استبدال قيادة كييف في ظل التدخل الأمريكي
347 Views

استبدال قيادة كييف في ظل التدخل الأمريكي

خلال الأيام الأخيرة وفي ظل التطورات المتعلقة بالقيادة الأوكرانية تواصلَ بعضٌ من المقربين من دونالد ترامب بمن فيهم أعضاءٌ من فريق نائب الرئيس جيه. دي. فانس، مع فاليري زالوزني (قائد الجيش السابق والسفير الأوكراني الحالي في لندن)، ويبدو أنهم يعتبرونه الخيار الأول لخلافة فلاديمير زيلينسكي إلا أنه رفض هذه الدعوات بعد اتصالاتٍ مع المكتب الرئاسي ولم يُجب عليها.[1]

تشير هذه الأحداث وطرح مثل هذه الخيارات إلى أن الغرب يدرس سُبلًا بديلة للخروج من الأزمة في أوكرانيا. من جهةٍ أخرى، ذكرت الاستخبارات الخارجية الروسية أن الولايات المتحدة وبريطانيا بحثتا مؤخرًا، في محادثاتٍ سرية استبدال زيلينسكي بالجنرال زالوزني.[2] إذ يُعتبر زالوزني من وجهة نظر السياسيين الغربيين، شخصًا موثوقًا به ومستقلًا وفي الوقت نفسه مطيعًا للغرب وقادرًا على لعب دورٍ في المستقبل السياسي لأوكرانيا، بما يتماشى مع السياسات الاستبدادية للغرب وأمريكا.

فاليري زالوزني، الذي عُرف بشعبيته وجاذبيته في أوكرانيا منذ بداية الصراع بين أوكرانيا وروسيا وقدّمته وسائل الإعلام رمزًا للمقاومة الوطنية، بنى لنفسه صورة بطولية وأصبحت هذه الصورة التي تُقدّم في المجتمع الأوكراني اليوم أداةً فعّالة في استمرار السياسات الغربية لطرح مسألة تغيير القيادة واستبدالها بالشخص الذي تختاره. وبالطبع، فإنّ التركيز على هذه الشعبية لن يكون دليلًا على اليقين من استبداله، ولكن نظرًا لتوجه الغرب المتكرر نحو إقامة حكومات عميلة، فإنّ هذا الشخص هو بلا شكّ الخيار الأول والمحتمل للغرب، مما دفع وسائل الإعلام الغربية إلى تغيير مواقفها من زيلينسكي وتركيز اهتمامها على زالوزني. إذ كان من المقرر أن يتمّ التوصل إلى اتفاقات خلال الاجتماع الأخير بين ترامب وزيلينسكي في المكتب البيضاوي بالبيت الأبيض، لكنّ هذا الاجتماع المتوتر تحوّل إلى تحدٍّ وصراع، مما أشار إلى إعادة تعريف جديدة للقيادة في أوكرانيا، وربما يكون بدايةً لخطّ فكري جديد لاستبداله.

في الواقع، تجاوز الوضع خلال هذا الاجتماع مرحلة التفاوض وتحولت المجادلات الصاخبة والمقاطعات المتكررة إلى صراع سياسي شامل. قاطع ترامب ومساعده زيلينسكي مرارًا بل وخاطباه بقلة احترام وفي النهاية، تمكنا من كشف عجز زيلينسكي عن التفاوض إلى حد كبير.[3] بالنسبة لبوتين ووسائل الإعلام المقربة من روسيا، كان هذا الاجتماع مؤشرًا جديدًا على "ترهل الولايات المتحدة" حتى في دعم حلفائها الغربيين.

يمكنهم تقديم هذا الحدث كرمز لتراجع شرعية قيادة زيلينسكي وضعف الجهود الغربية. بالنسبة لروسيا، فإن مثل هذه السيناريوهات وخاصة عندما تسعى إليها تيارات مقربة من الجمهوريين هي علامة على ضعف القيادة الأوكرانية وفرصة لتعزيز روايتها حول فشل السياسات الغربية. داخل أوكرانيا أثارت الأحداث التي وقعت في واشنطن شكوكًا حول قدرة زيلينسكي الإدارية على ضمان استمرار الدعم الأمريكي، وفي المقابل يتم تقديم شخصيات مثل زالوزني كخيار جدير بالقيادة الأوكرانية. سواء حدثت هذه الأحداث بالفعل أم لا، فهي علامة على ضعف زيلينسكي الدولي وتغيير في ميزان القوى وعلامة على عدم ثقة ترامب في استمرار زيلينسكي في الوضع الحالي، وفي الوقت نفسه مثال واضح على الطبيعة الاستعمارية للولايات المتحدة وترامب.

الآن وفيما يتعلق بالجو الذي خلقته وسائل الإعلام الغربية، هناك تغيير كبير في ردود الفعل تجاه القيادة في أوكرانيا. على سبيل المثال، صحيفة الغارديان التي قدّمت زيلينسكي في بداية الصراع في أوكرانيا كقائدٍ بطوليٍّ ومنقذٍ لأوكرانيا، تراجعت قليلاً عن هذه القضية بل أشارت مؤخرًا إلى فاليري زالوزني القائد السابق للجيش الأوكراني.[4] يُظهر هذا أن وسائل الإعلام الرئيسية في الغرب تعتبر مستقبل القيادة الأوكرانية واستبدال الإدارة بوجوهٍ جديدةٍ أمرًا شرعيًا وخاضعًا للتدقيق، وتطرح الآن ضمنيًا إمكانية انتهاء ولاية زيلينسكي ووصول وجهٍ جديدٍ إلى السلطة.

تُظهر هذه التطورات أن القرارات المتعلقة بمستقبل القيادة الأوكرانية لا تُتخذ في كييف وحدها، بل تتأثر بمعادلات الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي (الناتو)، وحتى بمواقف روسيا التي لا تعترف بزيلينسكي. من الواضح أن ترامب يلعب دورًا مباشرًا لدرجة أنه يفكر في استبدال زيلينسكي. على الرغم من أن حلف الناتو والحلفاء الغربيين قلقون أيضًا بشأن أي تغييرات وتطورات في أوكرانيا إلا أن روسيا من ناحية أخرى تحاول أيضًا جعل الوضع الداخلي في أوكرانيا أكثر اضطرابًا من خلال إضعاف زيلينسكي لإثبات للغرب أنه بدون وجود روسيا، ستبقى أي معادلة في المنطقة دون حل.

في الختام، وبالإشارة إلى جميع المناقشات التي أثيرت في الأيام الأخيرة يمكن القول إن قضية الخلافة في قيادة أوكرانيا والتركيز على عدم شرعية فلاديمير زيلينسكي، بغض النظر عن إمكانية حدوثها، تتجاوز الصراع الداخلي وأصبحت ساحة معركة بين القوى العظمى ومصالحها. حيث يمكن أن تحل النظام الداخلي لأوكرانيا وتحدث تغييرات عميقة في الهيكل الأمني ​​​​لأوروبا وحتى النظام الدولي ومن خلال إظهار الطبيعة المتغطرسة للغرب تؤكد أنه بدون وجود روسيا ستبقى أي معادلة في المنطقة دون حل.



نويد دانشور

[1] https://www.theguardian.com/world/ng-interactive/2025/aug/25/general-envoy-future-ukraine-president-valerii-zaluzhnyi-london-waiting-game
[2] https://english.pravda.ru/news/world/163515-kremlin-zaluzhnyi-replace-zelensky-western-plot/
[3] https://www.reuters.com/world/world-reacts-zelenskiy-trump-oval-office-clash-2025-02-28/
[4]https://www.theguardian.com/world/ng-interactive/2025/aug/25/general-envoy-future-ukraine-president-valerii-zaluzhnyi-london-waiting-game
لا توجد تعليقات لهذا المنصب.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال