مقدمة
خلال الأيام القليلة الماضية جرت الإنتخابات البرلمانية لمجلس الشعب السوري في ظل الحكم الجديد، وبطريقة مغايرة عما سبق وحسب قوانين السلطة الحاكمة المؤقتة وذلك بعد سقوط نظام بشار الأسد، حيث برز وضع سياسي واجتماعي جديد حافل بالتحديات والصراعات في ظل مرحلة جديدة من المشاركة السياسية في سوريا. هذا المقال ينتاول قراءة نقدية ومركّزة حول أول انتخابات برلمانية جرت في ظل هذا المشهد المعقّد، مبرزاً الاعتبارات التي أثارتها على مستوى الثقة والمشاركة وهيكل السلطة وتاثير البيئة الأمنية ونوعية الحملات الانتخابية، إضافة إلى التوقعات والتنبؤات التي عبر عنها محللون وسياسيون ومواطنون عاديون في سورية وخارجها.
آلية الإنتخابات وجهل العامة حول كيفية إجرائها!
منذ الإعلان عن الإنتخابات وتشكيل اللجان الخاصة بها، بدا جلياً أن هناك جهلاً واسعاً بين الأوساط الشعبية وشرائح المجتمع حول نظام الإنتخاب وطريقته وكيفية الترشح وانتقاء المرشحين، وخاصة عقب إعلان نتائج الانتخابات التي جرت وسط انتقادات طالت الآلية التي تمنح الرئيس الانتقالي أحمد الشرع صلاحية تعيين ثلث أعضاء المجلس التشريعي[1]، حيث تم تشكيل البرلمان بولاية مدتها ثلاثون شهراً قابلة للتجديد، بناء على آلية حددها الإعلان الدستوري وليس بانتخابات مباشرة من قبل الشعب مباشرة. والعجب أن هذه الإنتخابات التي من المفترض أن تكون من قبل الشعب جرت من قبل لجان ناخبة تم تشكيلها من قبل اللجنة العليا التي شكلها الرئيس المؤقت. حيث قامت بانتقاء أشخاص محددين يمثلون دوائر معينة في كل محافظة وجرت انتخابات بين تلك الأفراد حسب مقاعد كل دائرة انتخابية. ضف إلى ذلك أن هذه الانتخابات تمثل الشعب بطريقة محدودة جداً وتكاد تكون مفصلة على مقاس الشخصيات المطلوبة والتي تم ترشيحها حسب الولاء للسلطة وتزكية من المشايخ والقادة المعروفين في هيئة تحرير الشام سابقاً. عدا عن ذلك أن العدد الذي شكلته هذه الانتخابات هو جزء من التعداد الكلي لمجلس الشعب، حيث سيتم تعيين القسم الآخر من قبل الرئيس المؤقت والذي يحق له تعيين ثلث أعضاء مجلس الشعب.
استبعاد لشرائح واسعة وتأثيره على شرعية الانتخابات
بالطبع في ظل هكذا نظام انتخابي إقصائي سيكون له تأثير كبير على شرعية هذه الانتخابات ومدى تمثيلها الحقيقي لشرائح الشعب كافة، لأنه وخلال سير العملية الانتخابية أعلنت عدة جهات محلية عن استبعاد مناطق كاملة من العملية الانتخابية، فضلاً عن عجز ملايين النازحين واللاجئين من الوصول إلى مراكز الاقتراع. هذا الاستبعاد ليس مجرد تفصيل إداري بل هو شرخ واضح في مشكلة الشرعية الانتخابية. عندما تُحرم شرائح واسعة من المشاركة بسبب النزوح القسري أو تغيّرات الحدود الإدارية أو القيود الأمنية، تفقد الانتخابات جزءاً هاماً من ضماناتها التمثيلية. واللافت في الأمر أن الرئيس أحمد الشرع نفسه قال في كلمة له في المكتبة الوطنية أمام أعضاء اللجنة الانتخابية في دمشق يوم الأحد: "صحيح أن العملية الانتخابية غير مكتملة... لكنها عملية متوسطة تتناسب مع الحال والظرف السوري الذي نمر فيه حاليا، وتتناسب أيضا مع المرحلة الانتقالية"! [2].
تركيبة البرلمان وتبعاتها على التوازن السياسي
تركيبة مجلس الشعب الحالي المكوَّنة من 210 أعضاء ثلثيهم تم ترشيهحم من قبل اللجان الفرعية والثلث الباقي سيعينه الرئيس الحالي، وهذا التوزيع يبيّن سيطرة مركزية واضحة، يعني 140 عضواً يعيَّنون عبر لجان محلية و70 عضواً يُعيّنون من قبل الرئيس وهكذا يصبح مجلس الشعب يشبه مجلس الوزراء من حيث طريقة التشكيل وربما يعلن الرئيس الحالي لاحقاَ تراسه لمجلس الشعب لأن الظروف الحالية تفرض ذلك "حسب زعمهم". والحقيقة مثل هذه التركيبة تثير أسئلة عميقة حول مدى استقلالية البرلمان ككيان تشريعي، وحول مدى قدرته على ممارسة دور رقابي فعّال على الحكومة. وجود نسبة كبيرة من الأعضاء تعيّنهم هيئاته أو من قبل رأس النظام يفقد البرلمان جزءاً من قدرته على الإستقلالية وتمثيل تنوّع المجتمع، ويخلق مساراً يتيح توجيه السياسات من مركز واحد بدلاً من آليات تشاركية وتوازنات سليمة.
أثر الوضع الأمني والشخصيات المتشددة
أفاد المتحدث باسم اللجنة العليا للانتخابات نوار نجمة، في تصريح لقناة "الإخبارية السورية" الرسمية بأن اللجنة العليا قررت إرجاء العملية الانتخابية في المحافظات الثلاث السويداء والرقة والحسكة، حرصاً على التمثيل العادل في مجلس الشعب للمحافظات المذكورة ونظراً إلى ما تشهده من "تحديات أمنية".
وأكد أن "المقاعد المخصصة لهذه المحافظات ستبقى محفوظة إلى حين إجراء الانتخابات فيها في أقرب وقت تتوفر فيه الظروف المناسبة والبيئة الآمنة".[3] إضافة إلى ذلك، وفي باقي المحافظات شهدت عدة مراكز انتخابية في حلب وحمص و درعا أجواء مشحونة بسبب فرض بعض الشخصيات الأمنية إملاءات محددة مما أثار حفيظة الناخبين، ويقول أحد المرشحين في أحدى الدوائر التابعة لمحافظة درعا أنه أعلن انسحابه من الترشيح أثناء التصويت لسوء معاملة اللجنة وعناصر الحماية التابعة لها. وكل هذا يضاف إلى السلبيات الأساسية في هذه العملية الانتخابية وهي عدم مشاركة الشعب مباشرة فيها، وحصرها في غرف مغلقة شكلها يوحي بالتصويت الحر لكن حقيقتها منافية لذلك.
شعارات وهمية وبرامج سياسية غائبة
فيما يخص الحملات الدعائية للمرشحين، في الحقيقة غاب هذا المشهد كلياَ عن أعين الشعب فقد انتشرت حملات دعائية خجولة لضيق حلقة الناخبين، أي أن المرشح لا يستفيد من حملته الدعائية بشيء لأنها غير موجه للشعب بل لفئة صغيرة محددة تم اختيارهم ليكونوا ممثلين عن الشعب لينتخبوا هم فقط المرشحين، وظهر المشهد الانتخابي خالياَ من مضمونه في ظل غياب تقديم برامج تفصيلية للإصلاح السياسي والإقتصادي والمجتمعي. كما افتقد لطرح مقترحات حول آليات الإصلاح القضائي أو تعزيز المساءلة أو تعزيز حقوق المواطنين المدنيّة و ترسيخ مفهوم فصل السلطات عبر تشريعات جديدة. هذا النقص في الوضوح يجعل الجمهور يتساءل عن حقيقة وجود بدائل واقعية وعن قدرة البرلمان المقترح على إحداث تغيرات بنيوية.
الخلاصة
إن قراءة هذه الانتخابات من زاوية نقدية تفتح الباب أمام نقاش حيوي حول الطريق إلى شرعية سياسية أوسع، وليس مجرد احتفال بالنصوص الدستورية أو زيادة أعداد أعضاء البرلمان. في بلد مثل سورية والتركيبة المعقدة فيها والمتنوعة وبعد سنوات من النزاع والتوتر يتطلب الوضع بناء منظومة سياسية مستدامة وشفافة وأن تترافق بآليات المشاركة الشاملة وإرساء المصالحات المجتمعية وتفعيل القانون مع حماية الحقوق الأساسية للمواطنين وتوسيع فضاءات المساءلة والشفافية والرقابة. إن تحقق ذلك في ظل الظرف الراهن والعقلية الحاكمة التي ترى في الديمقراطية شرك وكفر بالله سيكون من ضروب الخيال، وكل ماشهدناه خلال هذه العملية الانتخابية وحتى منذ سقوط نظام بشار الأسد لايمثل رغبات الشعب ولم يكن له أي دور فيها، من الإعلان الدستوري إلى تعيين الرئيس وصولاَ لتشكيل مجلس الوزراء وليس انتهاءاَ بانتخابات مجلس الشعب. إن جل ما نتحدث عنه ونطمح إليه هو إعادة بناء الثقة في المؤسسات وتحقيق تمثيل سياسي يلبّي تطلعات السوريين في الحياة الحرة الكريمة والآمنة.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال