التدخل الإسرائيلي وتفجر أزمة السويداء
2188 Views

التدخل الإسرائيلي وتفجر أزمة السويداء

تصاعدت في الفترة الأخيرة وخاصة يوم الجمعة 11 تموز، عندما هاجمت مجموعة مسلحة من البدو السنة عربة خضار يقودها مواطن درزي سوري على طريق السويداء-دمشق واستولت عليها. ولم تكن هذه الحادثة معزولة خارج سياق العلاقات الاجتماعية بين القبائل البدوية والدرزية في السويداء. فقد اتسمت العلاقات بين المجموعتين، سواء في غرب المحافظة أو شمالها أو شرقها، بالتوتر وانعدام الثقة لعقود.

في الأشهر الثلاثة التي سبقت صراع السويداء، عُقدت عدة مفاوضات مباشرة وغير مباشرة بين السلطات السورية والنظام الإسرائيلي، بوساطة من تركيا ودول عربية والولايات المتحدة، بهدف التوصل إلى اتفاق أمني بين الجانبين. أراد السوريون أن يستند الاتفاق إلى اتفاقية فصل القوات لعام 1974، وأن يؤدي إلى الانسحاب من المناطق التي كانت تحت السيطرة الإسرائيلية منذ سقوط نظام الأسد، ووقف هجمات النظام الإسرائيلي المتكررة على المواقع العسكرية السورية. في المقابل قدم السوريون ضمانات بأن سوريا لن تشكل تهديدًا أمنيًا للنظام الصهيوني. ومع هذا التباين الكبير في وجهات النظر بين الجانبين حول شكل الاتفاقية الأمنية، وصلت المحادثات إلى طريق مسدود. ومع ذلك فإن فشل المحادثات لم يمنع الجيش السوري من التقدم جنوبًا فتدخل النظام الإسرائيلي، مما أدى إلى توصل السلطات السورية في السويداء، بدعم من شيخ العقل يوسف جربوع، إلى اتفاق مع وجهاء المحافظة في 16 يوليو. تضمن هذا الاتفاق وقف إطلاق النار، واتخاذ جميع التدابير اللازمة لدمج السويداء في الحكومة السورية، وانسحاب قوات الجيش من المحافظة، مع ترك قوات الأمن العام فقط. ومع ذلك لم يدم هذا الاتفاق على الإطلاق. سارع الشيخ الهجري إلى إصدار بيان يرفض فيه صراحةً الاتفاق، مؤكدًا أن الحرب ستستمر حتى انسحاب جميع قوات الحكومة السورية من السويداء. في الوقت نفسه، أعلن الإسرائيليون أنهم لن يتوقفوا عن مهاجمة القوات والمؤسسات السورية حتى انسحاب جميع القوات السورية العسكرية والأمنية.

لقد أدى ذلك كله إلى تكثيف الجهود و وساطات شملت تركيا والمملكة العربية السعودية والولايات المتحدة، والتي توصلت إلى نوع من التفاهم بحلول منتصف ليل 14-17 تموز على توقف هجمات النظام الإسرائيلي مقابل الانسحاب الكامل للجيش السوري وقوات الأمن من السويداء. دفع هذا الاتفاق المهين لدمشق الرئيس السوري أحمد الشرع إلى مخاطبة الشعب السوري في الساعات الأولى من الصباح، موضحًا ضرورة انسحاب الجيش وقوات الأمن من السويداء لمنع حرب مدمرة مع "الكيان الإسرائيلي".

عواقب التدخل الإسرائيلي
عندما اضطرت دمشق تحت ضغط هجمات النظام الصهيوني، إلى سحب جميع قواتها من السويداء، بدت الحكومة السورية ضعيفة ومجزأة، عاجزة عن ممارسة سيادتها على محافظة صغيرة. جاء اتفاق 19 تموز في وقت استعادت فيه دمشق زمام المبادرة، ولم يتمكن النظام الإسرائيلي من منع انتشار آلاف المقاتلين من العشائر والبدو في شمال وغرب المحافظة وأيضا في بعض أحياء السويداء دون التسبب بدمار واسع النطاق هناك. انتقد السوريون قيادة حكومتهم الجديدة لقبولها الاتفاق مبكرًا، ولمحاولتها تطبيق وقف إطلاق النار، ولسحب مقاتلي العشائر قبل التوصل إلى حل نهائي للصراع مع الهجري وأتباعه. على الرغم من أن حشد العشائر عزز موقف الحكومة السورية، إلا أنها كانت في وضع حرج للغاية. لولا التدخل الإسرائيلي، لما كان هناك شك في أن الحكومة السورية كانت في طريقها إلى حل أزمة السويداء في غضون أيام وبأقل الخسائر. لقد أضاف التدخل الإسرائيلي تعقيدًا جديدًا إلى الأزمة، وهمّش دور الحكومة السورية في إحدى محافظاتها. ورغم أن شريحةً كبيرةً من النشطاء الدروز صوّتت للحكومة وانضمت إليها، إلا أن الإسرائيليين قصدوا تصوير الأزمة على أنها انعكاسٌ للصراع بين الأقلية الدرزية والحكومة السورية السنية. إلا أن الرؤية الاستراتيجية والدوافع وراء التدخل الإسرائيلي تجاوزت مجرد حماية جماعة درزية في سوريا، حتى لو قررت تلك الجماعة الانضمام إلى إسرائيل والتحالف معها.

كأي كيان استعماري استيطاني غريب تمامًا عن بيئته العربية والإسلامية، وُلد النظام الإسرائيلي وقد ورث الشعور بالضعف والتهديد. ولمواجهة هذا الشعور، كان على إسرائيل أن تصبح مصدر تهديد متبادل وتهديدًا دائمًا لجيرانها؛ كان عليها أن تكون في حالة حرب دائمة.

منذ تأسيسها شنّ النظام الصهيوني عشر حروب كبرى ضد جيرانه العرب والإسلاميين، في أعوام 1948، 1956، 1967، 1973، 1982، 2006، 2008، 2012، 2014، وأخيرًا الحرب التي بدأت في أكتوبر 2023 ولم تتوقف بعد. في حين أن إسرائيل تُشكل تهديدًا متعدد الأوجه لجيرانها العرب والإسلاميين، من إيران إلى مصر، ومن البحر الأسود إلى بحر العرب، بالإضافة إلى تهديد وجودي لجيرانها في بلاد الشام: فلسطين والأردن ولبنان وسوريا. وللحفاظ على وجودها والحفاظ على هيمنتها وتفوقها، يجب على إسرائيل اتباع سياسة إضعاف مستمر لجيرانها المباشرين وترسيخ هذا الضعف.

وكما تلتزم إسرائيل بالحفاظ على الهيمنة على الاردن، وإضعاف جميع عناصر القوة في لبنان، وتشجيع الانقسام الطائفي فيه، وانتهاج سياسة حرب دائمة ضد الفلسطينيين، فإنها لن تسمح لسوريا باستعادة وحدتها ومصادر قوتها واستقرارها. إن التدخل لمنع الحكومة السورية من ممارسة سيادتها في السويداء سيتبعه تدخل إسرائيلي مماثل، باستخدام جميع الوسائل الممكنة، لمنع الحكومة السورية من حل الوضع في الجزيرة والشمال الشرقي. الدافع الرئيسي في كلتا الحالتين ليس التعاطف مع الدروز أو الأكراد، بل هشاشة الوضع وانعدام الأمن وتفاقم الصراعات الداخلية في سوريا.

وأخيرًا، تجدر الإشارة إلى أنه على الرغم من اعتقاد الرئيس السوري الجديد بأن إعطاء الأولوية للتنمية الاقتصادية، والعلاقات مع الغرب، وخاصة الولايات المتحدة، وتقديم ضمانات أمنية مطلقة للنظام الإسرائيلي، من شأنه أن يحمي سوريا من التهديدات والمخاطر. لكن التطورات الأخيرة أظهرت أن سوريا الجديدة لن تتمكن من حماية نفسها من التهديد الاستراتيجي للنظام الإسرائيلي ما لم تُعزز قدراتها الدفاعية من جهة، وتعمل على استعادة وحدة أراضيها وشعبها في أسرع وقت ممكن من جهة أخرى. ويصعب إن لم يكن مستحيل تحقيق هذين الهدفين دون تحالف وثيق مع القوى الشقيقة والصديقة في المنطقة والعالم، ودون مراجعة وتوسيع نطاق النظام الحاكم الجديد، ودون إرساء سياسة دفاعية قائمة على الشراكة بين المؤسسات الحكومية ومختلف قطاعات الشعب السوري.




حكيمة زعيم باشي
لا توجد تعليقات لهذا المنصب.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال