اعتمدت الصين على مر السنوات الماضية في سياستها المحافظة على تطوير برامج سياستها الخارجية وتنظيم استراتيجياتها بمرونة وسلاسة. ويتمثل برنامجها الرئيسي في السياسة الدولية من خلال تعزيز التعاون مع دول العالم(١)، ولذلك توسع الصين في المناطق الاستراتيجية من العالم، بما في ذلك مضيق باب المندب ومضيق هرمز، له أهمية بالغة في هذا البرنامج. كما ينصب اهتمام بكين على دعم الصين لحركة أنصار الله في اليمن، نظرًا لموقع اليمن الجيوسياسي وأمن طرق التجارة الصينية، التي تُعدّ الشريان الرئيسي لتقدم وتنمية هذا البلد.
يتمثل برنامج الصين الرئيسي في الواقع في تحدي الولايات المتحدة في غرب آسيا، وعلى النقيض من النظام الجديد الذي تُعيد صياغته، لدى الصين أيضًا برامج مضادة محددة والتي سنناقشها أدناه.
غرب آسيا ساحة اختبار للنظام العالمي: على مدار العامين الماضيين، اعتبرت الصين اليمن وغزة والبحر الأحمر مناطق رئيسية في غرب آسيا لتقويض النظام الذي تقوده الولايات المتحدة(٢) واستخدمت عدم الاستقرار المُتحكّم فيه كأداة جيوسياسية. تُساعد هذه الاستراتيجية بكين على إشراك منافسها العالمي الرئيسي في شؤون غرب آسيا، بينما تسعى الولايات المتحدة، التي تعتبر نفسها شرطة العالم، باستمرار إلى السيطرة وبسط نفوذها في غرب آسيا. لقد استنزفت الأزمات الحالية في هذه المنطقة بعضًا من قوة الولايات المتحدة، وتُدرك الصين أنها تستطيع استغلال هذا الوضع لتعزيز خططها العسكرية والاقتصادية في العالم بسهولة أكبر.
إن الاستراتيجية التي تتبعها الصين تجاه الولايات المتحدة هي سياسة اللاءات الثلاثة(٣): لا تعاون، ولا دعم، ولا مواجهة مباشرة؛ وهو نهج يسمح للصين بالحفاظ على حيادها الظاهري مع إضعاف نفوذ واشنطن في الوقت نفسه. من خلال تنفيذ هذه الاستراتيجية التي تبدو سلمية، رسمت بكين خطوط سياستها الخارجية بطريقة تتيح للدول المتحالفة معها في منطقة غرب آسيا، أولاً، إقامة علاقات سلمية مع بعضها البعض، مثل إيران والمملكة العربية السعودية، اللتين أعادتا صياغة علاقتهما بوساطة الصين، وفي هذه الحالة، يمكن للصين إدارة علاقاتها مع القوى الإقليمية في غرب آسيا بشكل أفضل. ثانياً، بالنظر إلى التوازن الإقليمي الجديد، اعتمدت الصين نهجاً نشطاً بدلاً من النهج السلبي، بل وزادت من بُعدها عن المواقف السابقة المتحالفة مع الرياض وأبو ظبي.
استغلال صراعات الولايات المتحدة:
كلما اشتد الصراع والتوتر في منطقة غرب آسيا، تحول تركيز البلاد إلى جبهات بحر الصين الحساسة، وهذا مفيد للصين (٤) في هذه الحالة، يمكن لبكين تنفيذ خططها بطريقة أكثر مرونة. تُصر الصين على ضم تايوان إلى أراضيها، ومن غير المستبعد أن تستخدم قوتها العسكرية الضخمة في هذا الصدد ومن المرجح أن تكون تايوان ضحية أيضاً مثل أوكرانيا.
الاتهامات الأمريكية للصين و موقف أنصار الله منها:
بدءًا من العقوبات المفروضة على شركة تشانغوانغ لتزويدها أنصار الله بصور الأقمار الصناعية، ووصولًا إلى اكتشاف مجموعات طائرات مسيرة صينية في ميناء عدن، برزت أدلة على وجود مساعدات صينية غير مباشرة. وهي قضية بالغة الأهمية للولايات المتحدة، ولذلك فرضت عقوبات على شركات صينية. كما تستخدم الصين أساليب مختلفة لتوجيه استراتيجيتها في دعم أنصار الله في اليمن، بهدف توسيع سياستها في زعزعة الاستقرار المُتحكّم فيها.
بالنسبة لأنصار الله في اليمن، تُعدّ الصين أيضًا قوة معادية للإمبريالية. وتريد هذه الجماعة من بكين الاستثمار في المناطق الخاضعة لسيطرتها، وتسعى إلى دمج اليمن في الخطط الاقتصادية الصينية الشاملة في منطقة غرب آسيا. ونظرًا لأن أنصار الله يسيطرون على أكثر من نصف مساحة اليمن، فيجب عليهم تطوير اقتصاد هذه المناطق، والتعاون مع الصين جزء من الخطة الاقتصادية لهذه الجماعة لتحقيق الاستقرار في اليمن.
الدعم الصامت والتحديات المستقبلية:
تهدف أجندة السياسة الخارجية الصينية إلى تجنب انتهاك القوانين والأعراف الدولية، وفي هذا الاتجاه، صُممت استراتيجية الدعم الصامت لأنصار الله في اليمن وزعزعة الاستقرار المُتحكّم بها في غرب آسيا لتحدي الولايات المتحدة. ومع ذلك، إذا تزايدت التوترات الإقليمية، وخاصة الحرب بين إيران والنظام الصهيوني، فسيصبح الحفاظ على استراتيجية الدعم الصامت أمرًا بالغ الصعوبة بالنسبة للصين. قد يؤدي هذا التحدي للصين إلى مراجعة استراتيجية الدعم الصامت واعتماد نهج دعم صريح وواضح. وهي مسألة قد لا تُحلّ بسهولة بالنسبة لبكين، و يبقى أن نرى إلى أي مدى ستواصل الصين سياسة الدعم الصامت (باستخدام نهج غامض) في القضايا الإقليمية في غرب آسيا.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال