التبعات المحتملة لاتفاقية السلام بين الحكومة السورية والكيان الصهيوني
34 Views

التبعات المحتملة لاتفاقية السلام بين الحكومة السورية والكيان الصهيوني

مقدمة
يكثُر الحديث مؤخراً في الأوساط السورية عن إتفاقية أمنية بين الكيان الإسرائيلي و الحكومة السورية الجديدة، وما يثير الجدل أن هذا الأمر لا يطرح على الإعلام الرسمي أو من يمثل الجهات الحكومية السياسية أو الدبلوماسية ويبقى ضمن الدوائر الضيقة المغلقة وكأن الشعب السوري غير معني بهذا الملف. وفي ظل الأوضاع المتقلبة التي تمر بها المنطقة وخاصة الأوضاع الداخلية في البلاد، تتوالى التحذيرات من قبل الخبراء والمحللين بشأن التداعيات الداخلية التي قد تنجم عن تلك الإتفاقية الأمنية المحتملة بين الحكومة السورية والنظام الصهيوني. فمثل هذا السيناريو يحمل في طيّاته عدة مخاطر على الاستقرار السياسي والهوية الوطنية والعلاقات مع دول محور المقاومة ومشروعية النظام السوري داخل المجتمع. سيتناول هذا المقال عدة عناوين مهمة تتحدث عن تبعات هذا الاتفاق وكيف ستؤل الأمور في ظل هذا الحدث المريب.

عدم الاستقرار السياسي الناتج عن التعاون الأمني مع إسرائيل
أحد أبرز التحذيرات لهذا الإتفاق هو أن دخول دمشق في تعاون أمني مع إسرائيل – حتى لو كان بشكل غير رسمي أو مخفي – سيفسر على أنه تراجع عن مواقف المعاداة المبدئية للكيان المحتل والتي لطالما شكلت جزءاً من الهوية السورية.(1) هذا التعاون أو حتى الحديث عنه قد يثير حالة من الشك والريبة داخل الشارع السوري ويضعف ثقة المجتمع بالحكومة، خاصةً في ظل تهميش الخيارات الوطنية والصمود في وجه الاحتلال. إذ يُنظر إلى مثل هذا التعاون كخطوة تقترب من التخلي عن مبادئ المقاومة، الأمر الذي قد ينعكس سلباً على الاستقرار السياسي ويزرع انقسامات داخل المجتمع. واللافت في الأمر أن سلطة الأمر الواقع الحالية كانت منذ نشأتها تنادي بالتحرر من المحتل الإسرائيلي وحتى تحرير القدس وكامل فلسطين، وهذه الشعارات كانت عنوان المرحلة في جهادهم الذي كانوا يمارسونه.

الإنقسام المجتمعي بسبب الصراع مع الخطاب المعادي للصهيونية
تمتاز الذاكرة الوطنية السورية بخطاب معاد لإسرائيل، تغذى عبر سنوات طويلة من الصراع العربي الإسرائيلي بأفكار الصمود والمقاومة والنضال لتحرر من الإحتلال،و يحول هذا الفكر دون تقبل أي نوع من أنواع التعاون أو التسليم، حتى لو كان محدوداً أو غير معلن. ومايعزز من حساسية هذا الخطاب، أن المجتمع السوري يعتبر فلسطين وحقوق شعبها قضية قومية ووطنية جوهرية، ويحتفظ بموقف عاطفي حاد تجاه أي محاولة للتطبيع أو السلام مع إسرائيل ، لذا فإن أي اتفاق أو توافق غير واضح قد يؤدي إلى تنشيط التيارات اليسارية أو المعارضة لذلك، ويهدد وحدة المجتمع ويزيد من احتمالات ظهور حالات من الغضب والاحتقان الداخلي بين مؤيد ومعارض. الجدير بالذكر أنه من الباكر جدا الحديث عن اتفاق قريب بين سورية وإسرائيل وخاصة أن مستوى المحادثات لم يصل إلى حد المسؤولين الكبار لدى كلا الطرفين حيث تقتصر المفاوضات الحالية على مسؤولين أمنيين و وساطات أمريكية. وكما نقل عن مسؤول أميركي لم يذكر أسمه أن "المحادثات تقتصر حاليًا على مسؤولين دون مستوى الرئيس السوري أحمد الشرع، وأن لا نقاش حتى الآن بشأن عقد قمة بين القادة". أن إسرائيل "تتواصل مع سوريا عبر 4 قنوات على الأقل، بما في ذلك مستشار نتنياهو للأمن القومي تساحي هنغبي، ومدير الموساد ديفيد برنياع، ووزير الخارجية جدعون ساعر، للحوار السياسي والإستراتيجي، والجيش الإسرائيلي للتنسيق العسكري اليومي".(2)

إضعاف علاقات سورية بمحور المقاومة
من الناحية السياسية يحمل هذا الموضوع رسالة تحذير إلى دول محور المقاومة الإقليميين والفاعلين فيها، خاصةً حزب الله اللبناني وحركات المقاومة في العراق، الذين يعتمدون على دعم سورية وموقفها المبدئي ضد إسرائيل . وإذا حدثت تغييرات سياسية في نهج دمشق، فقد يُنظر إليها على أنها تراجعت أو تخلت عن مواقفها اتجاه العدو، مما قد يؤدي إلى فتور في علاقاتها مع هذه الأطراف وهذا البعد يُمثل تهديداً لقوة محور المقاومة ويهدد دوره كمؤثر إقليمي يسعى لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي.

تراجع شرعية الحكومة السورية
تواجه الحكومة السورية الحالية تحديات كبيرة في استعادة شرعيتها وشعبيتها بعد سنوات طويلة من الحرب الأهلية. ويأتي طرح مثل هذه الاتفاقات في ظل هذه المرحلة الحرجة بمثابة استنزاف لمصداقية النظام، خاصة أمام شعب له تاريخ طويل في نضاله ضد المحتل وكان طيلة عقود، يدرس المناهج الدراسية التي تعتبر إسرائيل "عدواً" و"كياناً مغتصباً"، مع رفض الاعتراف بشرعيتها ويعتبر الصراع مع اسرائيل صراعاً وجودياً، بما يتخطى النزاع الحدودي كما أن تحرير الجولان "واجب وطني و قومي"(3) ، وفي حال أقدمت الحكومة على خطوات يُنظر إليها على أنها تتنازل عن المبادئ الوطنية فقد يُفقدها دعم الشارع، ويفتح المجال لنشوء احتجاجات وربما رغبات في تغييرات سياسية جذرية، وهو أمر قد ينعكس على الوضع الحالي الذي يهدف إلى استعادة الاستقرار والأمن الداخلي.

موقف الحكومة الحالية أمام الحرب الإعلامية المنتظرة
في عصرنا الحالي باتت الحرب الإعلامية أحد أسس المواجهة بين الأطراف المتنازعة، فبينما يعمل طرفٌ على تشويه الحقيقة وطمسها وإظهار المشهد وكأنه صاحب الحق في مواجهته، يجاهد الطرف الآخر عبر وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي لبيان الحقيقة والواقع وإظهار مظلوميته أمام الرأي العام والعالمي، لقد أصبحت وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي أداةً للحرب الناعمة، وقد استخدمت بشكل مكثف ضد سورية، لتوجيه رسائل سلبية وتحريض الرأي العام ضدها، وفي هذا السياق سيتم إظهار هذه الاتفاقية على أنها خيانة لقضية فلسطين وللحقوق الوطنية وهي كذلك بالفعل، مما يُضعف شرعية النظام ويقلل من رصيده الرمزي في نظر الشعب السوري ويُشكك في صدقية مواقفه وهذا ايضا يُهدد بزيادة الضغوط الداخلية والخارجية على النظام الحالي، وتوجيه رسائل للجيش والشارع تعزز الحاجة إلى التغيير السياسي أو قد تعزز مقاومة الشعب للسياسات المحتملة.(4)

أن أي خطوات من هذا القبيل تتطلب حسابات دقيقة، إذ أن التداعيات الداخلية المحتملة لا تقتصر على السياسة فحسب، وإنما تتجاوزها إلى أكثر من ذلك بكثير، وتتمثل في الحفاظ على وحدة المجتمع ودعم شرعية النظام وكيانه الوطني واستقرار المنطقة. فالمخاطر كبيرة والتحديات أمام سورية تتطلب حسماً وتأييداً لخيارات ترتكز على المبادئ الوطنية والابتعاد عن أي مسار قد يعزز الانقسامات ويهدد المصالح العليا.

الخلاصة
في النهاية، أن أي اتفاقية أمنية مع إسرائيل حتى وإن كانت سرية أو غير معلنة، تحمل في طياتها مخاطر جسيمة على المستقبل السياسي والأمني لسورية. فهي لا تؤثر فقط على صورة النظام في عيون المجتمع، وإنما تهدد روابطه مع دول محور المقاومة وتضعف من موقفه في مواجهة التحديات الإقليمية والدولية. كما أن مثل هذه الاتفاقية قد تضعف شرعية الحكومة من الداخل، خاصة في ظل أجواء الاستقرار، حيث تنتظر الجماهير رؤية خطوات تعبر عن استقلالية وسيادة الدولة. والأهم من ذلك أن الرأي العام السوري الذي تغذيه ذاكرة مقاومة طويلة لن يتقبل بسهولة أي نوع من التعاون مع العدو، وقد يؤدي ذلك إلى تفاقم خطابات الانقسام وإضعاف الوحدة الوطنية. إضافة إلى ذلك فإن الحرب الإعلامية الناعمة ستتصاعد، محولةً المسائل الوطنية إلى أدوات للصراعات السياسية الأمر الذي من شأنه أن يزيد من عزلة سورية على الصعيدين الداخلي والخارجي. لذلك فإن الحكمة تقتضي من القيادة السورية الحالية أن توازن في مصالحها الوطنية وتحفظ مكانتها عند شعبها أولاً بعيداً عن تحقيق المصالح الدولية على حساب رغبات الشعب والهوية الوطنية وتضمن الحفاظ على تماسك الوطن في مواجهة التحديات المعقدة التي تفرضها التحولات الإقليمية والدولية.



محمد يزن الحمادي

1- https://h1.nu/12oaI
2- https://h1.nu/16B5h
3- https://2h.ae/bdgd
4- /العالم-العربي/المشرق-العربي/https://aawsat.com
لا توجد تعليقات لهذا المنصب.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال