أعلن الرئيس الأمريكي خلال خطاب ألقاه في مؤتمر مصنع الصلب الأمريكي في ويست ميفلين بولاية بنسلفانيا وذلك استمرارًا لقراراته وإجراءاته المفاجئة، أن الرسوم الجمركية على واردات الصلب والألمنيوم سترتفع من 25% إلى 50%. وسيدخل هذا التغيير حيز التنفيذ اعتبارًا من يونيو 2025. والهدف الرئيسي من هذا الإجراء هو حماية صناعتي الصلب والألمنيوم المحليتين في الولايات المتحدة من المنافسة الأجنبية، وخاصة من الصين وتعزيز فرص العمل في هذين القطاعين .(1) وأكد ترامب أن هذه الرسوم الجمركية لن تقتصر على الصلب فحسب، بل ستشمل أيضًا منتجات الألومنيوم لمنع المنتجين الأجانب من التحايل على القيود التجارية.
انتقادات من الحلفاء
لقي القرار الأخير بزيادة الرسوم الجمركية ردود فعل قوية من حلفاء الولايات المتحدة القدامى. ففي كندا حذرت مجموعات صناعية ومسؤولون من أن هذه الزيادة ستسبب "اضطرابًا هائلاً" في سلسلة توريد الصلب في أمريكا الشمالية. وقالت جمعية الصلب الكندية إن الرسوم الجمركية البالغة 50% ستغلق فعليًا السوق الأمريكية أمام المنتجين الكنديين وستكون لها "عواقب وخيمة" على كلا البلدين. حتى النقابات العمالية الكندية وصفت هذه السياسة بأنها "هجوم مباشر على عمال التعدين والصلب الكنديين" وتتعارض مع روح التعاون التجاري بين البلدين.(2)
وفي أستراليا، وصف وزير التجارة دان فيرلر قرار ترامب بأنه "جائر" و"سلوك غير لائق من صديق". وأشار إلى أن أستراليا نادرًا ما تُصدر الصلب إلى الولايات المتحدة، وأن هذه الرسوم الجمركية تُشير إلى عداء سياسي. وأكد المسؤولون الأستراليون أن هذه الخطوة تنتهك الالتزامات الثنائية وقد تُلحق ضررًا بالغًا بالتعاون التجاري في المستقبل.(3)
التأثير الاقتصادي على الصناعة المحلية
حذّر خبراء اقتصاديون ومحللون صناعيون من أن زيادة الرسوم الجمركية على واردات الصلب والألومنيوم بنسبة 50% ستؤدي إلى زيادة حادة في أسعار هذه المعادن في السوق المحلية الأمريكية. وتؤثر هذه الزيادات في التكاليف بشكل مباشر على الصناعات التحويلية، مثل السيارات والبناء والفضاء. وقد أظهرت التجارب السابقة في السنوات السابقة أن زيادات الرسوم الجمركية يمكن أن تزيد السعر النهائي للسيارة بعدة آلاف من الدولارات؛ ومع مضاعفة الرسوم الجمركية، يتوقع الخبراء أن ترتفع أسعار السيارات أيضًا بنفس القدر مما يقلل الطلب ويضغط على هوامش ربح الشركات المصنعة. في قطاع البناء سيؤدي ارتفاع تكاليف الصلب والألمنيوم إلى ارتفاع تكاليف مشاريع البناء، بما في ذلك أعمال الأسقف والهياكل الفولاذية للمباني والجسور. قد تؤدي هذه التغييرات إلى تأخيرات وإلغاءات في المشاريع، وإلى بطالة مؤقتة أو دائمة للعمال. كما ستُجبر صناعات الأجهزة والإلكترونيات على رفع أسعار منتجاتها، مما سيؤدي في النهاية إلى تفاقم التضخم وانخفاض القدرة الشرائية للمستهلك الأمريكي(4) .
يمتد نطاق هذه التعريفات ليشمل صناعات مثل صناعة الطيران والآلات الدقيقة. في الماضي شملت ردود الدول الانتقامية فرض رسوم جمركية على قطع غيار الطائرات. أما الآن ومع زيادة التعريفات إلى 50%، فمن المرجح أن يفرض شركاء تجاريون رئيسيون مثل الاتحاد الأوروبي وكندا واليابان، تعريفات جمركية جديدة على الصادرات الأمريكية الحساسة، مما سيؤدي إلى انخفاض الصادرات وزيادة الضغط على الإنتاج المحلي والعمالة في الولايات المتحدة. ويعتقد المحللون أن هذه الزيادة في التعريفات، بدلًا من دعم المنتجين المحليين ستؤدي في الواقع إلى رفع الأسعار، وتقليل القدرة التنافسية للشركات بل وإغلاق بعض خطوط الإنتاج .(5)
التوترات التجارية العالمية وخطر الحرب التجارية
يحذر الخبراء من أن القرار الأخير بزيادة التعريفات الجمركية قد يفتح فصلًا جديدًا في الحرب التجارية العالمية. في الوقت نفسه اتهم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الصين بـ"انتهاك اتفاقيات المعادن الاستراتيجية" وتحدث عن توسيع السياسات العقابية. يعتقد المحللون أن تصعيد الأعمال العدائية ضد الصين وفرض الرسوم الجمركية على حلفائها سيمهد الطريق لتوترات أوسع في سلاسل التوريد العالمية.
أظهرت تجربة حرب الرسوم الجمركية مع الصين عام 2018 أن مثل هذه الإجراءات تؤدي إلى إجراءات انتقامية على المنتجات الزراعية والسيارات والتكنولوجيا. وحاليا فإن الزيادة المفاجئة في رسوم الصلب والألمنيوم إلى 50٪ قد تثير ردود فعل مماثلة أو حتى أكثر حدة من أوروبا وكندا وشركاء تجاريين آخرين للولايات المتحدة. لن يؤدي هذا إلى تفاقم انعدام الثقة في دورة العرض والطلب العالمية فحسب، بل سيجعل المستثمرين يائسين بشأن الاستقرار الاقتصادي على المدى الطويل. قد تلجأ الشركات متعددة الجنسيات إلى أسواق بديلة للمواد الخام أو تنتقل إلى دول ذات رسوم جمركية أكثر تساهلا، مما سيؤدي في النهاية إلى انخفاض الكفاءة وانخفاض النمو وارتفاع التكاليف في الاقتصاد العالمي.(6)
النتيجة
إن زيادة رسوم واردات الصلب والألمنيوم بنسبة 50٪، على الرغم من النوايا الحمائية، لها عواقب بعيدة المدى. رغم أن هذا الإجراء يضغط على الصناعات المحلية (مثل السيارات والبناء) ويزيد التضخم، إلا أنه قوبل برد فعل انتقامي من حلفاء الولايات المتحدة. إذ ترى دول مثل كندا وأستراليا أن هذه السياسة تتعارض مع مبادئ التجارة الحرة وتهدد العلاقات التجارية العالمية. ويحذر المحللون الاقتصاديون من أن هذه الاستراتيجية ستؤدي إلى زيادة تكاليف الإنتاج، وانخفاض الصادرات، واضطرابات في سلاسل التوريد العالمية. وفي نهاية المطاف قد يؤدي هذا النهج إلى إشعال حرب تجارية شاملة لن تقتصر فائدتها على المنتجين أو المستهلكين الأمريكيين فحسب، بل ستؤدي أيضًا إلى زعزعة النظام الاقتصادي المحلي والعالمي وتضر بجميع قطاعات الاقتصاد.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال