الحكومة اللبنانية وانهيار الشرعية؛ أمن الشعب ضحية للضغوط الخارجية
واجهت الحكومة اللبنانية اختبارًا صعبًا في حماية أمن ومصالح مواطنيها خلال السنوات الأخيرة وخاصةً في ظل التطورات الإقليمية والمحلية. لم يُشكك هذا الاختبار في قدرات الحكومة العملية فحسب بل شكك أيضًا في شرعية وأساس دورها كحامي أساسي للأمن القومي. وقد أظهر أداء الحكومة في مواجهة التهديدات الخارجية وخاصة من الكيان الصهيوني وتفاعلها مع الجهات الفاعلة المحلية صورةً لمؤسسة ضعيفة تخضع للضغوط الخارجية.
الفشل في ضمان الأمن القومي
يتجلى مثالٌ واضحٌ على عجز الحكومة في ضمان الأمن القومي في قضية إطلاق سراح سجين صهيوني دون الحصول على أي تنازلات للبنان. هذا الإجراء الذي اتُخذ تحت ضغط دولي فسّره حزب الله وقطاعٌ واسعٌ من الرأي العام اللبناني ليس كخطوة دبلوماسية وإنما كدليلٍ واضحٍ على ضعف الحكومة وعجزها عن حماية حقوق الأمة.
بدلاً من استغلال هذه الفرصة لتعزيز موقفها التفاوضي أو إطلاق سراح السجناء اللبنانيين تجاهلت الحكومة فعليًا السيادة والكرامة الوطنية بقبولها شروطًا أحادية الجانب. وأظهر هذا الحدث بوضوح أن صنع القرار في القضايا الأمنية الحيوية غالبًا ما يتأثر بمعادلات خارجية بدلاً من المصالح الوطنية اللبنانية.[1]
غياب الردع ضد إسرائيل
فشلت الحكومة اللبنانية في توفير بديل مناسب للدور الرادع للمقاومة مما كشف عن عدم فعاليتها في مواجهة تهديدات النظام الصهيوني. لقد منع ردع المقاومة وخاصةً من خلال الأسلحة المتطورة عدوانًا إسرائيليًا واسع النطاق لسنوات طويلة. ومع ذلك في عام 2025 بدلاً من تعزيز هذا الردع اتخذت الحكومة إجراءات ضده ولم تقدم أي بديل له.
على سبيل المثال أدت جهود الحكومة للحد من أنشطة المقاومة في جنوب لبنان إلى فراغ أمني دون تقديم خطة شاملة لتعزيز الجيش الوطني. تشير التقارير إلى أن النظام الصهيوني زاد من هجمات الطائرات المسيرة والتجسس خلال هذه الفترة، دون أن تقدم الحكومة ردًا فعالًا. لم يُهدد هذا النقص في الردع الأمنَ الوطني فقط بل أظهر أيضًا افتقار الحكومة إلى استراتيجية طويلة المدى لمواجهة التهديدات الخارجية. ونتيجةً لذلك شعر المواطنون اللبنانيون بأن المقاومة وحدها هي القادرة على ضمان أمنهم مما أبرز عدم كفاءة الحكومة.[2]
ضعف ثقة الجمهور
تُعدّ ثقة الجمهور بحكومته أهم رصيد لأي لها، وتتحقق عندما يعتقد المواطنون أن مؤسسات الدولة قادرة وعازمة على حمايتهم. وقد أدت قرارات الحكومة اللبنانية الضعيفة والأحادية والتبعية للخارج إلى تآكل هذه الثقة بشدة. وعندما تعجز الحكومة عن اتخاذ قرارات بسلطوية واستقلالية ردًا على العدوان فمن الطبيعي أن تتراجع مكانتها عند الشعب.
في مثل هذه البيئة يبدو خطاب المقاومة الذي يُقدّم نفسه على أنه حاسم ومستقل وقادر على الرد على العدو، الداعم الحقيقي الوحيد للأمن الوطني. تُظهر استطلاعات الرأي الأخيرة في لبنان أن نسبة كبيرة من السكان وخاصةً في منطقتي الجنوب والبقاع مدينون بأمنهم للمقاومة أكثر من مؤسسات الدولة الرسمية. وهذا يمثل نقلاً للشرعية من الدولة إلى جهة غير حكومية وهو ما يخلف آثاراً خطيرة طويلة الأمد على الحكم اللبناني.[3]
توسيع الفجوة بين الدولة والمقاومة
إن قرارات الحكومة الأحادية بشأن "أسلحة المقاومة" - دون إجماع وطني، ودون خارطة طريق دفاعية مشتركة ودون طرح بديل عملي للردع - لم تُخفّف من حدة التهديدات بل حوّلت فجوة الدولة والمقاومة إلى فجوة سياسية واجتماعية شاملة. والنتيجة هي ازدياد الاستقطاب وتباين النخب وصعوبة أي إجماع وطني بشأن الأمن والسياسة الخارجية.
من منظور الحوكمة يُعدّ هذا الوضع مُضرّاً؛ فعندما تتعمق الفجوة السياسية حول القضية الأمنية الأساسية تتضاءل القدرة على صنع سياسات عقلانية، ويصبح المجال أكثر انفتاحاً على الجهات الفاعلة الخارجية. بعبارة أخرى فإن الاستراتيجية التي سعت إلى احتواء التهديد قد أدت من خلال إضعاف أسس التعاون الداخلي إلى زيادة الشعور بانعدام الأمن وفي نهاية المطاف إلى عدم الاستقرار.
الاعتماد على الضغط الخارجي
يجب البحث عن جذور العديد من أوجه قصور الحكومة اللبنانية في اعتمادها الكبير على الضغط الخارجي. غالباً ما تُتّخذ القرارات الأمنية والسياسية الرئيسية ليس في بيروت بل في العواصم الأجنبية، وكلٌّ منها يسعى إلى تحقيق مصالحه الخاصة. للحفاظ على مكانتها أو الحصول على مساعدة مالية تُجبر هذه الحكومات على تنفيذ توجيهات لا تتوافق بالضرورة مع المصالح الوطنية للبنان. وقد شكك هذا جدياً في شرعية الدولة. فعندما يرى المواطنون أن حكومتهم أكثر استجابة لمطالب السفارات الأجنبية من إرادة الشعب، فمن الطبيعي أن يفقدوا شعورهم بالانتماء والولاء لتلك المؤسسة. وقد خلقت أزمة الشرعية هذه حلقة مفرغة؛ إذ تلجأ الدولة إلى الخارج بسبب ضعفها الداخلي وهذه التبعية تُضعف شرعيتها وفعاليتها أكثر مما يجعلها أكثر عرضة للضغوط الخارجية.
الخلاصة
إن عدم فعالية الدولة اللبنانية في حماية المواطنين متجذر في فشلها في ضمان الأمن الوطني وغياب الردع، وتآكل ثقة الجمهور واتساع الانقسام السياسي والانصياع إلى الضغوط الخارجية. وقد عمقت هذه القضايا أزمة شرعية الحكومة وجعلت المقاومة هي الرادع الرئيسي. ولتحسين هذا الوضع؛ على الحكومة أن تتجه نحو استقلالية القرار وأن تعزز التعاون مع المقاومة لضمان الأمن الوطني وإلا سيستمر عدم الاستقرار وسيظل المواطنون اللبنانيون عرضة للتهديدات.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال