أطلق الاتحاد الأوروبي عملية "أسبيدس" في فبراير 2024، بهدف حماية الملاحة التجارية في البحر الأحمر في ظل هجمات القوات اليمنية دعماً لفلسطين. وقد كشفت هذه الهجمات الدقيقة والمكلفة على السفن التجارية المتجهة إلى إسرائيل عن نقاط ضعف كبيرة في القدرات البحرية للاتحاد الأوروبي، وأثارت تساؤلات حول سلطته كقوة بحرية عالمية. وتُبرز النتائج انهيار النفوذ البحري الأوروبي، وعدم الكفاءة الهيكلية في الإطار البحري للاتحاد الأوروبي، وإحجام الدول الأعضاء عن إعطاء الأولوية للإنفاق الدفاعي، والعواقب الاقتصادية لتعطيل طرق التجارة، وإمكانية قيام جهات فاعلة أخرى غير حكومية بمحاكاة استراتيجية أنصار الله اليمنية.
أبرزت الهجمات اليمنية على سفينتين تجاريتين في البحر الأحمر، وهو مركز استراتيجي للتجارة العالمية، فشل عملية "أسبيدس" في تحقيق هدفها الرئيسي المتمثل في حماية ممرات الشحن. وقد نشرت العملية التي أُطلقت بمشاركة سبع دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي بما في ذلك فرنسا وألمانيا وإيطاليا، أربع فرقاطات للقيام بدوريات في المنطقة والتصدي لهجمات الصواريخ والطائرات المسيرة اليمنية. على الرغم من هذه الجهود، فشلت عمليات الردع التي شنها اليمنيون الذين نفذوا أكثر من 100 هجوم منذ أكتوبر 2023 واستهدفوا سفنًا مرتبطة بإسرائيل والولايات المتحدة والمملكة المتحدة ردًا على صراع غزة. وقد أضر الفشل في تأمين البحر الأحمر بسمعة الاتحاد الأوروبي كقوة بحرية، حيث أشار الناقدون إلى الوجود البحري المحدود للاتحاد الأوروبي وبطء أوقات الاستجابة كعوامل رئيسية. يعكس هذا الانهيار الرمزي تراجعًا أوسع في قدرة أوروبا على إبراز القوة في المياه الاستراتيجية وهو علامة على تراجعها كقوة بحرية بارزة.(1)
إن عدم قدرة الاتحاد الأوروبي على الاستجابة بسرعة وفعالية للتهديدات من اليمن له جذور عميقة في نقاط الضعف الهيكلية واللوجستية. وعلى عكس الولايات المتحدة، تفتقر أوروبا إلى حاملات الطائرات والأسلحة الاستراتيجية بعيدة المدى اللازمة للاستجابة السريعة والمستدامة في المناطق النائية. على سبيل المثال، بينما تمتلك الولايات المتحدة 11 حاملة طائرات، فإن الدول الأعضاء في الناتو والاتحاد الأوروبي مجتمعة لديها ثلاث حاملات طائرات عاملة فقط. مهمة أسبيدس تعمل ببضعة سفن وطائرة هليكوبتر واحدة فقط لتغطية منطقة واسعة وخطيرة، وتبلغ ميزانيتها السنوية 17 مليون يورو فقط، وهي ميزانية ضئيلة للغاية مقارنة بالعمليات المماثلة.(2)
علاوة على ذلك، فإن الاعتماد على الإجماع البيروقراطي في صنع القرار يمثل عقبة رئيسية أمام الاستجابات العسكرية السريعة والحاسمة. غالبًا ما تؤدي الحاجة إلى توافق في الآراء بين جميع الدول الأعضاء بشأن العمل العسكري في إطار السياسة الأمنية والدفاعية المشتركة (CSDP) إلى البطء والحذر السياسي المفرط والتنازلات التي تقلل من الكفاءة التشغيلية. تزيد هذه العملية بشكل كبير من الوقت اللازم لنشر القوات والمعدات وتمنع الاتحاد من تبني نهج حاسم. لقد أدى ضعف التنسيق وغياب قيادة مركزية قوية إلى تحويل القوات العسكرية للاتحاد الأوروبي إلى مجموعة من الجيوش الوطنية ذات القدرات المختلفة بدلا من قوة موحدة ومتماسكة. وقد أدى ذلك إلى عدم إنفاق القوة العسكرية والدفاعية لأوروبا بشكل صحيح في جميع أنحاء الاتحاد.(3)
رغم الخطاب الدائر حول الاستقلال الاستراتيجي، فإن استعداد الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي لزيادة الإنفاق العسكري ودمج قواتها الدفاعية فعليًا بعيد كل البعد عن المطالبات الجيوسياسية للاتحاد. فرغم ازدياد الإنفاق الدفاعي للاتحاد الأوروبي في السنوات الأخيرة، ليصل إلى 326 مليار يورو (1.9% من الناتج المحلي الإجمالي) بحلول عام 2024، إلا أن هذه الزيادة غالبًا ما تكون مجزأة وغير منسقة. ولا تزال العديد من الدول ترفض تخصيص حصة كافية من ناتجها المحلي الإجمالي للدفاع، ونتيجة لذلك تعاني الجيوش الأوروبية من تناقضات هيكلية وتجهيزية. كما أدى هذا الإحجام عن القيام باستثمارات حقيقية ومنسقة إلى خلق فجوة عميقة بين طموحات الاتحاد الأوروبي وقدراته العملية. ويمثل الاعتماد المفرط على الولايات المتحدة في القدرات الرئيسية وهمًا دفاعيًا، مثل النقل الجوي والتزود بالوقود جوًا والاستخبارات والدفاع السيبراني.
ويسمح هذا النقص في المسؤولية الأمنية للأوروبيين بتفويض مسؤوليات دفاعية صعبة للآخرين، مع استمرارهم في ترسيخ مطالبهم الكبرى على الساحة العالمية. وهذا سيؤدي عاجلًا أم آجلًا إلى تقليصهم إلى مستوى أدنى من الفاعلين على مستوى دولي. أدى فشل عملية أسبيدس في تأمين المنطقة إلى إجبار شركات الشحن على تحويل مسار سفنها عبر رأس الرجاء الصالح، مما زاد من مدة العبور إلى أسبوعين، ورفع تكاليف الوقود بنسبة 40%. وقد أدى ذلك إلى ارتفاع الأسعار على المستهلكين وتأخير سلاسل التوريد، لا سيما في أوروبا التي تعتمد اعتمادًا كبيرًا على طرق البحر الأحمر للحصول على الطاقة والسلع الآسيوية. يُسلط تحول المنطقة إلى واحدة من أخطر المناطق البحرية في العالم الضوء على العواقب الاقتصادية لعجز الاتحاد الأوروبي عن ممارسة نفوذ فعال، ويُظهر أن ازدواجية المعايير الأخلاقية التي تنتهجها أوروبا تُكلفها غاليًا.(4)
ولعل أهم نتيجة استراتيجية لهذا الفشل هي أن نموذج الدفاع اليمني أصبح أكثر جاذبية للجماعات غير الحكومية الأخرى. فقد أظهرت قوات أنصار الله اليمنية أن حتى الجهات الفاعلة غير الحكومية يمكنها تحدي الأمن البحري باستخدام الصواريخ الدقيقة والطائرات المسيرة الانتحارية والزوارق السريعة. وقد أكد الخبراء العسكريون أن هذا مثال على "التطور في الحرب غير المتكافئة"؛ إذ أصبح بإمكان حتى الجماعات الصغيرة الآن زعزعة التوازن العسكري باستخدام التقنيات الجديدة وفرض تكاليف باهظة على القوى البحرية الكبرى. إن فشل الاتحاد الأوروبي في مواجهة الهجمات البحرية اليمنية، وكشف الضعف الشديد لقوته البحرية، ليس سوى أحد أعراض مشاكل أعمق وأوسع نطاقًا. يُظهر هذا الوضع بوضوح أن الاتحاد الأوروبي يفقد مكانته كقوة عظمى، ليس فقط في المجالين العسكري والبحري، بل في جميع المجالات بما في ذلك السياسة الخارجية، والنفوذ الاقتصادي، وحتى الشرعية المحلية. لقد أصبحت الفجوة بين قوة أوروبا ومطالبها عاملًا مُنهكًا. إن استمرار الاعتماد على الدعم الأمريكي، وغياب الإرادة السياسية لإنشاء قوة دفاعية فعالة ومتكاملة، وتباطؤ الهياكل البيروقراطية، كلها عوامل تُسهم في هذا التراجع التدريجي.
إذا فشل الاتحاد الأوروبي في إجراء تغييرات جذرية وواسعة النطاق في هياكله وسياساته واستثماراته، فقد يتسارع هذا التراجع، ويؤدي في النهاية إلى انهيار التحالف ونفوذه العالمي. لتجنب هذا المصير، أو على الأقل تأخيره، يجب على الاتحاد الأوروبي تعزيز قدراته العسكرية، وتسريع عمليات صنع القرار والأهم من ذلك، تطوير إرادة سياسية واحدة وحاسمة للدفاع عن مصالحه على الساحة العالمية. بدون هذه التغييرات، سيبقى حلم أوروبا كقوة عالمية وهمًا.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال