الصين والفرصة الإستراتيجية العظيمة
222 Views

الصين والفرصة الإستراتيجية العظيمة

مع بدء حرب النظام الإسرائيلي على إيران واستمرار دعم الولايات المتحدة لهذا الهجوم، برزت بوضوح عدم فعالية المنظمات والمؤسسات الدولية من جديد. في غضون ذلك تسعى بعض القوى الكبرى مثل الصين إلى تعزيز دورها كقوة عظمى فاعلة و بعيدة عن سياسة ازدواجية المعايير من خلال إدانة تصرفات الغرب ومعاييره المزدوجة.

في هذا السياق، كان الموقف الرسمي الصيني واضحًا وحاسمًا، وردًا على الهجمات الأمريكية على المنشآت النووية الإيرانية، وصفتها الصين بأنها "انتهاك خطير لميثاق الأمم المتحدة"، وهو ميثاق يحظر استخدام القوة دون إذن من مجلس الأمن أو في حالة الدفاع عن النفس. وأعلنت وزارة الخارجية الصينية أن هذه الهجمات ستلحق "ضررًا جسيمًا بمقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي". وفي اجتماع طارئ لمجلس الأمن وصف السفير الصيني فو تشونغ هذا الإجراء بأنه انتهاك للسيادة الوطنية للدول وانتهاك لنظام منع الانتشار. ويتماشى هذا الموقف مع مواقف بكين الاستراتيجية والأيديولوجية طويلة المدى.

في الواقع تتناول هذه الاستراتيجية المعارضة المبدئية للتدخل العسكري الأحادي، والدفاع عن وحدة أراضي الدول و احترام القانون الدولي. ومن خلال إثارة هذه القضايا تُقدم الصين نفسها كحامية للنظام الدولي القائم على القانون، وتُقدم الهجوم الأمريكي كمثال واضح على "الأحادية" وفرض سياسة القطب الواحد، وتسعى إلى تعزيز شرعيتها الدولية.(1)

علاوة على ذلك في ظل الوضع المتوتر الذي أعقب الهجوم الأمريكي وتزايد الضغوط الدبلوماسية الغربية على إيران، ترى الصين فرصة ذهبية لتعزيز علاقاتها الاستراتيجية مع إيران. في الواقع تعتبر الصين السوق الإيرانية سوقًا ناشئة، وتسعى إلى تحسين وضعها الاقتصادي في المنطقة من خلال احتكارها. ومع انسحاب الشركات الغربية يُمكن للصين الاستثمار في قطاع الطاقة من خلال تقديم عقود نفطية وخصومات لإيران. في الوقت نفسه يُظهر إجراء مناورات بحرية مشتركة، مثل "حزام الأمن البحري 2025" في خليج عمان، عمق التعاون الثنائي. بهذا النهج تسعى الصين إلى أن تصبح شريكًا موثوقًا به وبديلا للولايات المتحدة في المنطقة، وأن تُقدم نفسها كأحد ركائز النظام الأمني الإقليمي.(2)

علاوةً على ذلك، فإن معارضة الصين للهجمات الأمريكية ليست مجرد مسألة قانونية؛ بل تنطوي أيضًا على مخاوف بالغة الأهمية بشأن الاستقرار الإقليمي وطرق نقل الطاقة. فالخليج الفارسي وخاصةً مضيق هرمز، مصدرٌ لحوالي 20-25% من النفط والغاز العالمي. وقد حذّر المسؤولون الصينيون ووسائل الإعلام الرسمية مرارًا وتكرارًا من عواقب حركة المرور أو تعطيل طرق النقل البحري.

نظراً لاعتمادها الكبير على نفط الشرق الأوسط تشعر الصين بالقلق من أن تقلبات الأسعار أو انقطاعات إمدادات الطاقة قد تُقوّض نموها الاقتصادي. ولذلك قد تُشارك بنشاط في الوساطة السياسية وتُعزّز وجودها البحري في المنطقة وتُتعاون مع شركائها الإقليميين لمنع تقلبات السوق. في الواقع تسعى الصين إلى الحفاظ على مسارها الآمن والرخيص لإمدادات الطاقة لأن بارتفاع التكاليف سيُواجه اقتصادها تحديات مُتعددة.(3)

كما تُريد الصين من خلال إدانتها للهجمات الأمريكية وتقديم طروحات السلام، أن تُقدّم نفسها كجهة فاعلة مسؤولة ومُدافعة عن التعددية. وقد دعت وزارة الخارجية الصينية إلى اعتماد قرار في مجلس الأمن بمشاركة روسيا وباكستان لتحقيق وقف فوري لإطلاق النار. ويهدف هذا النهج إلى هدفين: تشويه سمعة سياسة الضغط والوصاية الأمريكية، وتقديم الصين كنموذج فاعل في حل النزاعات وجعل "المصلحة العامة العالمية" كالسلام والدبلوماسية واحترام سيادة القانون في مقدمة الأولويات. وتأمل الصين في اكتساب المزيد من المصداقية لدى دول العالم الثالث والمؤسسات الدولية بدلا من اللجوء إلى القوة.

قد يُخلّف الهجوم الأمريكي فراغاً استراتيجياً يُمكن للصين ملؤه، لا سيما في إيران والعراق وسورية ولبنان. ويمكن للصين أن تكسب موطئ قدم في المنطقة من خلال توسيع العلاقات الاقتصادية ومشاريع البنية التحتية لطريق الحرير والتعاون العسكري مثل التدريبات المشتركة. وإذا استطاعت الصين ترسيخ مكانتها كعامل استقرار وشريك موثوق، فقد تُغيّر دول المنطقة تدريجيًا توجهاتها بعيدًا عن واشنطن. وفي الوقت نفسه، قد يُسهم حضور الصين في المؤسسات والمنظمات الدولية كمجلس الأمن وطرح خططها في مشاريع إعادة الإعمار والطاقة في استبدال الوجود العسكري الأمريكي بصورة الصين كنموذج ناجح للسلام.

قد يُنشئ هذا التحول الهيكلي "نموذجًا جيواقتصاديًا" جديدًا تستخدم فيه الصين القوة الناعمة والتبعية الاقتصادية والدبلوماسية لمواجهة النفوذ العسكري الأمريكي. ومن المرجح أن تتحول هذه المنافسة إلى مواجهة بين الهيمنة العسكرية الأمريكية والأسلوب الدبلوماسي الصيني.

في الواقع، إذا استطاعت الصين أن تلعب دورًا فعالًا في حل الأزمة فسيُنظر إليها كوسيط فاعل وليس مجرد مراقب سلبي. وإلا فإن عجزها عن ممارسة هذا النفوذ قد يدفع الصين إلى إعادة التركيز على مواجهتها مع الولايات المتحدة في مضيق تايوان وبحر الصين الجنوبي، حيث تمتلك الولايات المتحدة قوة عسكرية كبيرة.

في النهاية، لا يقتصر رد الصين على هذا التوتر بمجرد خطاب دبلوماسي ومواقف عدائية، بل هو اختبار حقيقي لقدرتها على لعب دور عالمي بنّاء. وإذا اغتنمت الصين هذه الفرصة واستغلتها بشكل ناجح وهادف فسيُنظر إليها كخيار حقيقي لحل الأزمات. أما إذا فشلت فإنها تُخاطر بفقدان مكانتها في الساحة العالمية أمام القوة العسكرية الأمريكية وبالتالي خسارتها لفرصة استراتيجية لاتعوض.


أمين مهدوي


1- https://www.wsj.com/livecoverage/iran-israel-us-latest-news/card/china-urges-support-for-iran-israel-cease-fire-resolution-XmWF7k0ryT3nBLoFAIGS
2- https://apnews.com/article/c10cc46ec236816d958ced2497a11464
3- https://edition.cnn.com/world/live-news/israel-iran-conflict-06-22-25-intl-hnk
لا توجد تعليقات لهذا المنصب.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال