تعرضت السياسة الألمانية في قضية تسليح إسرائيل لانتقادات واسعة في أعقاب الحرب الأخيرة التي استمرت 12 يومًا بين إيران وإسرائيل. وخلافًا للنهج الحذر المُعتاد الذي تتبعه أوروبا تجاه النزاعات الإقليمية أصدرت الحكومة الألمانية تراخيص تصدير أسلحة بقيمة تقارب 485 مليون يورو إلى إسرائيل في الفترة من أكتوبر 2023 إلى منتصف 2025. وقد ساهمت هذه التراخيص، التي تشمل أسلحة وذخائر ومكونات ومركبات مدرعة ومعدات إلكترونية، بشكل مباشر في إعادة بناء القدرات الهجومية لتل أبيب وعززت مكانة إسرائيل الإقليمية لا سيما في وقت كانت فيه البلاد منخرطة في حرب مع إيران. تتعارض هذه السياسة مع مبادئ الاتحاد الأوروبي التقليدية المتعلقة بالحياد التسليحي وقد تكون بمثابة جرس إنذار لمستقبل أوروبا.
لا يقتصر الأمر على تراخيص على الورق فحسب؛ إذ تشير مصادر إلى أن ألمانيا استمرت في إرسال معدات عسكرية إلى إسرائيل حتى أثناء الحرب. وأعلنت وزارة الدفاع الإسرائيلية أن أربع عشرة طائرة شحن عسكرية من الولايات المتحدة وألمانيا هبطت في قواعد جوية إسرائيلية خلال المعركة. في إحدى الحالات المذكورة أقلعت طائرة شحن إسرائيلية من طراز بوينغ 747 من ألمانيا ونقلت حوالي 128 طنًا من المعدات العسكرية الألمانية مباشرةً إلى قاعدة نافاتيم الجوية. هذا الإجراء لا يتعارض فقط مع مبدأ الحياد في النزاعات الإقليمية، بل يُعزز موقف الطرف الآخر في أوقات النزاع. تُسبب هذه التحركات زعزعة الاستقرار في منطقة غرب آسيا، ويرى الكثيرون أنها تهديد مباشر للأمن الجماعي للمنطقة.
في الواقع، يتعارض هذا النهج تمامًا مع القيم الأوروبية والأعراف الدبلوماسية العالمية، وقد تؤدي مثل هذه الإجراءات إلى تصعيد الصراع المسلح مما يعني تسريع عملية زعزعة الاستقرار في المنطقة. لذلك ينبغي على القوى الإقليمية أن تكون على أهبة الاستعداد التام لهذه الحادثة وغيرها من الحوادث المماثلة.
بالإضافة إلى ذلك يُشير استمرار ألمانيا في تصدير الأسلحة إلى إسرائيل إلى انتهاك واضح لمعايير حقوق الإنسان. فبينما تُعلن برلين التزامها بالقانون الدولي وحماية المدنيين، فإنها في الواقع تبيع الأسلحة لدولة هاجمت البنية التحتية المدنية في غزة وإيران مرارًا وتكرارًا. تسببت حرب غزة الأخيرة، التي استمرت من أكتوبر 2023 إلى مايو 2025، في مقتل آلاف المدنيين ودمار هائل. وقد أدى ذلك إلى رفع شكوى لدى محكمة العدل الدولية من قبل عدة دول تتهم ألمانيا بتسهيل الإبادة الجماعية من خلال تصدير الأسلحة إلى إسرائيل.
كما فقد مئات المدنيين أرواحهم خلال الهجمات الإسرائيلية الأخيرة على إيران، حيث أفادت مصادر إيرانية بمقتل 639 شخصًا وإصابة أكثر من 1300 آخرين. ومع ذلك، لم تُظهر الحكومة الألمانية أي بوادر لوقف صادرات الأسلحة، بينما في حالات مماثلة (مثل الحرب في اليمن)، علّقت ألمانيا مبيعات الأسلحة إلى دول مثل المملكة العربية السعودية.
يُعد هذا السلوك المزدوج مثالًا واضحًا على النظرة العملية والمادية لمفاهيم حقوق الإنسان، حيث تُعطى الأولوية للمصالح السياسية على المبادئ الإنسانية.
ومع ذلك واجهت سياسة تصدير الأسلحة إلى إسرائيل معارضة متزايدة داخل ألمانيا. ففي استطلاع رأي نُشر في يونيو 2025، أراد 73٪ من الألمان فرض المزيد من القيود على صادرات الأسلحة إلى النظام الإسرائيلي، وأراد حوالي 30٪ إيقافها تمامًا. ويعتقد 13٪ فقط منهم أن ألمانيا يجب أن تدعم إسرائيل في جميع الظروف، بينما عارض 74٪ هذا الرأي. كما اعتبر 63٪ من المشاركين العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة مفرطة واعتبرها 73٪ غير مبررة.
و انتقد قادة كثر من مختلف الأطياف السياسية العنف الإسرائيلي اتجاه المدنيين؛ فقد صرح المستشار الألماني الجديد فريدريش ميرتس، علنًا بأن شدة الهجمات الإسرائيلية لم تعد مبررة وأن هناك إمكانية لفرض حظر على الأسلحة، على الرغم من أن أفعاله فيما يتعلق بأفعال النظام الإسرائيلي في إيران تتناقض مع مواقفه، ولكن يبدو أن حتى الإبادة الجماعية التي ارتكبها النظام في غزة لم تؤثر على نهج ألمانيا. ومع ذلك، دعت وسائل الإعلام والأكاديميون وبعض أعضاء البرلمان الألماني الحكومةَ أيضًا إلى إنهاء هذه العملية والامتناع عن "التواطؤ في جرائم الحرب".
في المقابل، ونظرًا لدور ألمانيا في تسليح إسرائيل، يُمكن لإيران استخدام القدرات القانونية والدبلوماسية الدولية للتصدي. ومن بين هذه السبل اللجوء إلى محكمة العدل الدولية(ICJ)، لا سيما من خلال الاستشهاد باتفاقيات جنيف ومعاهدة تجارة الأسلحة(ATT)، اللتين تُلزمان الدول بالامتناع عن تصدير الأسلحة إذا كان من المحتمل استخدامها في إبادة جماعية أو جرائم ضد الإنسانية.
ويمكن لإيران طلب تدخل محكمة العدل الدولية أو مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة من خلال تقديم أدلة على استخدام الأسلحة الألمانية في هجمات على المدنيين. كما يُعدّ استخدام قدرة منظمة التعاون الإسلامي(OIC) على إصدار قرارات ضد صادرات الأسلحة إلى إسرائيل أداة دبلوماسية فعّالة. وينبغي أن يكون الهدف زيادة التكاليف القانونية والسياسية على الحكومة الألمانية وإجبارها على وقف أو خفض صادرات الأسلحة.
في الختام، تجدر الإشارة إلى أن سياسة ألمانيا في مجال التسلح، حتى في خضم الحرب، دليل واضح على الدعم العملي من الغرب للنظام الإسرائيلي. لا ينبغي لإيران أن تنخدع بالألاعيب الإعلامية والمعايير المزدوجة للدول الغربية. من الضروري أن تُسلّط إيران، بالتزامن مع تعزيز قدراتها الدفاعية ودبلوماسيتها النشطة، الضوء على دور ألمانيا في دعم أفعال إسرائيل، وأن تستخدم جميع الإمكانيات القانونية لمتابعة هذه القضية. في ظلّ تهديد استقرار المنطقة، يجب على إيران أن تكون مستعدة لمختلف السيناريوهات - من تجدد الصراع العسكري إلى المعارك الدبلوماسية - وأن تدافع عن مصالحها بحكمة ويقظة استراتيجيتين.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال