أصول موسكو ضد موسكو وعملية المصادرة المتبادلة
859 Views

أصول موسكو ضد موسكو وعملية المصادرة المتبادلة

في ظل استمرار التوترات بين الغرب وموسكو، قدّم أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي مشروع قانون إلى مجلس الشيوخ الأمريكي لاستخدام الأصول الروسية لصالح أوكرانيا بطريقة ديماغوجية، وهو ما أصبح قضيةً إخباريةً مثيرةً للجدل في الأيام الأخيرة.

يهدف هذا القانون الذي قدّمته مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي من كلا الحزبين السياسيين الرئيسيين في الولايات المتحدة، إلى إرسال بعض الأصول الروسية المجمدة في الولايات المتحدة إلى أوكرانيا، وقد شهدنا في المقابل رد فعلٍ قوي من موسكو على هذه الخطة المعادية لروسيا. فور نشر هذا الخبر على نطاق واسع في وسائل الإعلام الدولية، و ردّ مسؤولو الكرملين رسميًا على هذه القضية واصفين الإجراء الأمريكي بالسرقة السافرة ومؤكدين أن مثل هذا الإجراء يُمثّل حدثًا خطيرًا في النظام المالي العالمي، ومن شأنه أن يُقوّض ثقة الدول الأخرى في أمن رؤوس أموالها في الغرب.[1]

في هذا الصدد، أكد المسؤولون الروس أنه في حال تنفيذ هذه الخطة القسرية، ستتخذ موسكو إجراءات انتقامية قد تشمل مصادرة الممتلكات الغربية على الأراضي الروسية أو رفع دعوى قضائية أمام المحاكم الدولية. ووصفت روسيا هذا الإجراء بأنه "سرقة أصول سيادية"، وأكدت أن هذا الإجراء يمثل انتهاكًا واضحًا للقانون الدولي ويقوض مبدأ احترام ممتلكات الدول. [2]

وفي هذا السياق أصدر الكرملين أمرًا تنفيذيًا، يُنشئ آلية تسمح للحكومة الروسية بمصادرة أصول الولايات المتحدة وحلفائها الآخرين في روسيا في حال مصادرة ممتلكاتهم. ويُعد هذا الإجراء رادعًا، بل إجراءً منطقيًا في مواجهة الضغوط والإكراه الأحادي الجانب من جانب الغرب على موسكو، ويُعتبر أيضًا نوعًا من المصادرة المتبادلة. في حين يُحذّر خبراء غربيون في الغالب من أن تطبيق هذه الخطة قد يُقوّض ثقة المستثمرين الأجانب بالنظام المالي الغربي، ويُقلّل من تدفقات الاستثمار الأجنبي، ويُعزّز في نهاية المطاف المسارات المالية البديلة وغير الغربية، مما يُحوّلها فعليًا إلى اتجاهٍ يُؤدّي إلى تعدد أقطاب النظام المالي العالمي. والآن تُحاول الدول التي تُساوِرها المخاوف بشأن مصير رؤوس أموالها في ظلّ هذه الظروف، البحث عن سبل أخرى، بما في ذلك الانضمام إلى تكتلات غير غربية وأنظمة دفع جديدة ومختلفة، ما يُؤثّر سلبًا على الاتجاه الدائم لهيمنة الدولار في الأسواق العالمية والبورصات الدولية.[3]

ترى مجموعة أخرى من المحللين المستقلين أن هذه الخطة تُمثل انحرافًا إضافيًا عن العدالة والنزاهة من جانب النظام المالي الغربي، وتُحوّل النظام المالي الدولي إلى أداة سياسية لزيادة الضغط والنفوذ على الدول. في ظل هذه الظروف، سيسعى المسؤولون في دول مثل الصين والبرازيل والهند، وحتى السعودية، في ظل شعورهم بالتهديد على أمن رؤوس أموالهم في حال نشوب نزاعات مع الغرب، إلى إيجاد سبل بديلة لحماية رؤوس أموالهم وأصولهم العالمية. وفي هذا الشأن يبدو أن وتيرة التغير في احتياطيات النقد الأجنبي، وعملية تحويلها من الدولار إلى اليوان الصيني والذهب بل وحتى العملات الأخرى ستتسارع بشكل واضح.

كما اتخذ المسؤولون الروس قرارات استباقية، مُشيرين إلى أنه في حال إقرار هذه الخطة وتنفيذها، فقد ينخفض ​​مستوى العلاقات الدبلوماسية مع الولايات المتحدة وقد تُتخذ إجراءات سياسية واقتصادية مضادة. بل إنهم فكروا أيضًا في بُعد سياسي لتنفيذ هذه الخطة، وهو تقليص العلاقات الدبلوماسية مع واشنطن والدول الغربية لاعتقادهم أن اتخاذ مثل هذا القرار يعني عدم احترام القانون الدولي، وانتهاكًا للمبادئ الأساسية للعلاقات بين الدول.[4]

تجدر الإشارة إلى أنه على الرغم من أن ردود فعل روسيا على الخطة الأمريكية لنقل أصولها المجمدة إلى أوكرانيا قد تكون لها آثار سلبية على الاقتصاد الروسي على المدى القصير، بل وعمليًا قد يكون رد الفعل الروسي المقابل محدودًا ويؤدي إلى تشديد الرقابة على الاقتصاد الروسي وتقييد الاستثمار الأجنبي و له تأثير سلبي على النمو الاقتصادي الروسي في السنوات القادمة، بالإضافة إلى زيادة الضغوط الاقتصادية، كما إن استمرار هذا الوضع وإساءة استخدام الأصول المجمدة في الغرب قد يُسرّع في نهاية المطاف عملية التعددية القطبية المالية.

وأخيرًا، تجدر الإشارة إلى أن هذا الإجراء الذي اقترحه أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي ليس إجراءً ماليًا بحتًا فحسب، بل ينطوي أيضًا على سلسلة من العواقب بما في ذلك المصادرة المتبادلة من قبل روسيا، مما يُعرّض رأس المال الغربي المتاح للخطر. وفي ظل استمرار هذه العملية، مصحوبة بتهديدات دبلوماسية سيزيد ذلك من توتر العلاقات السياسية مع واشنطن. كما أن سلسلة من الإجراءات وردود الفعل ستُضعف أيضًا ثقة دول العالم في الاستثمار في الغرب، وبالتالي ستؤدي إلى تعدد أقطاب التبادلات المالية على المستوى الدولي واستمرار في تراجع قوة الدولار. ورغم أن هذه الضغوط قد تخلق قيوداً على الاقتصاد الروسي فإنها ستشكل حافزاً جدياً لتعزيز التعاون غير الغربي وتطوير طرق مالية مستقلة وقنوات جديدة وزيادة القدرة على الصمود على المستوى المحلي.


نويد دانشور

[1] https://www.aljazeera.com/news/2023/12/22/russia-may-sever-ties-respond-in-kind-over-seizure-of-its-assets
[2] https://www.reuters.com/world/europe/russia-says-seizing-its-frozen-assets-would-set-dangerous-precedent-2024-04-22/
[3] https://www.reuters.com/world/europe/russia-says-seizing-its-frozen-assets-would-set-dangerous-precedent-2024-04-22/
[4] https://lenta.ru/news/2024/11/09/v-mid-rossii-zayavili-ob-ugroze-razryva-dipotnosheniy-s-ssha
لا توجد تعليقات لهذا المنصب.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال