التدخل الأمريكي الإقتصادي في الانتخابات العراقية
2044 Views

التدخل الأمريكي الإقتصادي في الانتخابات العراقية

النفوذ الاقتصادي له القدرة على التحكم بالمؤسسات الاقتصادية والتشريعات الاقتصادية في دولة ما أو حكومة ما، وهذه التأثيرات تأخذ صوراً متعددة وبدوافع متغيرة حسب الوضع او حسب الشأن الاقتصادي والسياسات الاقتصادية والوضع الاقتصادي للدولة. ولاشك أن للتواجد الأمريكي في العراق منذ مطلع القرن العشرين في عام ٢٠٠٣ حتى الآن، له تأثيره في أدق تفاصيل الحياة السياسية والإقتصادية وحتى الإجتماعية للشعب والحكومة العراقية، وبات هذا التأثير يظهر واضحاً من خلال التدخل الأمريكي المالي والتأثير في الوضع الإقتصادي في كل خطوة سياسية وخاصة في الانتخابات العراقية الأخيرة.
تتطلب دراسة دلالات وتأثير هذا التدخل مجموعة من العوامل التي تترابط بشكل معقد مع السياسات الداخلية والخارجية بين البلدين، حيث تؤثر في قرارات الناخبين والطبقة السياسية على حد سواء ويمكن القول إن الولايات المتحدة سعت إلى توجيه حكومة بغداد نحو مصالحها الخاصة عبر أدوات اقتصادية وسياسية متعددة تتضمن المساعدات والاستثمار في قطاع النفط والغاز والتحكّم في مسارات الطاقة والدولار، إضافة إلى مشاريع إعادة الإعمار. هذه العوامل تتفاعل في بينها ضمن بيئة عراقية معقدة تشهد إرثاً من الانقسامات السياسية والصراعات الإقليمية والتقلبات الاقتصادية العالمية والتي تستغلها الولايات المتحدة لتحقيق مصالحها الخاصة على أرض العراق.

النفوذ الاقتصادي الأمريكي وبناء شبكة المصالح
بعد عام 2003 بدأ النفوذ الاقتصادي الأمريكي يسيطرُ بشكل كبير على العراق كون الولايات المتحدة الأمريكية هي الدولة الوحيدة ذات النفوذ والسلطة في بغداد، وبعد الاحتلال مباشرة فرض مجلس الأمن الدولي قرار 1483 في 22/ 5/ 2003، بموجب هذا القرار كل إيرادات الحكومة العراقية المتأتية عن تصدير النفط والمشتقات النفطية وغيرها تودَع في حسابات البنك الفيدرالي الأمريكي، وتقع مسؤولية المحافظة على هذه الأموال على الأمم المتحدة بالإضافة إلى الحكومة الأمريكية من خلال البنك الفيدرالي الأمريكي[1].

وتُعد المساعدات المالية والاستثمارات الأمريكية المغرية جزءاً رئيسياً من آليات الضغط والتأثير على عمل الحكومة العراقية وخاصة الانتخابات، وهنا يبرز دور تلك المساعدات المالية والتي لطالما كانت من أكبر المساعدات التي تصل العراق عن طريق الأمم المتحدة ومنظمات المجتمع المدني، فالمساعدة التي قدمتها أمريكا عبر الأمم المتحدة لانتخابات العراق سابقاً كانت الأكبر على مستوى العالم كله[2]. ولم تأتي كهدية بلا شروط فحسب بل كأداة تفاوض وارتباط مصالح بين الجهات الفاعلة في العراق والجهة المانحة. وبالتأكيد في ظل محدودية الموارد الوطنية وتزايد الاحتياج التنموي والإقتصادي، تُستخدم هذه المساعدات كحافز لإضعاف الاعتماد على قوى أخرى مثل النفوذ الإيراني، لكن هذا المسار يثير أسئلة حول مدى استقلالية القرار السياسي العراقي عن الضغوط الاقتصادية الأجنبية، خاصة في بلد يعاني من تقلبات في الأسعار العالمية ومخاوف من سيطرة خارجية على مفاصل الطاقة.

الاعتماد على الطاقة والخيارات الأمريكية
لقد بات من المعلوم أن هدف السياسة القائمة اتجاه العراق هو التوجه نحو تقليل واردات الطاقة من إيران، وقد كان ضمن المحاور التي استخدمتها واشنطن كأداة ضغط على العراق حيث يقع جزء هام من مخزون الطاقة الإقليمية، و يمكن أن تُترجم هذه الضغوط إلى حوافز وإغراءات تعتمد على خيارات استراتيجية كالاستثمار الأمريكي في مشاريع البنية التحتية للطاقة، وتوفير تقنيات وكفاءات في مجال الطاقة المتجددة وتسهيل تصدير النفط عبر منافذ آمنة تحت إشراف شركات أمريكية.

الهدف من ذلك ليس مجرد تقليل الاعتماد الإيراني فحسب، بل خلق مسار يربط العراق بمصادر تمويل وتكنولوجيا أمريكية، مما يسهم في تحويل الاعتماد من نفوذ إقليمي إلى إطار اقتصادي وسياسي أقوى يلتف حول واشنطن التي تنظر إلى الانتخابات من زاوية مركبة تشمل استقرار أمني يمنع عودة تنظيم الدولة، وتوازن سياسي لا يُسلم بغداد كليا لطهران، وتدفق آمن للطاقة[3] .

إعادة الإعمار والمساعدات الخارجية أداوت تشرّع التدخل
إن إعادة الإعمار بعد سنوات الحرب والدمار تعتبر من أهم القضايا التي تهم الشعب العراقي، ولذلك يتم التركيز عليها من قبل منظمات وجهات تمويل أجنبية تابعة للولايات المتحدة كخطوة حيوية في أي استراتيجية خارجية تسعى لتثبيت النفوذ. في الظاهر تعتبر المشاريع الممولة من الخارج خطوة كبيرة في إعادة بناء الاقتصادي العراقي إلى جانب إعادة الإعمار، ولكن حقيقة حزم المساعدات الخارجية وبرامج البناء والتأهيل هذه ستتحول لاحقاً إلى جبهة صراع سياسي داخلي حيث تُستخدم كأداة لتمكين أحزاب معينة وتحجيم أو إقصاء أطراف أخرى، وبذلك تصبح المساعدات الخارجية ليست مجرد دعم إنمائي وإنما أداة سياسية ملموسة تعزّز قدرة الولايات المتحدة الأمريكية على توجيه السياسة العراقية.

الضغط المالي وفرض العقوبات
يرى الباحث في الشؤون الاستراتيجية أحمد الشريفي أن فرض العقوبات ما يزال خياراً مطروحاً وبقوة، بل ومتوقعاً "نزوله قبل الانتخابات بأيام"، مشيراً إلى أن "القائمة ستشمل رموزاً سياسية بارزة تتصدر قوائم انتخابية يواجه بعضها ملفات فساد أو ارتباطات بشبهات إرهاب". [4]

إن فرض عقوبات أو قيود على استخدام الدولار يمكن أن يؤثر بشكلٍ كبير في الاقتصاد العراقي، وخاصة أن كل أموال العراق تتحرر من البنك الفدرالي الدولي بإشراف وموافقة الخزانة الأمريكية و قد تُستخدم العقوبات – إذا صدرت – كأداة رمزية في الأيام الأخيرة قبل الاقتراع، لإرسال إشارات ردع سياسية وليس لتغيير جذري في بنية السلطة.

دور الأحزاب والقوى المتحالفة مع الولايات المتحدة
خلال فترة الانتخابات العراقية يظهر الدعم اللامحدود لبعض الأطراف والأحزاب والتي ستكون الأدوات التي تنفذ كل ماهو متفق عليه مقابل وعود وضمانات للفوز في الانتخابات من خلال عقود ضخمة مع شرِكات متعددة الجنسيات تتيح تهيئة بيئة اقتصادية تمكّن هذه الأطراف من تقديم وعود بالتحسن و الاستقرار الاقتصادي وتوفير وظائف وتحديث البنية التحتية، إن مثل هذه التحالفات تُثير تساؤلات عن المدى الذي تتحكم فيه المصالح الاقتصادية الخارجية بالسيادة السياسية الوطنية، وعن أثرها في خيارات العراق الاستراتيجية خصوصاً في قضايا حساسة مثل الاستقلال الطاقي والتوازنات الإقليمية.

الخلاصة
لطالما كانت الانتخابات العراقية تأخذ بعد إقليمياً وليست شأنا داخليا، فهناك عدة قوى وجهات تسعى لوضع لمساتها على الشكل النهائي للإطار السياسي المُفرز بعد هذه الانتخابات، وبنظرة سريعة يمكن حساب الجهات المتدخلة في هذا الحدث العراقي الذي يتزامن مع متغيرات محلية و إقليمية ودولية بالغة الخطورة وأهمها وأكثرها تأثيراً هي الولايات المتحدة وإيران وبعض دول الجوار، و يبقى الثابت أن واشنطن تريد أن تبقي نفوذها في بغداد بخارطة أدوات مختلفة تعتمد الضغط أكثر من الصدام والمصالح أكثر من الشعارات والتهديدات، وقد لاحظنا أن الدور الاقتصادي للولايات المتحدة في الانتخابات العراقية الأخيرة لن يكون مجرد تدخل مالي أو دعم انتخابي وحسب بل أداة تتيح لواشنطن أن تؤثر في قرارات السياسة العراقية، وتضع أمام بغداد تحدياً في موازنة العلاقات الدولية مع الحفاظ على مصالح وطنية تعزز التنمية والاستقرار في العراق. في نهاية المطاف يبقى السؤال الأساس؛ كيف سيتمكن العراق من استثمار هذه العلاقات الدولية بطريقة تعزز استقلاله وسيادته وتحقق مصالح شعبه بعيداً عن سياسات الهيمنة الاقتصادية التي قد تفتح أبواباً لأزمات اقتصادية وسياسية مستمرة؟



محمد يزن الحمادي


[1] https://fcdrs.com/arabic/5wDYnbp2
[2] alkhanadeq.com/post/1405/تدخل-أمريكي-واضح-في-الانتخابات-العراقية
[3] https://2h.ae/YffE
[4] https://baghdadtoday.news/285552-.html
لا توجد تعليقات لهذا المنصب.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال