أزمة السويداء وتداعياتها وأبعادها الإقليمية
2256 Views

أزمة السويداء وتداعياتها وأبعادها الإقليمية

شهدت الأيام الأخيرة في الجنوب السوري تصعيداً أمنياً كبيراً بدأ على خلفية اختطاف أفراد من محافظة السويداء من قبل عصابات البدو القريبة من أطراف المحافظة، وعلى أثر هذه الحادثة تفاقمت الأمور وردات الفعل من قبل المسلحين الدروز، وحشدت قوات الحكومة عناصرها لدخول عسكرياً إلى السويداء، والذي قوبل برفض قاطع من قبل زعامات الطائفة الدرزية للدخول الإجباري والعسكري للمدينة، وعلى أثر ذلك قامت إسرائيل بقصف مبنى قيادة الأركان ومقرات عسكرية و مواقع حول القصر الجمهوري لمنع تقدم القوات الحكومية، ومع تدخل وساطات محلية وإقليمية تم إعلان وقف العمليات العسكرية وخروج القوات الحكومية كلياً من السويداء وترك إدارة المحافظة لأهلها، في ذات السياق تم تهجير البدو، وبدأت تزداد التوترات إلى أن انتشرت مناشدات من قبل أهل المنطقة الذين هُجِّروا من قراهم إلى العشائر كافة، والتي لبت نداء الإستغاثة وحشدت من كل حوب وصوب، في ظل غياب واضح لأجهزة الدولة وتدخلها لفض الخلاف ومنع تضخيم الحدث وكأن هناك مخطط من وراء هذه الفتنة يجب أن يحدث وهو تسخين وضع المنطقة الجنوبية في ظل تصريحات الكيان الصهيوني للتدخل ومنع تواجد أي قوى عسكرية في الجنوب السوري، متذرعاً في حماية الدروز لشن حملات على المنطقة وفرض نفوذها في جنوب دمشق. [1]

حرب الروايات والإشاعات المضللة
بالطبع تزامن كل ماسبق خلال الأيام الماضية بضخ إعلامي طائفي واضح على مختلف أنواع التواصل الإجتماعي وحتى من قبل إعلام السلطة ضد مكون هام من مكونات الشعب السوري وهم الدروز، وهذا ما زاد من تعقيد المشهد وقطع كل السبل أمام حل يرضي الجميع، فقد تم الإتفاق وخلال ساعات تم خرقه باستمرار الاشتباكات تلبية لنداء المقاتلين المحاصرين داخل السويداء، وكل هذا في ظل فوضى إعلامية، منها الصحيح ومنها المزور والكاذب تنفيذاً لأجندات مختلفة من أجل عدم بقاء الأمور مستقرة ولخلق فوضى دائمة تحت ضغط شعبي يثور على إشاعات مضللة طائفية وعشائرية. وفي السياق ذاته رصدت وكالة "سند" للتحقق الإخباري في شبكة الجزيرة أكثر من 10 ادعاءات مضللة خلال 48 ساعة فقط، انتشرت على نطاق واسع عبر المنصات العربية. وتنوعت هذه الادعاءات بين مقاطع فيديو وصور قديمة وتصريحات ملفقة جميعها استُخدمت لتضليل المتابعين حول حقيقة ما يحدث في السويداء.[2]

النفوذ الإسرائيلي
بالتأكيد المستفيد الوحيد هو الكيان الصهيوني ومن ينفذ أجنداته على الأرض، لأن كل مايحدث فاق التوقعات من خراب وتدمير وإزهاقٍ للأرواح البريئة من أطفالٍ ونساء وشيوخ وحرقٍ للمنازل وسرقة الممتلكات من قبل مجموعات مسلحة متطرفة غير منضبطة وليست تحت سلطة الدولة، كان هدفها إثارة الفتنة والفوضى المستمرة، ولكن المجازر المرتكبة كانت مطلوبة منهم تنفيذاً لمخطط صهيوني تحت ذرائع حماية الأقليات والتدخل الجوي والبري لفرض النفوذ الإسرائيلي في المنطقة.
ما يجري في المنطقة اليوم ليس إلا فصلًا جديدًا من مشروع أكبر يُراد له أن يُفكّك وحدة الدولة السورية، ويُغرق المنطقة في حالة دائمة من العجز عن تشكيل موقف موحّد أو ردع جماعي جرّاء تدخلات إسرائيلية مباشرة وصريحة في سورية، حتى أصبح التدخّل يتكرّر في وضح النهار تحت أعين العالم وفي صمت لافت من بعض العواصم المؤثّرة.[3]

تصوير دور "الوسيط الإنساني" زورًا في شروط وقف إطلاق النار
حاول الإسرائيليون منذ بداية الأزمة تسويق أنفسهم كوسطاء إنسانيين يدعون لحماية السكان وضبط العنف، من خلال تصريحات رسمية ومبادرات إعلامية تظهر دعمها للدروز وحرصها على خفض التصعيد. غير أن الأدلة الميدانية، خاصة التقارير الموثوقة والصور والمعلومات الاستخبارية تُظهر أن جزءًا كبيرًا من عمليات العنف كان بتحريض ودعم إسرائيلي سري، فقد تم تزويد عناصر مقاتلة بأسلحة اللازمة وتهريب عناصر استخباراتية داخل المنطقة المنكوبة. هذه الإدراجات تُظهر أن ما تسمى بـ"الوساطة الإنسانية" كانت مجرد غطاء لسياسات التدخل المباشر.

هدف إسرائيل من وقف إطلاق النار
بالرغم من انخفاض حدة الصراعات الداخلية في السويداء، إلا أن إسرائيل استمرت في استهداف مراكز أمنية سورية حساسة، بما في ذلك المقار العسكرية للجيش وقواعد استراتيجية مهمة. هذا التصعيد المتواصل يهدف إلى إضعاف القدرة الدفاعية السورية، وقد خلق حالة فوضى تصب في مصلحة الهيمنة الإسرائيلية، مما يضعف قدرة دمشق على السيطرة الكلية على المواجهة في المنطقة. وقد أدى ذلك إلى دخول الحكومة السورية في حالة غير مستقرة، حيث تتنازع عوامل التهدئة مع محاولات إسرائيلية للتمركز والاستفادة من الانقسامات المحلية.

التداعيات الجيوسياسية لوقف إطلاق النار من منظور محور المقاومة
يُعد وقف إطلاق النار الهش فرصة حقيقية لمحور المقاومة، مثل حزب الله وإيران، لإعادة تقييم خططهم واستراتيجياتهم العسكرية من خلال مايحدث في جنوب سوريا. إذ أن استمرار العدوان تحت ذريعة "الدفاع عن الدروز" حسب ما يدعي الكيان المحتل" ممكن أن يُهيء ردود فعل رادعة في المستقبل خلال مواجهة هذا النظام، حيث أن أي تصعيد إسرائيلي قد يؤدي إلى فتح جبهة جديدة ويحمل تهديدات أمنية مباشرة على مصالح محور المقاومة. لذلك فإن هذا التوقف المؤقت يُعتبر اختبارًا لمدى قدرة محور المقاومة على الحفاظ على مناطق النفوذ ضد محاولات إسرائيل في التمدد.

ضمانات دولية وهمية تمهد لمزيد من التدخل
أن غياب رقابة دولية محايدة وآليات إنفاذ فاعلة، يترك المجال مفتوحًا أمام النظام الإسرائيلي لاستغلال الثغرات الموجودة. فغياب مراقبة دولية فاعلة مستقلة يُمكن أن يسمح لتل أبيب بتعزيز عمليات التسلل الاستخباراتي، والهروب من بنود اتفاق وقف إطلاق النار، مع محاولة فرض سيطرتها السياسية والأمنية بشكل غير رسمي في المناطق المحتلة. إن عدم وجود ضمانات دولية؛ مثل بعثات مراقبة حيادية، يهدد بتوسيع رقعة الأزمات في المستقبل ويُشجع إسرائيل على المضي قدمًا في تنفيذ أجنداتها الانفصالية والتغلغل في العمق السوري.

الخلاصة
في الختام، يظهر أن وقف إطلاق النار المؤقت في السويداء لم يكن إلا فرصة للاستغلال التدخل العسكري من قبل إسرائيل، التي استغلت الظرف لتحقيق مكاسب ميدانية وتعزيز نفوذها في المنطقة من خلال تصعيد النزاع ومحاولات الترويح لحرب الشائعات والتضليل الإعلامي التي تهدف لتشتيت الرأي العام وإضفاء شرعية زائفة على دعمهم للأقليات، خاصة في ظل التفكك الأمني المتزايد والأدوار الوهمية التي تحاول إسرائيل من خلالها استمالة بعض القوى المحلية كوسيلة لتمرير سياساتها، دون ضمانات دولية حقيقية تضع حدًا لهذا التدخل. فالساحة لا تزال تتسم بحالة من التوتر تتطلب موقفًا حازمًا ووحدة داخلية لتعزيز المواجهة وإجبار الاحتلال على التراجع، وعدم السماح باستنزاف الجبهة السورية من قبل القوى التي تسعى لخلق الفوضى وتقسيم الأمة.



محمد يزن الحمادي


[1] www.skynewsarabia.com/middle-east/1808992-إسرائيل-تضرب-سوريا-الدروز-ذريعة-هدف؟
[2] www.aljazeera.net/news/2025/7/21/سيل-من-الأخبار-الكاذبة-حول-السويداء-و300
[3] www.alaraby.co.uk/blogs/السويداء-ضمن-الخرائط-الإسرائيلية-الجديدة
لا توجد تعليقات لهذا المنصب.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال