لطالما تمتعت العلاقة بين الصين وكوريا الشمالية خلال السنوات الماضية بعلاقات جيدة (1) ، وقد قدمت بكين دائمًا مساعدات كبيرة لها لتكون حليف لها في شبه الجزيرة الكورية. تُعرف الصين بدورها كصانع للسياسات الوطيدة تجاه كوريا الشمالية، وبقدرتها على تحديد استراتيجياتها الكلية. بعد تولي كيم، الزعيم الجديد لكوريا الشمالية السلطة طرأ تغيير طفيف على السياسات الكلية للبلاد، حيث تركز بشكل رئيسي على المجالين العسكري والاقتصادي، و أُجريت إصلاحات عديدة وانخفض الاعتماد على الدول الأجنبية في تلبية الاحتياجات المحلية بشكل طفيف. تتناول هذه المقالة دور الصين تجاه كوريا الشمالية وتداعياته على المعادلات الإقليمية؛
فيما يتعلق بتغير دور الصين في قضية كوريا الشمالية، فقد كان دورها في الماضي مسيطرًا تجاهها، وفي هذا الشأن سعت إلى تعديل سلوكيات بيونغ يانغ المحفوفة بالمخاطر (2). ونظرًا لدور الصين كمورد أساسي لها فقد استجاب قادة كوريا الشمالية لأوامرها. ومع ذلك في السنوات الأخيرة ونظرًا لتزايد المنافسة بين الصين والولايات المتحدة فقد تضاءل دور الصين المسيطر تجاه كوريا الشمالية ويبدو أن هذه الاستراتيجية الصينية الجديدة قد تم تبنيها عمدًا، ولم تفرض الصين أي قيود على بيونغ يانغ من أجل الضغط على الولايات المتحدة وحلفائها في شرق آسيا.
تأثير التقارب الروسي مع كوريا الشمالية: على عكس اعتقاد بعض خبراء العلاقات الدولية (3) ، فإن التقارب الروسي مع كوريا الشمالية لم يدفع الصين إلى إبعاد نفسها عنها، بل تحاول الصين تعزيز الروابط وتقوي العلاقات مع كوريا الشمالية في منافسة مع موسكو، وهذه لعبة مربحة للجانبين لحكومة كيم، التي تعيش في عزلة. يمكن أن تكون مسألة تعزيز العلاقات الصينية الروسية مع كوريا الشمالية أيضًا أداة لبيونغ يانغ لتصبح أقوى وتخرج من عزلتها في المستقبل.
نظرة الصين المزدوجة لكوريا الشمالية: إن نظرة الصين لكوريا الشمالية لها جانبان. الجانب الأول هو طبيعة قضية كوريا الشمالية الموجهة نحو التهديد. التهديد هو أنه إذا أصبحت قضية كوريا الشمالية حرجة، فقد يحدث عدم استقرار وأزمة لاجئين وسباق تسلح في شبه الجزيرة الكورية. وفي هذه الحالة، ونظرًا لأهمية الاستقرار والسلام بالنسبة للصين، فقد تعيق هذه القضايا نموها. أما الجانب الآخر من نظرة الصين لكوريا الشمالية فهو نظرة استراتيجية، إذ إن كوريا الشمالية باعتبارها رصيدًا مهمًا للصين قد تُشكل مصدر قلق للولايات المتحدة في شبه الجزيرة الكورية، مما يُقلل من تركيز الولايات المتحدة على تايوان، ذات الأهمية الاستراتيجية للصين التي تستعد لضمها. إن فهم هذين الجانبين معًا يُمكن أن يُفسر سياسة الصين تجاه كوريا الشمالية.
النفوذ في قضية تايوان: تستخدم الصين القضايا النووية والصاروخية لكوريا الشمالية كأداة للضغط على الولايات المتحدة، وتعتبر التزام واشنطن بسياسة الصين الواحدة شرطًا أساسيًا لتعاونها في هذا الصدد. سيوفر هذا النفوذ الجيوسياسي للصين أداة تفاوضية تُمكّنها من الحصول على التنازلات اللازمة من واشنطن بشأن قضية تايوان. كما تُدرك الولايات المتحدة أنه إذا بدأت كوريا الشمالية سياستها التدميرية تجاه جارتها الجنوبية، فستواجه شبه الجزيرة الكورية أزمة جوهرية ستُزعزع استقرار منطقة شرق آسيا. لهذا السبب تبنت كل من الصين والولايات المتحدة سياسةً مُلتوية وغير سليمة تجاه كوريا الشمالية وتايوان حتى يتمكن البلدان من التوصل إلى اتفاقات بشأن قضايا الخلاف في المستقبل.
الخلاصة، شهدت سياسة الصين تجاه كوريا الشمالية تغييرات عديدة، ولم تعد هناك رؤيةٌ عمليةٌ مطلقةٌ تجاهها، لأن الصين لن تُخاطر بأصولها الاستراتيجية (نفوذها في كوريا الشمالية). ونظراً للتطورات الأخيرة والمنافسة بين الولايات المتحدة والصين، فإن كوريا الشمالية قد تجتذب المزيد من المصالح في العلاقات مع الصين وروسيا وهو ما يشكل ميزة لبيونج يانج المنخرطة في مشاكل داخلية.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال