بعد أن اقتربت نهاية العام الرابع من بدء العمليات الخاصة الروسية ضد أوكرانيا، واستمرار توسع وتيرة الصراعات في مختلف مناطق أوكرانيا وروسيا، نشهد حالياً تفوقاً عسكرياً روسياً وهيمنةً روسيةً متفوقةً في إدارة جبهات القتال، في حين تبرز تحديات وضغوط عديدة في كييف وقد أدت هذه التحديات إلى استياء واسع وشامل بين المواطنين الأوكرانيين من القادة الأوكرانيين وخاصة زيلينسكي وسياساته.
لدراسة الأسباب الرئيسية لتفوق موسكو في مواصلة المعركة بحسم، بغض النظر عن الضغوط متعددة الأطراف من الولايات المتحدة والغرب والتهديد بفرض عقوبات إضافية، تجدر الإشارة إلى أن الجيش الروسي، الذي يتجاوز تعداده 3.5 مليون جندي منهم 1.32 مليون جندي نشط، ومليونان من جنود الاحتياط وأكثر من 250 ألف جندي ميليشيا،[1] يتمتّع بتفوق كمّي ونوعي حاسم على الجيش الأوكرانلي، مما منح الكرملين الثقة اللازمة لمواصلة العمليات العسكرية. وفي هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى أنه في المعارك الكلاسيكية، يعني في المعارك البرية المعاصرة، سيكون تواجد قوات برية جديدة العنصر الأول لنجاح استمرار العمليات العسكرية وتحقيق التفوق، وأنّ جذب هذه القوات بفعالية يُعدّ أحد أهم عناصر الحفاظ على هذا التفوق.
تجدر الإشارة إلى أنه في الربع الأول من عام 2025، ارتفع معدل التجنيد في الجيش الروسي بنسبة 22%، مما يدل على نجاح الكرملين في التعبئة العامة واستبدال القوات السابقة وتوسيع جبهات جديدة.[2] في الوقت نفسه، عزز استخدام القوات الأجنبية من دول آسيا الوسطى الحليفة، وحتى بعض الدول المتوافقة مع السياسات الروسية مثل سوريا ونيبال والهند وكوريا الشمالية وكوبا، البعد الدولي للقوة القتالية الروسية.
من ناحية أخرى، يُعد الحفاظ على هذا الحجم من القوات في حالة تأهب قصوى مع أعلى معنويات ممكنة عاملاً آخر في الحفاظ على التفوق العسكري الروسي. ولهذا الغرض، لا ينبغي تجاهل دور المكافآت المالية في تعزيز الجيش. ومن أهم التدابير المتخذة في الجانب الاقتصادي للحفاظ على القوات الروسية وصيانتها، زاد الكرملين من تحفيز الجنود المجندين من خلال دفع مكافآت كبيرة تصل إلى 4 ملايين روبل في بعض مناطق روسيا، ووفر جزءًا كبيرًا من القوى العاملة اللازمة للحفاظ على التفوق العسكري على أوكرانيا التي تعاني من الأزمات ومواصلته.
في المقابل، تعتمد أوكرانيا لتعويض النقص الحاد في القوات على جبهات الحرب، على الدعم المالي والعسكري والتسليحي المباشر من أنصارها والغرب،[3] مثل أنظمة الدفاع المتكاملة، والصواريخ المضادة للدبابات والأفراد، ونظام صواريخ المدفعية المتنقلة HIMARS، ودبابات ليوبارد، والطائرات الهجومية المسيرة، وهو أمر واضح للعيان. وبالمقارنة مع حجم الأسلحة العسكرية الروسية، كالمدفعية وقاذفات الصواريخ والبنية التحتية للإنتاج الضخم للأسلحة (المدفعية، والطائرات المسيرة، والذخيرة، والدبابات)، التي منحت موسكو ميزة عسكرية خاصة، يُعتبر هذا الحجم ضئيلا للغاية.
في حين سعت وسائل الإعلام الغربية، في بدايات الصراع، إلى إبراز دور العقوبات والضغط من الجبهة الغربية بقيادة الولايات المتحدة، مما حوّل صمود روسيا الاقتصادي في مواجهة الوضع الراهن إلى تحدٍّ لا جدال فيه. إلا أننا نشهد عمليًا، بعد مرور أكثر من ثلاث سنوات على بدء هذه السلسلة من العمليات، تجاهلًا من جانب بوتين لتهديدات الولايات المتحدة، وخاصةً ترامب، معتمدًا على القوة العسكرية والاقتصادية الروسية.[4]
وخلافًا لتوقعات خبراء غربيين في الغالب، لم يضعف الاقتصاد الروسي وينهار فحسب، بل أدى نموه بنسبة 4.3% في عام 2024 إلى موجة من الدعم المحلي لسيساة الردع الروسية، ورفع المعنويات الجماعية للمواطنين الروس، ونمو اقتصادي في ظل المقاومة الاقتصادية[5]. ولم يُخفف هذا النمو الاقتصادي من وطأة العقوبات إلى حد ما فحسب، بل وفّر أيضًا بعض الموارد المالية اللازمة لمواصلة الحرب وتعزيز قدرات موسكو الدفاعية. من الواضح الآن أن سياسات موسكو في الردع والمقاومة الاقتصادية، كانت ميزة إيجابية لروسيا منه على خلال زيادة احتياطيات البلاد من النقد الأجنبي، وتقليل الاعتماد على الغرب، والدعم الشامل للإنتاج المحلي، وتوسيع وتعزيز التجارة مع الشرق، والاستفادة من الاتفاقيات الجماعية في إطار النظام العالمي الجديد، مثل البريكس وشنغهاي، بالإضافة إلى زيادة استخدام أنظمة الدفع البديلة للطرق الغربية التي تهيمن عليها الولايات المتحدة، وتصدير النفط والغاز باستخدام أساليب جديدة أدت إلى عدم فعالية العقوبات، [6]
وفي الختام، يُشير التقرير إلى أن استمرار التفوق العسكري الروسي رغم الضغوط الأمريكية، واستمرار الحرب في ظل الدعم الأوروبي لحكام كييف، لم يتحقق فقط من خلال المواجهة العسكرية والتجنيد المناسب للقوات اللازمة، ولكن أيضًا من خلال الإدارة الصحيحة لجبهات القتال والاستخدام المناسب للقدرات والمعدات الدفاعية اللازمة، والاستخدام المناسب لسياسات موسكو الردعية، وخبرة دول المنطقة في تحييد العقوبات، مع تعزيز المرونة الاقتصادية وتجاهل الضغوط الغربية المتعمد.[7] لقد نجحت روسيا في استخدام قدراتها الاقتصادية في مواجهة العقوبات مستغلةً أهدافًا محددة متجاهلةً التهديدات والضغوط الغربية، وواصلت خوض الحرب في أوكرانيا بتفوق. ويبدو أنه ما لم تتغير ظروف الحرب لصالح أوكرانيا فمن غير المرجح أن يُنهي الكرملين الحرب دون تحقيق رضا كامل والحفاظ على الإنجازات التي تصبو إليها موسكو أو تعزيزها.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال