يُولي ترامب اهتمامًا بالغًا بعملية السلام، وهدفه هو تقديم إنجاز كبير يُحسّن صورة الولايات المتحدة لدى الرأي العام في الشرق الأوسط والمجتمع الدولي. ومن خلال التأكيد على سرعة إنجاز الاتفاق، يسعى الرئيس الأمريكي إلى استغلاله كإنجاز كبير لتعزيز مكانة أمريكا الدولية وترسيخ إرثه السياسي. فبالإضافة إلى إبراز صورة الولايات المتحدة "المحبة للسلام"، استغل ترامب الوقت والضغط الإعلامي لتسريع عملية السلام [1].
في الواقع بالإضافة إلى تحقيق نتيجة فورية لتحسين صورة أمريكا يُصرّ ترامب أيضًا على نيل جائزة نوبل للسلام، بينما يعتبر نتنياهو التنفيذ الكامل لخطة السلام أمرًا بعيد المنال وسيؤثر هذا الاختلاف على مسار صنع القرار المستقبلي للنظام الصهيوني.
هذا الخلاف ليس شخصيًا أو تكتيكيًا فحسب، بل يعكس اختلاف نهجي الولايات المتحدة والنظام الإسرائيلي في سياسة الشرق الأوسط. يسعى ترامب إلى نتيجة سريعة ورمزية، بينما يسعى نتنياهو إلى عملية مُحكمة وطويلة الأمد مع الحد الأدنى من التنازلات. وقد ترك هذا التناقض النظام الإسرائيلي منقسمًا في عملية صنع القرار، وأجبره على الظهور بمظهر المتحالف مع الولايات المتحدة.
في مؤتمر صحفي مشترك عُقد في واشنطن العاصمة في 29 سبتمبر، انحاز نتنياهو إلى ترامب واصفًا الخطة بأنها جهد مشترك من شأنه أن يعزز أهداف إدارته، مع توجيه الانتقادات الدولية للحرب نحو حماس، وهي جماعة عليها الآن الاختيار بين قبول الخطة أو استمرار الحصار.
لكن إشارة خطة ترامب إلى "دولة فلسطينية" أثارت غضب أعضاء ائتلاف نتنياهو الحاكم، الذي يُعتبر أكثر الحكومات يمينية في تاريخ إسرائيل، ويتأثر بشدة بحلفائه القوميين المتطرفين، بمن فيهم إيتامار بن جيفر وبتسلئيل سموتريتش.
ووفقًا لأحد المصادر حاول نتنياهو حذف الإشارة إلى "دولة فلسطينية" من خطة ترامب لأنه قال مرارًا وتكرارًا إن الدولة الفلسطينية لن تتحقق أبدًا. مع ذلك، لا تُحدد الوثيقة الختامية مسارًا واضحًا نحو الدولة الفلسطينية. بل تنص على أنه بمجرد إعادة إعمار غزة و"التنفيذ الكامل" لبرنامج الإصلاح الذي وضعته السلطة الفلسطينية، قد تُهيأ الظروف "لمسار موثوق نحو تقرير المصير، وفي نهاية المطاف إقامة دولة فلسطينية وهو هدف رئيسي لتطلعات الشعب الفلسطيني".
من المرجح أن تُغضب هذه اللغة الدبلوماسية العديد من حلفاء نتنياهو اليمينيين، الذين حذّروا من أي ذكر لدولة فلسطينية قبل اجتماعه مع ترامب. إلا أن نتنياهو وقف إلى جانب ترامب قائلاً إن الوثيقة "تضع الأساس لتقدم كبير على طريق السلام في المنطقة وخارجها".
ولكن يُقال إن نتنياهو لا ينوي عرض خطة ترامب المكونة من 20 نقطة على مجلس الوزراء للموافقة عليها، وسيطلب فقط من الوزراء التصويت على شروط إطلاق سراح الرهائن. وبموجب الخطة ستفرج إسرائيل عن مئات السجناء الفلسطينيين مقابل الرهائن.
كما حذّر الدبلوماسي الإسرائيلي السابق ألون بينكاس من أن نتنياهو من المرجح أن يُعطل المفاوضات بشأن قضايا غامضة، مثل انسحاب الجيش من غزة سواءً للبقاء في السلطة سياسياً أو لتقويض خطة ترامب من الداخل.
كما حلل نوي جوردون الأستاذ الإسرائيلي بجامعة كوين ماري في لندن، موقف نتنياهو بطريقة تجعله يعتقد على الأرجح أنه إذا كانت لديه خطة لتطبيع العلاقات مع المزيد من الدول العربية والإسلامية، فسيتمكن من الفوز في الانتخابات المقبلة، المقرر إجراؤها بحلول أكتوبر 2026. وأكد أنه حتى بعد قبول خطة ترامب، قد ينأى نتنياهو بنفسه عنها لاحقًا ويلقي باللوم على حماس. وهو تكتيك، وفقًا للباحث استخدمه من قبل وقد يعزز موقفه السياسي[2]. لذلك يبدو هذا التحليل صحيحًا لأن نتنياهو يعتبر قبول خطة ترامب خطرًا على الاستقرار الداخلي والصراع مع حلفائه.
لهذا قد يؤدي الاختلاف بين ترامب ونتنياهو إلى ارتباك في صنع السياسات الداخلية للنظام الصهيوني وتأخير في التحركات الاستراتيجية، وإضعاف التماسك الداخلي فيه. وقد تؤدي هذه الفجوة حتى إلى استقالة بعض الوزراء أو الضغط الداخلي لإعادة النظر في الاتفاقية[3].
في نهاية المطاف تُظهر هذه الاختلافات أن التحالف بين واشنطن وتل أبيب ليس بالضرورة موحدًا، وأنه حتى في القضايا التي تبدو مشتركة قد يتباعد تحت تأثير مصالح وحسابات الطرفين المتباينة. ونتيجةً لذلك يبدو أن خطة ترامب للسلام في الشرق الأوسط ستواجه تباطؤًا وانعدام ثقة واتساعًا في الفجوة بين أهداف الولايات المتحدة والنظام الصهيوني.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال