الدبلوماسية الأمريكية الدراماتيكية؛ إضفاء الشرعية على عدوان إسرائيل على غزة
83 Views

الدبلوماسية الأمريكية الدراماتيكية؛ إضفاء الشرعية على عدوان إسرائيل على غزة

في ظل الأزمة الإنسانية المستمرة في غزة ومع استمرار نيران الحرب التي تزهق أرواح المدنيين الأبرياء أصبحت الدبلوماسية الدولية أكثر من أي وقت مضى مسرحًا للاستعراض السياسي. وتُعد زيارة وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو إلى إسرائيل والتي استمرت يومين متتاليين 14 و15 أيلول 2025، مثالًا بارزًا على ما يمكن تسميته "الدبلوماسية الدراماتيكية"؛ وهو نهج تحل فيه الإيماءات السياسية والتصريحات الإعلامية محل التدابير الفعالة لحل الأزمة مما يُسهم عمليًا في استمرار الوضع الراهن.

تكشف هذه الزيارة إلى جانب السياسات العامة للإدارة الأمريكية تجاه الحرب في غزة، عن تناقض عميق بين أقوال واشنطن وأفعالها وتُظهر كيف أن دعم الولايات المتحدة لإسرائيل تحت ستار المخاوف الإنسانية يُسهّل ارتكاب جرائم حرب.

الزيارة الإعلامية لروبيو
يمكن اعتبار زيارة ماركو روبيو إلى الأراضي المحتلة مناورة إعلامية وانتخابية أكثر من أي شيء آخر. جرت هذه الرحلة عشية موسم انتخابات التجديد النصفي الأمريكية وفي ذروة المنافسة الحزبية. روبيو الذي لطالما كان داعمًا قويًا لإسرائيل يهدف إلى تعزيز قاعدته الانتخابية بين مؤيدي إسرائيل ويرسيخ لرواية "الحرب الإعلامية" العالمية ومفادها أن إسرائيل ضحية "الإرهاب" وأن أفعالها تتمتع بشرعية دفاعية.

في لقاءاته مع كبار المسؤولين الإسرائيليين بمن فيهم رئيس الوزراء ووزير الدفاع لم يكتفِ بإبداء أي إشارة جادة إلى إنهاء الحرب فورًا أو إدانة قتل المدنيين بل أكد أيضًا على "حق إسرائيل غير القابل للتصرف في الدفاع عن نفسها" وقد صدرت هذه التصريحات مباشرةً لتعزيز موقف تل أبيب وتبرير عملياتها المستمرة.

بدت صوره مع الجنود الإسرائيليين وزياراته للمناطق الحدودية أشبه برحلة انتخابية منها بمهمة دبلوماسية جادة لإيجاد حل. لم يكن للرحلة أي أثر ملموس أو إيجابي على مسار الحرب أو تحسين الوضع الإنساني، بل أصبحت مجرد وسيلة لإظهار الدعم الأمريكي المطلق.[1]

مخاوف واشنطن الزائفة
إلى جانب هذه المظاهر الداعمة دأب مسؤولو البيت الأبيض ووزارة الخارجية على استخدام عبارات مثل "القلق العميق إزاء الوضع الإنساني" و"ضرورة حماية المدنيين" و"ضرورة ضبط النفس"، هذه التصريحات التي تبدو مصممة لتهدئة الرأي العام العالمي والمحلي، تفتقر إلى أي أساس عملي. تتحدث واشنطن عن ضرورة إرسال مساعدات إنسانية ممتنعةً عن ممارسة أي ضغط حقيقي على النظام الإسرائيلي لإعادة فتح المعابر بشكل كامل ودائم.

تُنشئ هذه المخاوف الزائفة منطقة رمادية تُقدم فيها الولايات المتحدة نفسها كوسيط متعاطف، بينما هي من خلف الكواليس أكبر داعم عسكري وسياسي للمعتدي الصهيوني. يسمح هذا النهج المزدوج لإسرائيل بمواصلة سياساتها مع ضمان الإفلات من العقاب علمًا بأن خطاب واشنطن لن يُترجم أبدًا إلى إجراءات عملية كوقف شحنات الأسلحة أو فرض عقوبات.[2]

تسهيل استمرار العدوان
يُعدّ تسهيل أفعال النظام الإسرائيلي من خلال الدعم العسكري والمالي بالإضافة إلى استخدام حق النقض (الفيتو) في الأمم المتحدة، أحد أهم عناصر الدبلوماسية الاستعراضية الأمريكية. في يوليو 2025 استخدمت الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) ضد قرار يدعو إلى وقف فوري وغير مشروط لإطلاق النار في غزة للمرة السابعة في أقل من عامين.[3]

خلال زيارة روبيو أُعلن أيضًا عن دعم قوي للنظام الإسرائيلي دون أي إشارة جادة إلى شروط ملموسة لوقف القصف أو حماية المدنيين. وأكد أن الولايات المتحدة ستواصل مواجهة حماس وأنه لا يوجد تغيير جوهري في هذه السياسة. ويسمح الدعم الأمريكي لإسرائيل فعليًا بمواصلة العنف الذي يصفه المنتقدون بأنه جريمة دولية دون خوف من عواقب دولية وخيمة.

إدارة الرأي العام والضغط على العرب
من وظائف الدبلوماسية الاستعراضية أيضًا التحكم في الخطاب الإعلامي وإدارة الرأي العام، وخاصة في العالم العربي. خلال زيارته حاول روبيو تقديم نفسه كوسيط "قلق" بشأن الوضع الإنساني، لكنه في الواقع يرسل رسائل تشجع الحكومات العربية على تقديم تنازلات أقرب إلى إسرائيل. يُمارس هذا الضغط الضمني من خلال حلفاء الولايات المتحدة ووسائل الإعلام لمنع الدول العربية من اتخاذ موقف مستقل أو نقدي جاد.

كما تُقدم الولايات المتحدة على الصعيد الدولي صورة إيجابية من خلال التأكيد على ضرورة الشفافية ودعم الجهود الإنسانية، ودعوة دول المنطقة إلى الوساطة بينما تدافع عمليًا عن أفعال الصهاينة. يهدف هذا النوع من الحرب الإعلامية تحديدًا إلى الضغط على العرب كي لا يستمروا في معارضتهم العلنية، ولا يتعاونوا بجدية في معاقبة النظام الإسرائيلي بل للحفاظ على نظام عالمي يُفيد الولايات المتحدة وإسرائيل.[4]

الخلاصة
تُقدم زيارة ماركو روبيو إلى تل أبيب والسياسات الأمريكية العامة تجاه حرب غزة صورة واضحة لدبلوماسية مسرحية تتناقض فيها الأقوال والأفعال تناقضًا واضحًا. تتلاعب واشنطن بالرأي العام مستغلةً مخاوف إنسانية زائفة بينما تُسهّل جرائم الحرب بشكل مباشر بدعم عسكري وسياسي ودبلوماسي.
هذا النهج لا يُسهم في حل الصراع فحسب بل يُديم أيضًا العنف وعدم الاستقرار في المنطقة من خلال منح الحصانة للنظام الإسرائيلي وممارسة الضغط على العرب. وحتى يتم حل هذا التناقض الأساسي في السياسة الخارجية الأميركية فإن أي ادعاء من جانب الولايات المتحدة بالسعي إلى السلام لن يكون أكثر من مجرد عرض فارغ لحماية مصالحها الاستراتيجية ومصالح حليفها الرئيسي في الشرق الأوسط وهو عرض من شأنه أن يكلف الشعب الأعزل في غزة حياتهم.



محمد صالح قرباني

[1] https://www.theguardian.com/world/2025/sep/15/rubio-says-netanyahu-has-full-support-of-us-over-plans-to-destroy-hamas
[2] https://www.aljazeera.com/news/2025/9/15/netanyahu-and-rubio-stick-to-established-israeli-us-narrative-on-gaza-war
[3] https://www.reuters.com/world/middle-east/us-backed-gaza-aid-group-halt-distribution-wednesday-un-vote-ceasefire-demand-2025-06-04
[4] https://apnews.com/article/israel-palestinians-hamas-war-news-09-14-2025-665737776ce05e3496af40676a9bc237
لا توجد تعليقات لهذا المنصب.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال