العودة السريعة لداعش واستراتيجيتها الجديدة في سورية
مقدمة
إن القارىء للمشهد السوري الحالي بشكلٍ جيد، يلاحظ تواتر الأحداث الأمنية على الساحة السورية مؤخراً، ويرى تصاعداً ملحوظاً في أنشطة تنظيم داعش الإرهابي في مختلف المناطق، فلا تزال تواجه الحكومة السورية الحالية ضعفاً أمنياً وتحديات كبيرة أمام هذا الملف تتعلق بشكل أساسي بالفراغ الأمني وضعف بنية الحكومة الانتقالية الجديدة. فقد أظهر الهجوم الأخير بالتفجير الانتحاري في كنيسة مار إلياس في دمشق بتاريخ 22 يونيو 2025، مدى هشاشة الأمن في المناطق المدنية والمحافظات الكبرى وخاصةً تلك التي توفر بيئة خصبة لانتعاش التنظيم، وسلط الضوء على ضعف قدرة الحكومة على حماية الأقليات وضمان الاستقرار والأمان لهم في ظل الحكم الحالي ذو الخلفية الجهادية. سيتناول هذا المقال التحول الجديد لبنية داعش وظهورها مجدداً ضمن مسميات جديدة، ومناقشة التحديات والتحركات لمواجهة هذا الخطر الجديد.
الفراغ الأمني وضعف الحكومة الانتقالية
في ظل تشتت المؤسسات الأمنية وعدم قدرتها على فرض سيطرتها بشكل كامل، بسبب كثرة الفصائل والألوية المختلفة المنضوية تحت وزارتي الدفاع والداخلية وضعف منطق الدولة ولغة القانون ، أصبح تنظيم داعش الإرهابي قادرًا على إعادة تموضعه وتفعيل خلاياه النائمة، خاصةً في المدن الرئيسية. إن ضعف السيطرة الحكومية وعدم التدقيق الأمني سمح بالتسلل والتنقل السلس للمسلحين ضمن أجهزة الدولة الأمنية وفي مناطق مختلفة، مما زاد من خطورة التهديدات الأمنية على المناطق المدنية والأقليات، وهنا تبرز الحاجة الماسة لإعادة ترتيب الأولويات وتقوية البنية الأمنية.
الاستراتيجية الجديدة لداعش وإعادة التعبئة
تتبع داعش الآن استراتيجية تعتمد على إعادة الانتشار و التمدن، فتعتمد بشكل كبير على الخلايا النائمة، التي يُعاد تنشيطها بكفاءة عالية. حيث يتم نقل المقاتلين من المناطق الصحراوية والبعيدة إلى مدن رئيسية كدمشق و حلب ودير الزور، مع توزيع الأسلحة واستخدام تقنيات متقدمة لشن الهجمات المطلوبة، وهذا يعكس تطوراً خطيراً في أساليب التنظيم ومرونته في التكيف مع الظروف الأمنية الجديدة ومقدرته على التخفي والقيام بعمليات إرهابية. وهذا ما صرح به أحد قادة الجيش السوري لمجلة الشرق الأوسط، و الذي فضل عدم الكشف عن هويته، إن «الجيش تمكن من الحصول على معلومات حول مخططات للتنظيم لتنفيذ عمل عسكري واسع ومفاجئ، من خلال السيطرة على أحياء عدة في مدن رئيسية في وقت واحد، على أساس أن نقطة الانطلاق، ستكون حمص، علماً بأن الأهداف التكتيكية تتضمن أماكن عبادة ومقامات دينية، لإحراج الحكومة السورية، والإيحاء بأن البلاد غير آمنة». ولفت المصدر إلى أن «داعش» يعتمد استراتيجية جديدة للتغلغل من المناطق الصحراوية والبادية إلى المراكز الحضرية، في وقت تحاول السلطات السورية وبشتى الوسائل، عزل التنظيم عن حاضنته السابقة.(1)
السيطرة الأمريكية والكردية
لم يكن مفاجئاً أن تتزامن تحذيرات السلطات السورية، عن الخطر المحدق الذي بات تنظيم "داعش" يمثله على النظام الجديد والبلاد، مع تصريحات لقائد قوات التحالف الدولي لمحاربة "داعش"، اللواء الأمريكي كيلفن سي ليهي عن قرب إطلاق التحالف الدولي حملة عسكرية ضد التنظيم، فالتنظيم عدو مشترك لكلا الطرفين. لكن المفاجئ أن يعلن التحالف الدولي عن إطلاق حملة قريبة ضد التنظيم الإرهابي، بالتعاون مع "قوات سورية الديمقراطية - قسد" وليس مع سلطات دمشق التي أبدت مراراً جاهزيتها لمحاربة التنظيم والتعاون مع التحالف للقضاء عليه.
وتشير التقارير إلى أن القوات الأمريكية وقوات سورية الديمقراطية تتجهز لتوسيع السيطرة الأمنية على المناطق التي تخضع لها، حيث تزايدت الأنشطة الإرهابية لداعش والتي تدل على وجود فجوة في التعاون الاستخباراتي والأمني على المستويين المحلي والدولي. وقد حذر مسؤولو قوات سورية الديمقراطية من أن التنظيم يستعيد أنشطته بشكل ملحوظ، وهو أمر يهدد استقرار المنطقة ويستدعي تدابير عاجلة.
في الواقع، عند دراسة معظم التقارير التي تشير إلى عودة داعش إلى الواجهة فهذا لايعني أن تواجده منحصراً فقط في مناطق سيطرة القوات الكردية أو الأمريكية في المناطق الشرقية، لأنه حتى هذا التاريخ لم يتم تحديد مواقع انتشار التنظيم بدقة أو معرفة أماكن تواجده وتجمعات أفراده. ولكن الدلائل المتوفرة هي فقط حوادث استهداف لقوات الأمن السورية في البادية(2) وقوات قسد في المناطق الشرقية، حيث أعلن التنظيم عن تبني تلك العمليات، والبدء بنشاطه حتى داخل المدن، أي أن الإنتشار المتوقع حاليا هو انتشار مخفي وغير معلن ومجهول المكان ولذلك باتت ضرورة توحيد الجهود الإستخباراتية المحلية والإقليمية حاجة ملحة لاستكمال إجراءات ضبط أي تحرك عسكري لهذا التنظيم الذي يتبع أسلوب جديد في انتشاره وتوسعه، وقد لانستغرب أن يكون قد انضم بعض أفراده لقوات الحكومة السورية لتنفيذ مخططاته من الداخل بشكل سري، وربما يكون هذا هو السبب الأساسي في عدم إشراك قوات الحكومة السورية في عملية التحالف ضد داعش.
ضرورة التنسيق إقليمياً ودولياً
على الرغم من إحباط العديد من المخططات الإرهابية، و إحباط حوالي 12 مخططًا إرهابياً هذا العام، إلا أن انخفاض العمليات لا يعني انتهاء التهديد. إنّ ضعف التعاون الاستخباراتي والحدودي بين الدول يعزز من فرص عودة التنظيم، ويبرز الضرورة الملحة لتعزيز التنسيق الإقليمي والدولي لمواجهة هذه الظاهرة بشكل حاسم، من خلال تبادل المعلومات وتوحيد الجهود الأمنية والاستخباراتية وترسيخ استراتيجيات احتواء فعالة، وعلى سبيل المثال، فقد تمت مناقشة الملف الأمني المرتبط بداعش مع رئيس جهاز المخابرات الوطني العراقي حميد الشطري عند زيارته لسورية ولقائه الرئيس المؤقت أحمد الشرع وبحثوا خطر انتشار داعش وقلق العراق من فقدان السيطرة على السجون التي تحتوي على أفراد التنظيم وعائلاتهم، بعد أن قررت أمريكا رفع يدها عن دعمها وحمايتها لتلك السجون، وهذا ما أثار قلق البلدين ودول المنطقة ككل من زيادة خطر عودة التنظيم بشكل مفاجىء.(3)
ختامًا،
إن عودة داعش تطرح تحديات جمة تتطلب تنسيق الجهود وتعزيز القدرات الأمنية بشكل سريع وفاعل، لوقف تمدد التنظيم واستعادة الاستقرار في سورية. و ربما بدأ التحالف تنفيذ خطته بالتعاون مع قوات قسد و قوات سورية الحرة التي بدأت تنتشر حالياً في ريف حمص والبادية لعزل العاصمة عن أي خطر مفاجىء يهددها من قبل داعش. و البدء بالعمليات العسكرية استعداداً لصد أي هجوم محتمل للتنظيم يقطع الطريق عليه ضد أي عمل يهدف للسيطرة على جزء او أجزاء من أحدى المدن السورية كما هو مخطط. وستكون هذه أول تجربة لمحاربة داعش في ظل حكومة سورية كانت يوماً من الأيام ضمن تشكيلات هذا التنظيم بشكلٍ أو بآخر.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال