الدور الاستراتيجي للمنتدى الاقتصادي الدولي في سانت بطرسبرغ بالنسبة لموسكو
1524 Views

الدور الاستراتيجي للمنتدى الاقتصادي الدولي في سانت بطرسبرغ بالنسبة لموسكو

شهدنا خلال الأيام الأخيرة انعقاد الدورة الثامنة والعشرين للمنتدى الاقتصادي الدولي في سانت بطرسبرغ (SPIEF) في روسيا تحت عنوان وشعار رئيسي "القيم المشتركة أساس النمو في عالم متعدد الأقطاب" (1)، بمشاركة أكثر من 2100 مشارك من 100 دولة حول العالم .(2) وبوجود فلاديمير بوتين رئيس روسيا وقادة سياسيين من مختلف الدول بالإضافة إلى المستثمرين ورجال الأعمال الدوليين في مدينة سانت بطرسبرغ الروسية. يمكن إدراك مدى أهمية هذا المنتدى الدولي باعتباره أحد أبرز المنصات العالمية للحوار الاقتصادي والمفاوضات والاتفاقيات المتنوعة التي جرت حول القضايا الاقتصادية والجيوسياسية ضمن هذا الإطار.

ولكن ما يمكن التطرق إليه في هذا المجال هو موضوع الاستخدام الاستراتيجي الذي يقوم به فلاديمير بوتين والكرملين لهذا المنتدى الاقتصادي الدولي، خاصة في ظل الوضع العالمي الحالي المعقد والذي على وشك الدخول في نظام عالمي جديد ومتعدد الأقطاب، مع التأكيد على السيادة الاقتصادية للدول المختلفة والاستقلال عن الغرب، دون الاعتماد على الأسواق الغربية عالية المخاطر، ومواجهة النظام الاقتصادي الذي يسيطر عليه الغرب. هذا الموضوع دفع العديد من الخبراء للتنبؤ بأن هذه الإجراءات على المستوى الدولي ستؤدي إلى توسيع الشراكات متعددة الأطراف والإقليمية وتسهل الانحياز نحو نظام اقتصادي متعدد الأقطاب وجديد.

ومن الأفضل أن نعلم في البداية أنه من منظور الكرملين، لا يعد منتدى سانت بطرسبرغ رمزًا لمقاومة روسيا للعقوبات والضغوط الخارجية فحسب بل هو أيضًا منصة لعرض السياسات الاقتصادية المستقلة لروسيا وتقليل الاعتماد على النظام المالي الذي يهيمن عليه الغرب. من خلال عقد الدورة الثامنة والعشرين لهذا المنتدى، نلحظ فعليًا تطوير الشراكات متعددة الأطراف أو الإقليمية وتعزيز العلاقات الاقتصادية مع الدول الآسيوية والأفريقية وأمريكا اللاتينية عبر هذا المنتدى.

وفي هذا السياق، صرح فلاديمير بوتين في كلمته للحضور والمشاركين في الدورة الثامنة والعشرين للمنتدى الاقتصادي الدولي في سانت بطرسبرغ بأن روسيا مع شركائها، وبشكل خاص في مجموعة بريكس، ملتزمة بمواصلة تأسيس نظام فعال للتعاون الدولي المتساوي والمفيد خالٍ من أي نوع من التمييز أو التهديد أو الضغط بالعقوبات.(3)

نتذكر في شهر أيار من هذا العام وخلال زيارة شي جين بينغ، رئيس جمهورية الصين إلى روسيا ولقائه مع فلاديمير بوتين أن الطرفين قاما بكل ما يلزم لتحدي هيمنة الولايات المتحدة والإعلان عن بناء "نظام عالمي جديد". من بين القضايا الرئيسية التي كانت واضحة في التصريحات والتفاهمات بين البلدين هي جهود روسيا والصين لإنهاء الهيمنة الأمريكية المتراجعة. أما الآن وفي إطار هذه الاتفاقات والتفاهمات، أصبح المنتدى الاقتصادي الدولي في سانت بطرسبرغ ساحةً لنقد النظام الاقتصادي الذي تهيمن عليه عملة الدولار والصناديق الغربية تحت سيطرة أمريكا والغرب.

وفي هذا الخصوص يجدر الذكر أن أنطون كوبياكوف مستشار رئيس روسيا والأمين التنفيذي للجنة تنظيم المنتدى الاقتصادي الدولي في سانت بطرسبرغ، أشار إلى أن العالم الحديث يشهد تحولات جذرية، وقال: ليس فقط الخريطة الجيوسياسية بل كذلك الآفاق الاقتصادية العالمية تتغير باستمرار، كما أن هياكل العلاقات الاقتصادية والتواصل داخل الدول تشهد تغيرات في حين أنه يجري تشكيل تحالفات واتحادات بين الدول في إطار نظام جديد. وبيّن أن المنتدى الاقتصادي الدولي في سانت بطرسبرغ ليس مجرد منصة للنقاش حول هذه التغييرات، بل هو مكان يتم فيه تقديم وتوسيع حلول عملية للتعامل مع الظروف الخارجية المتغيرة بسرعة للدول والشعوب الذين يرغبون في عالم عادل وظروف متكافئة للتنمية.(4)

أما من بين الإنجازات والاستراتيجيات المهمة لهذا المنتدى بالنسبة لروسيا، فيمكن تلخيصها في زيادة القدرة على الصمود الاقتصادي في مواجهة الأزمات. ففي هذا السياق يستغل فلاديمير بوتين هذه الفرصة لتسليط الضوء على الإجراءات التي تتخذها روسيا في مجال الاكتفاء الصناعي، والتقنيات المحلية، واستخدام العملات الوطنية، وتطوير السوق الداخلية. ومن خلال الاستفادة من هذا الإنجاز الاستراتيجي، يمكن لروسيا أن تبرز كلاعب رئيسي في النظام العالمي المستقبلي، ومع حضور نشط لزعماء الدول والشركات غير الغربية، يوفر هذا المنتدى فرصة لروسيا لتعريف نفسها كقوة مستقلة وموثوقة في النظام العالمي الجديد.

والآن مع سعي روسيا بشكل متزايد إلى تعزيز العلاقات الاقتصادية مع بلدان أخرى في آسيا وإفريقيا وأميركا اللاتينية تحت رعاية هذا المنتدى، فإن تطوير الشراكات المتعددة الأطراف والموجهة نحو الجنوب يمكن أن يزيد من المرونة الاقتصادية، وينهي الهيمنة المالية والتقليدية للغرب ويمهد الطريق لتسريع الدخول في نظام عالمي متعدد الأقطاب ويفتح الأبواب أمام السيادة الاقتصادية المستقلة عن الغرب.


نويد دانشور


1- https://forumspb.com/en/
2- https://tass.com/economy/1965543
3- https://irna.ir/xjTMFW
4- https://forumspb.com/en/news/news/opublikovana-delovaja-programma-pmef-2025/?utm_referrer=https%3A%2F%2Fwww.google.com%2F
لا توجد تعليقات لهذا المنصب.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال