اعتراف هولندا المتأخر و صحوة أوروبا
854 Views

اعتراف هولندا المتأخر و صحوة أوروبا

اتخذت هولندا خلال الأيام القليلة الماضية قرارًا هامًا بإدراج النظام الإسرائيلي على قائمة الدول التي تُشكل تهديدًا لأمنها القومي. وجاء هذا القرار في تقرير "تقييم تهديدات الجهات الفاعلة في الدولة" الصادر عن مركز التنسيق الوطني الهولندي للأمن ومكافحة الإرهاب (NCTV).

واستنادًا إلى مزاعم حملات التضليل الإسرائيلية والضغط على المؤسسات القانونية الدولية، اتخذت هولندا خطوةً لها تداعياتٌ مهمة على السياسة الخارجية الأوروبية والعلاقات الدبلوماسية والصراع الإسرائيلي الفلسطيني. وفي ظل تفاقم الأزمة الإنسانية في غزة، بعد أن قُتل أكثر من 54 ألف فلسطيني منذ تشرين الأول 2023، وفقًا لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA)، يُمثل هذا القرار تحولًا في المشاعر العالمية وقد يُغير الديناميكيات الإقليمية والدولية.[1]

قد يُسهم قرار هولندا في زيادة اهتمام دول العالم، وخاصةً الأوروبيين، بالقضية الفلسطينية. على الرغم من أن سبب تحرك هولندا وفقًا لتقرير NCTV، يشير تحديدًا إلى محاولات النظام الإسرائيلي التلاعب بالرأي العام الهولندي من خلال التضليل الإعلامي، مثل نشر وثائق تحتوي على معلومات شخصية لمواطنين هولنديين خلال التوترات المتعلقة بأنصار فريق مكابي لكرة قدم تل أبيب في أمستردام، والتي أدت إلى اشتباكات وتوترات. [2]ومع ذلك لم يغير ذلك في الجوهر شيء، فهناك المزيد من الأسباب لزيادة الحساسية تجاه تصرفات إسرائيل العدوانية على المستوى العالمي.

إن إدراج هولندا لإسرائيل على قائمة تهديدات الأمن القومي يمكن أن يُحدث تغييرًا جذريًا في نهج أوروبا تجاه نفوذ إسرائيل الاستخباراتي والأمني والسياسي. حتى الآن نادرًا ما كانت الدول التي انتقدت سياسات إسرائيل المتشددة تجاه فلسطين والمنظمات الدولية على استعداد لتصنيف تل أبيب رسميًا كتهديد أمني. لكن الخطوة الهولندية تُمثل نموذجًا لدول مثل أيرلندا والنرويج وإسبانيا وحتى فرنسا. قد تغتنم هذه الدول الفرصة وتُشكل سياساتها الأمنية بناءً على حقائق جديدة بدلا من التحالفات التقليدية.

علاوة على ذلك يعكس القلق الهولندي إزاء الضغوط الإسرائيلية على المحكمة الجنائية الدولية، ومقرها لاهاي دعمًا قويًا للمؤسسات القانونية الدولية. ويشير تقرير المركز الوطني لتلفزيون هولندا إلى تهديدات من إسرائيل والولايات المتحدة ضد المحكمة الجنائية الدولية، التي تحقق في مزاعم ارتكاب جرائم حرب في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. ومن شأن هذا الموقف أن يعزز مصداقية المحكمة الجنائية الدولية ويشجع الدول الأخرى على دعم جهودها. في الواقع تُرسل الخطوة الهولندية رسالة واضحة وقوية مفادها أن أوروبا ليست مستعدة للتنازل عن قيم القانون الدولي مهما كان الثمن، وأنها ملتزمة بالعدالة.[3]

لا شك أن مثل هذه الخطوة ستُغير المعادلات الإقليمية والعالمية. قد يتبنى النظام الإسرائيلي موقفًا أكثر صرامةً وانغلاقًا في مواجهة الضغوط، ومن ناحية أخرى ستتعمق الفجوة بينه وبين بعض حلفائه الغربيين، مثل هولندا وربما حتى فرنسا. و من ناحية أخرى قد تنظر الحركات المؤيدة للفلسطينيين والدول ذات التوجهات المقاومة إلى هذا القرار على أنه علامة على انهيار الإجماع الغربي في الدعم الأعمى لإسرائيل. كما أن هذا التطور قد يُمهد الطريق لاعتماد قرارات جديدة في الأمم المتحدة أو مراجعة اتفاقيات الأسلحة والأمن مع تل أبيب.

عندما تُصنّف دولة أوروبية مؤثرة وعضو في حلف الناتو النظام الإسرائيلي رسميًا كتهديد أمني، فإن هذه الرسالة لا تُوجّه للحكومات فحسب، بل أيضًا للجهات الفاعلة غير الحكومية وجماعات المقاومة. فالجماعات التي تحاول إطلاع العالم على جرائم النظام الإسرائيلي منذ سنوات تحظى الآن بدعم من إجراء حكومي. وهذا قد يؤدي إلى تعزيز الشرعية الدولية وزيادة الدعم الشعبي وزيادة التأثير الإعلامي. من ناحية أخرى قد تُوسّع حركات المجتمع المدني في أوروبا نطاق حملاتها لمقاطعة إسرائيل أو الدفاع عن حقوق الإنسان بالاعتماد على هذا التقرير.

لو اتخذت الدول الأوروبية مثل هذه المواقف الحازمة والمستقلة قبل سنوات، قبل أن تصل الأزمة الإنسانية في غزة إلى مستواها الحالي، لما شهدنا حجم القتل والتهجير وانتهاكات حقوق الإنسان التي نشهدها اليوم. لقد مهّد الصمت الطويل والارتهان للمصالح السياسية الطريق لتفاقم الأزمة. يمكن اعتبار الإجراء الهولندي اعترافًا متأخرًا بخطأ الغرب السابق بتجاهل سلوك إسرائيل. لو كانت العدالة لا السياسة هي أساس صنع القرار، لربما كان من الممكن تجنب العديد من المآسي. الآن ومع تغيير نهج هولندا هناك فرصة سانحة لمراجعة سياسات الماضي وإنهاء ازدواجية المعايير في السياسة الخارجية في الغرب؛ لأنه ما لم تُعطَ الأولوية لمبادئ حقوق الإنسان والعدالة العالمية ستستمر الكوارث الإنسانية في الحدوث وستؤثر آثارها بلا شك على الحكومات الغربية.



أمين مهدوي

[1] https://www.aa.com.tr/en/europe/netherlands-lists-israel-among-countries-posing-threat-to-it-for-1st-time/3640341
[2] https://www.middleeasteye.net/news/netherlands-intelligence-report-identifies-israel-foreign-threat
[3] https://www.globalsecurity.org/intell/library/news/2025/intell-250728-presstv02.html
لا توجد تعليقات لهذا المنصب.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال