اتفاقية استراتيجية بين روسيا وفنزويلا نحو نظام متعدد الأقطاب
خلال الفترة الماضية تم توُّقيع "اتفاقية الشراكة والتعاون الاستراتيجي" بين روسيا وفنزويلا الحليفتين بهدف تعزيز التعاون الاستراتيجي بين موسكو وكاراكاس لمدة عشر سنوات. ورغم أن الفكرة الرئيسية لهذا الميثاق طُرحت قبل أشهر سابقة، إلا أنه حظي بالإجماع في الجمعية الوطنية الفنزويلية مؤخرًا كرمز للوحدة الداخلية للحفاظ على العلاقات الاستراتيجية مع روسيا. وقد تجلّى الهدف النهائي والخفي لهذا الاتفاق الاستراتيجي في مواجهة أقوى من ذي قبل في مواجهة سياسات الهيمنة الأمريكية.
أولًا تجدر الإشارة إلى أن مسؤولين من كلا الحكومتين أكدوا أن توسيع التعاون في مختلف المجالات سيؤدي إلى مضاعفة القدرة على المواجهة وزيادة المرونة في مواجهة ضغوط القوى الغربية. ويشير إقرار هذا الاتفاق بأغلبية الأصوات في البرلمان الفنزويلي إلى رغبة جميع سلطات البلاد في التعاون الشامل مع موسكو في ظل الاضطرابات الناجمة عن تزايد التهديدات العسكرية الأمريكية ضد فنزويلا. في الوقت نفسه تُعاني روسيا وفنزويلا من عقوبات غربية قسرية، ويعتبر البلدان هذا التعاون جزءًا من استراتيجية التعددية القطبية العالمية الجديدة، وقد اتفق زعيما موسكو وكاراكاس على الالتزام بأهدافهما المُحددة مُسبقًا في مواجهة ضغوط واشنطن والغرب مع احترام كل منهما للآخر والوقوف صفًا واحدًا.
وفي هذا الصدد صرّح روي دازا عضو الجمعية الوطنية الفنزويلية ونائب رئيس لجنة العلاقات الخارجية، خلال الجلسة البرلمانية لهذا البلد "إن الاتفاق المشترك بين روسيا وفنزويلا هو رسالة سلام وسيادة في ظل الظروف الجيوسياسية الراهنة، وهو أساس حق الشعب في تقرير المصير لأن الولايات المتحدة تسعى لاستعمار فنزويلا".[1]
خلال الأيام الأخيرة بدأ الجيش الفنزويلي مناورات عسكرية واسعة النطاق على حدوده الإقليمية شملت قوات بحرية وجوية ومدفعية، استعدادًا و رداً لنشر أكثر من 4000 جندي أمريكي بالقرب من سواحل البلاد.[2] ووفقًا لبعض المصادر الإخبارية، شاركت مقاتلات روسية أيضًا في هذه المناورات.[3] في هذا الصدد صرّح الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو بأنه بالإضافة إلى التدريبات في منطقة البحر الكاريبي، تُجري دول أخرى تدريبات دفاعية وعسكرية مماثلة لتكون البلاد على أهبة الاستعداد لأي سيناريو أمريكي محتمل. لأن الإجراءات الأمريكية وفقًا لمادورو ليست مجرد توتر بل عدوان عسكري صريح.[4]
تجدر الإشارة إلى أن هذه الاتفاقية ستعزز العلاقات بين البلدين في مجالات الطاقة والدفاع والتكنولوجيا، وستعمل على مواجهة الهيمنة الغربية باستخدام أدوات مالية أخرى غير الدولار، وستصبح أداة فعّالة لتعميق التعاون بين البلدين وحلفائهما ضد الأهداف الأحادية الجانب للولايات المتحدة. [5]
من ناحية أخرى يمكن أن تصبح هذه الاتفاقية أداة فعّالة لكاراكاس لممارسة نفوذ أكبر على دول أمريكا اللاتينية الأخرى، وبما أن نيكولاس مادورو سيحصل على دعم اقتصادي وسياسي أكبر من روسيا من خلال هذا التحالف الاستراتيجي، فيمكنه أيضًا استخدام هذه الاتفاقية للحفاظ على سلطته وتثبيت موقعه الجيوسياسي في أمريكا اللاتينية وبين الدول الأخرى المناهضة للإمبريالية مثل كوبا وبوليفيا ونيكاراغوا.
في المقابل ستشكل هذه الاتفاقية أيضًا وسيلة لروسيا لتوسيع العلاقات في أمريكا اللاتينية أو الفناء الخلفي للولايات المتحدة مما سيضعف موقف واشنطن الحالي. لأن توسيع روسيا لوجودها في المنطقة بهدف دعم السيادة الوطنية لفنزويلا وأمنها الإقليمي وخلق الردع وحماية المصالح المشتركة، قد قربها من الولايات المتحدة عسكريًا وعمليًا. ومع تعزيز موقف موسكو سيؤدي ذلك إلى مزيد من تطويق فنزويلا للبحر الكاريبي وتعزيز موقفها ردًا على التهديدات العسكرية الأمريكية. [6]
في هذا السياق من الأفضل معرفة أن ترامب نشر في الأيام الأخيرة تفاصيل قراره بالسماح بعمليات وكالة المخابرات المركزية في فنزويلا بهدف الإطاحة بالحكومة المنتخبة في فنزويلا.[7] ووفقًا للعديد من الخبراء فإن هذه الاتفاقية الاستراتيجية بالإضافة إلى خلق فوائد دفاعية وأمنية مشتركة، ستؤدي أيضًا إلى ازدهار اقتصادي أكبر وتفيد كلا الطرفين في هذه الاتفاقية من خلال تسهيل الصادرات والواردات بين البلدين والمنطقة الجغرافية الأوسع، وكذلك من خلال تشغيل مشاريع الطاقة المشتركة في حقول النفط والغاز وتنفيذ مشاريع التعدين. وسيشمل ذلك أيضًا مشاريع مشتركة لمكافحة الإرهاب وتهريب المخدرات، وتطوير البنية التحتية للنقل الجوي بين البلدين، وتعزيز التعاون في إطار منظمة أوبك ومنتدى الدول المصدرة للغاز وتوسيع العلاقات في قطاع الصحة والعديد من القضايا الأخرى.
وأخيرًا تجدر الإشارة إلى أنه بالنظر إلى الاتفاقية الاستراتيجية العشرية بين روسيا وفنزويلا يُمكن اعتبارها جزءًا مهمًا من بناء نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال