أزمة شرعية زيلينسكي والاحتجاجات الأخيرة في أوكرانيا
87 Views

أزمة شرعية زيلينسكي والاحتجاجات الأخيرة في أوكرانيا

شهدنا خلال الأشهر الأخيرة اتساع نطاق الاحتجاجات الداخلية بشكل أكبر في أوكرانيا منذ بداية الحرب عام ٢٠٢٢، حيث تراجعت شعبية زيلينسكي لدى الرأي العام بشكل ملحوظ وفقًا لأحدث استطلاعات الرأي وبالتالي فإن أكثر من ٦٠٪ من المواطنين الأوكرانيين غير راغبين في أن يترشح زيلينسكي للانتخابات الرئاسية المقبلة في البلاد مما يشير إلى الأسس الاجتماعية والنفسية لتشكل حالة استياء واسعة بين المواطنين الأوكرانيين.

بدايةً، تجدر الإشارة إلى أن الشرارة الأولى لهذه الاحتجاجات في بلدٍ حُكم بالأحكام العرفية منذ بداية الحركات المناهضة لروسيا تعود إلى قرار زيلينسكي وهو الحد من استقلالية الهيئتين الرئيسيتين لمكافحة الفساد، وهما الإدارة الوطنية لمكافحة الفساد في أوكرانيا ومكتب المدعي العام الخاص بمكافحة الفساد، مما أدى إلى خروج آلاف الأشخاص إلى شوارع العاصمة كييف ومدنها الرئيسية، بما في ذلك خاركيف ولفيف وأوديسا ومدن أخرى، متحدين قيود حظر التجول التي فرضتها الأحكام العرفية، ومحتجين بشعارات مثل "عاقبوا القانون" و"العار العار" [1].

والآن في الواقع خلال سنوات الصراع بين روسيا وأوكرانيا الطويلة، نشهد أولى الاحتجاجات الشعبية المباشرة والعلنية ضد زيلينسكي وسياساته. يجب أن نضع في اعتبارنا أنه وفقًا لتحليل النشطاء السياسيين والمحللين الاجتماعيين، فإن تشكيل هذه الاحتجاجات في بلد يحكمه حكم عسكري وقمع مستمر لا يمكن أن يكون شعبيًا وعفويًا بحتًا، ويُنظر في إمكانية وجود دور مخطط له من قبل الجهات الفاعلة الأجنبية وخاصة الغرب.[2]

وفي هذا الصدد أفادت بعض وسائل الإعلام الغربية بمفاوضات ومحادثات سرية بين أشخاص مرتبطين بدونالد ترامب ومنافسي زيلينسكي مثل يوليا تيموشينكو وبيترو بوروشينكو. نظرًا للدعم المالي والعسكري والاستخباراتي الواسع النطاق من الغرب لأوكرانيا والفشل التام لخطط الغرب المتوقعة على جبهات الحرب ضد موسكو، يعتقد بعض المحللين أن السخط المحلي ربما تم توجيهه أو تكثيفه من قبل المؤسسات الأجنبية من أجل تمهيد الطريق للتغيير في قمة هرم السلطة.

في الواقع كان نقل السيطرة على مؤسسات مكافحة الفساد إلى المدعي العام أحد المحركات الرئيسية للاحتجاجات. ويُنظر إلى هذه الخطوة على أنها من شأنها إضعاف استقلال القضاء وزيادة النفوذ السياسي في مكافحة الفساد وحكم البلاد، مما سيؤدي في نهاية المطاف إلى تصعيد أزمة الشرعية في الرأي العام الأوكراني.[3]

يجب أن نضع في اعتبارنا أن أزمة الشرعية في أوكرانيا - مع الأخذ في الاعتبار دور الغرب، وتأثير المؤسسات الأجنبية، والتحضير لاحتجاجات منظمة تهدف إلى نزع الشرعية عن زيلينسكي - يمكن تلخيصها في عدة أسباب. أولًا، استمرار الصراع الجنوني مع قبل روسيا، وما نتج عنه من تدهور نفسي طويل الأمد، وضغوط اقتصادية متعددة، ونزوح آلاف المواطنين الأوكرانيين، بالإضافة إلى تزايد أعداد الضحايا والقتلى في الحرب. ثانيًا، تزايد التوقعات الشعبية وتراجع تسامحها نتيجةً لتداعيات حرب الاستنزاف، وعدم تحقيق نجاح يُذكر وانعدام السلام الدائم. ثالثًا، الصراعات السياسية والإعلامية رغم سيطرة زيلينسكي الهائلة على وسائل الإعلام. لقد انتقل المجتمع الأوكراني تدريجيًا من مرحلة "مقاومة عدو خارجي" إلى مرحلة يُولي فيها الرأي العام اهتمامًا خاصًا بالقضايا الداخلية وجودة إدارة البلاد، وكل هذه العوامل مجتمعةً ستُضعف شعبية زيلينسكي بشكل كبير. بالإضافة إلى ذلك أدت الأزمات الناجمة عن الفساد المنهجي والضعف الاقتصادي والصراعات بين النخب السياسية على السلطة إلى استمرار هذا التراجع في الشعبية.

من الواضح أن استمرار هذا الوضع، مع استهدافه للتماسك الاجتماعي، سيزعزع الاستقرار السياسي الحاكم ويزيد من حدة السخط الاجتماعي وسيوفر أيضًا أرضية مناسبة للنفوذ والاستغلال الأجنبي.

وأخيرًا، تجدر الإشارة إلى أنه وفقًا للعديد من الدلائل فقد بدأ مشروع نزع الشرعية عن زيلينسكي ومحاولة إزاحته من السلطة، وفي المستقبل، سنشهد زيادة كبيرة في حروب المعلومات والإعلام التي ستستمر على أساس الاحتجاجات. في إطار هذه الحرب الإعلامية والمعلوماتية، حاولت وسائل الإعلام الروسية، بما في ذلك روسيا اليوم وسبوتنيك، التي تركز على "تنظيم الاحتجاجات"، تصوير زيلينسكي على أنه غير مستقر وعاجز وتابع، ووصف حكومته بأنها غير شرعية وفاسدة ودمية في يد الناتو. من ناحية أخرى، التزمت الرواية الغربية الصمت أو اللامبالاة تجاه هذه التطورات إلى حد كبير، مما يدل في حد ذاته على تعقيد هذا الوضع المُربك. ورغم أن الروايات الإعلامية المتضاربة بشأن الاحتجاجات الأوكرانية وشعبية زيلينسكي تُشير إلى عمق هذه الأزمة، فإن هذه القضية نفسها تُشير إلى تآكل شرعية السلطة الحاكمة في كييف، وستؤدي في النهاية إلى فقدان الثقة الشعبية والدولية بزيلينسكي.


نويد دانشور

[1] https://www.eunews.it/en/2025/07/24/ukraine-crisis-zelensky-steps-back-and-promises-to-restore-independence-of-anti-corruption-bodies/
[2] https://www.eunews.it/en/2025/07/23/ukraine-internal-crisis-deepens-zelenskyy-signs-controversial-anti-corruption-law-sparking-first-mass-protests-since-the-start-of-the-war/
[3] https://www.aljazeera.com/news/2025/7/24/ukraines-zelenskyy-introduces-new-draft-law-after-anticorruption-protests
لا توجد تعليقات لهذا المنصب.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال