انتشرت في الأيام الأخيرة في وسائل الإعلام أنباء عن مرض الرئيس الأمريكي ترامب. (١)وقد حظيت هذه القضية باهتمام إعلامي كبير نظرًا لأهمية مكانة ترامب في السياسة الأمريكية. ويمكن أن تكون لتداعيات هذه القضية أبعاد دولية أيضًا. لقد أثار مرض ترامب تساؤلات عديدة في أذهان الناس، فخلال جائحة كورونا شكك ترامب في العلماء من خلال تشكيكه في العلوم الطبية وسخريته من الخبراء. والآن ومع انتشار خبر مرضه يجب علينا دراسة أبعاد هذه القضية والتي سنتناولها لاحقًا.
السرية في الكشف عن صحة ترامب:
خلال جائحة كورونا ومرض ترامب الأخير، أودت سياسة البيت الأبيض القائمة على الغموض وتسريب المعلومات غير الكاملة، إلى تفاقم مشكلة انعدام الثقة العامة، وكانت قد أزعجت هذه قضية الشعب الأمريكي.(٢) في ظل هذا الوضع الغامض لجأ العديد من المحللين والأشخاص إلى سيناريوهات متشائمة، بل وتوقعوا وفاة الرئيس وعجزه لأن غياب الشفافية يُعطي الأولوية للسيناريوهات الأسوء في التحليلات.
مرض ترامب رمزٌ لعدم الكفاءة في عصر كورونا:
سلوك ترامب غير العقلاني خلال جائحة كورونا، بما في ذلك التشكيك في العلم والعلماء، وتجاهل البروتوكولات الصحية، ونشر معلومات مضللة للجمهور، لم يُعرّض المجتمع الأمريكي لأزمة فحسب بل أضرّ أيضًا بالصورة العالمية للقيادة الأمريكية. أظهر صراع ترامب مع الصين خلال جائحة كورونا، وأزمة علاقات البلاد مع حلفائها أن القيادة الأمريكية كانت غير فعّالة في أوقات الأزمات العالمية.
إمكانية تسليم السلطة في حالة تفاقم المرض:
نظرًا لغياب الشفافية في حالة مرض ترامب، هناك احتمال لنقل السلطة بشكل دائم أو مؤقت إلى نائب الرئيس الأول في حال تفاقم حالة ترامب. وقد تكرر هذا الوضع أيضًا خلال رئاسة بايدن. يشير هذا التوجه إلى أزمة في البنية السياسية للولايات المتحدة. فأزمة الخلافة وضعف رعاية القوى السياسية الشابة يدلان على هشاشة الاستقرار السياسي في الولايات المتحدة، لأن النظام السياسي السليم يُنشئ كوادر سياسية عديدة، ويعمل هؤلاء في مناصب متنوعة. في هذه الحالة، لا يجد النظام السياسي أي مشكلة في استبدال الأفراد، ولن يلجأ أبدًا إلى قادة كبار السن(٣)، لأنه بنى قيادات شابة داخل بنيته يسهل توظيفها.
نقص الوجوه الشابة في النظام السياسي الأمريكي والحاجة إلى تدوير النخب: مع هيمنة قادة متقدمين في السن مثل ترامب وبايدن على الساحة السياسية، واجه نظام الحكم الأمريكي نوعًا من الجمود وضعف الديناميكية. وقد حدّ غياب جيل سياسي حديث بشدة من قدرته على مواجهة التحديات الجديدة، كما سئم الشعب الأمريكي من الظهور بصور مكررة. وهذا مؤشر قوي على جمود النظام السياسي الأمريكي. يميل الوضع السياسي الحالي في الولايات المتحدة إلى وجود شخصيات شابة معتدلة وحوارية. مرشحون معتدلون وعقلانيون قادرون على جذب الشعب الأمريكي، ويمكنهم إذا ما تواجدوا في النظام السياسي الأمريكي، ضمان السلام والحوار مع الدول الأجنبية، على عكس ترامب ذي النهج المتعصب وغير العقلاني. وهو اتجاه قد يبرز في الانتخابات الأمريكية المقبلة كرمز للتغيير في البنية السياسية للبلاد.
الخلاصة
ينبغي القول إن الإجراءات الغامضة التي يتبعها البيت الأبيض بشأن مرض رؤساء الولايات المتحدة تعكس غموض الوضع السياسي في الولايات المتحدة، والخوف من سيناريوهات متشائمة لمستقبل قيادة البلاد. لقد أدى غياب الوجوه الشابة في النظام السياسي الأمريكي إلى بروز قادته المسنين. والآن تعاملت قيادة ترامب في هذا البلد بماضيها غير العقلاني مع مرضه بطريقة غامضة مما دفع العديد من المحللين في هذا البلد إلى اعتبار إجراء تغييرات جذرية في الهيكل السياسي للبلاد ودخول الوجوه الشابة إلى الساحة السياسية الأمريكية أمرًا ضروريًا.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال