أثار خطاب رئيس وزراء النظام الصهيوني خلال الأيام الأخيرة حول الإبادة الجماعية للأرمن على يد تركيا(1) موجة من ردود الفعل المختلفة في المنطقة، حيث ردّت تركيا رسميًا على هذه التصريحات واصفةً إياها بإهانة للتراث العثماني. قد يكون لاعتراف النظام الصهيوني بهذه الحادثة آثار مباشرة على علاقات النظام الصهيوني مع تركيا وحتى مع أذربيجان. سنتناول في هذه الدراسة أسباب اتخاذ نتنياهو هذا الموقف خلال هذه الفترة.
تصاعد التوتر الدبلوماسي مع أنقرة:
لطالما رفضت تركيا ادعاء الإبادة الجماعية للأرمن (2)، وردّت بحدة على هذا الادعاء سابقاً مع دول أخرى. و يُعتبر موقف رئيس وزراء النظام الاسرائيلي وإن كان شخصيًا استفزازيًا لأنقرة وقد يدخل في مرحلة جديدة من البرودة والتوتر في العلاقات المتقلبة بين تركيا وإسرائيل. هذه القضية في ظلّ ضغوط دبلوماسية كبيرة يتعرض لها النظام الإسرائيلي بعد الإبادة الجماعية في غزة قد تُشكّل أزمة دبلوماسية جديدة للنظام الإسرائيلي.
استغلال النظام الإسرائيلي لحرب الروايات:
قد تُشكّل تصرفات النظام الصهيوني تجاه تركيا إشكالية أخلاقية وسياسية بالنسبة لتركيا، وتُشكّل ضغطًا إضافيًا عليها إعلاميًا، مما يُقوّض مواقفها المُناهضة للإبادة الجماعية تجاه جرائم النظام الصهيوني في غزة.(3) في الواقع قد تضع حرب الروايات تركيا في موقف ضعيف في ظلّ سيطرة النظام الإسرائيلي عمليًا على وسائل الإعلام العالمية.
تنازل رمزي للأرمن ورسالة إلى باكو:
يُعتبر ادعاء نتنياهو بشأن الإبادة الجماعية حتى وإن كان غير رسمي، إنجازًا رمزيًا لأرمينيا والشتات الأرمني. قد يُقرّب هذا الأمر بين يريفان وتل أبيب، مما سيزيد من حساسية تركيا وجمهورية أذربيجان. في هذا السياق، يبدو أن النظام الصهيوني يوجه رسالة إلى تركيا وأذربيجان لتلقي رد إيجابي على مطالبه المضاعفة، وللحصول على دعمهما في أي حروب مستقبلية محتملة مع إيران. بالنسبة لأرمينيا قد يكون هذا الأمر نقطة ضغط جيدة لدى أذربيجان وقد يتغير ميزان القوى لصالحها بعد دعم ترامب والنظام الإسرائيلي لها.
رد فعل محدود من أنقرة:
بما أن كلام نتنياهو لم يتحول بعد إلى موقف رسمي حكومي أو في تصريح في الكنيست، فمن المرجح أن يقتصر رد فعل تركيا على الإدانة اللفظية والاحتجاج السياسي، ما لم يصبح هذا النهج سياسة إسرائيلية رسمية.
أثبتت تركيا أنها لن تتخذ أي إجراء جدي ضد النظام الإسرائيلي وستكتفي بالوقوف في وجه أفعاله الإجرامية من خلال الرد الإعلامي واللفظي. في هذه القضية أيضًا ونظرًا لنهج حكومة أردوغان وعلاقاتها الاقتصادية الواسعة مع النظام الإسرائيلي، لن نشهد سوى تضارب بين الحكومتين في ردود الفعل الإعلامية. احتمالية تغيير تركيا لمواقفها تجاه النظام ضئيلة، لأن لوبي الدول الغربية في تركيا قوي جدًا ولن يسمح بتغيير جوهري في سياستها الدولية.
الخلاصة
ينبغي القول إن التوتر التركي مع النظام الصهيوني هو في جوهره صراع سرديات وفي إطار حرب الإعلامية لا أكثر. يسعى النظام إلى الضغط على تركيا لتقليل مواقفها المعادية للصهيونية وزيادة دعمه للنظام الصهيوني على حساب القضية الفلسطينية. قد يكون الضغط الجيوسياسي على تركيا وأذربيجان للحصول على أقصى استفادة من هذين البلدين هو الخطوات التالية للنظام الصهيوني إذا رفضت تركيا مطالب نتنياهو. ويسعى النظام الإسرائيلي إلى خلق ثغرة في منطقة غرب آسيا لإضعاف علاقات جيران إيران بهذا البلد وخلق فجوة وضعف لديهم من خلال الضغط والتهديد والإغراء. وبهذه السياسة سيصبح جيران إيران غير مبالين بالهجمات المحتملة للنظام الصهيوني على الأراضي الإيرانية. يجب على تركيا أن تكون أكثر يقظة بشأن هذه القضية وخطط النظام التوسعية لأن هدف النظام على مدى السنوات الماضية كان توسيع أراضيه المحتلة (سياسة النيل إلى الفرات)، وهذا الهدف مقلق أيضًا لتركيا وسيهدد مصالح هذا البلد بلا شك.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال