water-quality-
4- https://www.ft.com/content/8e69c305-8f22-4052-817d-5397f107d8c8
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال