الغرب ولعبة الدولة الفلسطينية؟
508 Views

الغرب ولعبة الدولة الفلسطينية؟

لا تزال مسألة الاعتراف بالدولة الفلسطينية موضوعًا خلافيًا في الساحة الدبلوماسية الدولية، لا سيما بالنسبة للدول الغربية مثل فرنسا وبريطانيا، التي ترتبط بعلاقات وثيقة مع النظام الإسرائيلي. فمنذ تموز 2025، بدأت هاتان الدولتان في دراسة كيفية التعامل مع قضية الاعتراف بفلسطين، في ظل تصاعد التوترات الإقليمية والضغوط الداخلية. وقد أقدمت فرنسا على خطوة جريئة عبر إعلانها نيتها الاعتراف رسميًا بالدولة الفلسطينية، في حين تبقى بريطانيا تتسم بالحذر في موقفها. وتبرز هذه الاختلافات في السياسات سعي البلدان لتحقيق توازن بين دعم الحقوق الفلسطينية والحفاظ على تحالفاتها الاستراتيجية.

وقد برزت فرنسا كقوة رائدة بين الدول الغربية من خلال إعلانها عن نيتها الاعتراف الرسمي بالدولة الفلسطينية في الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول 2025. وفي بيان أصدره الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في تموز 2025، وُصف هذا القرار بأنه "واجب أخلاقي وضرورة سياسية" لمعالجة الأزمة الإنسانية في غزة ولتعزيز حل الدولتين. ويُعد هذا القرار خطوة تاريخية، إذ تجعل من فرنسا أول عضو في مجموعة السبع الكبرى وأول عضو دائم في مجلس الأمن الدولي يتخذ مثل هذه المبادرة، رغم أن دولًا أوروبية أصغر كانت قد أقدمت سابقًا على خطوات مماثلة للاعتراف بفلسطين. [1]

يُعد قرار ماكرون استراتيجيًا ورمزيًا؛ فمن خلال الاعتراف بفلسطين تهدف فرنسا إلى تشجيع الدول الأوروبية الأخرى بما في ذلك بريطانيا على اتخاذ خطوات مماثلة، مما قد يُغير ديناميكيات محادثات السلام في الشرق الأوسط. تأتي هذه الخطوة وسط غضب عالمي متزايد إزاء الأزمة الإنسانية في غزة، حيث أدى الجوع وسقوط ضحايا من المدنيين إلى تكثيف الدعوات إلى اتخاذ إجراءات عاجلة وملموسة.

وقد قوبل القرار بجدل واسع حيث أدانه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووصفه بأنه "مكافأة لأفعال حماس"، بينما وصفته الولايات المتحدة، من خلال وزير الخارجية ماركو روبيو بأنه عقبة أمام جهود السلام. وعلى الرغم من هذه التوترات أصرت فرنسا على اتباع نهج متعدد الأطراف وتأمل في استخدام نفوذها في الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة لحشد دعم أوسع حتى تتمكن من العمل كطرف فاعل في حل القضية الفلسطينية. [2]

في غضون ذلك كانت بريطانيا أكثر حذرًا في نهجها تجاه الاعتراف بفلسطين متأثرة بدورها التاريخي في المنطقة وعلاقاتها الاستراتيجية مع الولايات المتحدة وإسرائيل. في ظل الحكومة المحافظة السابقة اقتصر موقف بريطانيا على الدعم العام لحل الدولتين، دون الالتزام بالاعتراف الرسمي. ولكن مع الفوز الساحق لحزب العمال في يوليو 2024، واجه رئيس الوزراء كير ستارمر ضغوطًا متزايدة لإعادة النظر في هذه السياسة. ووقع أكثر من 200 عضو في البرلمان، بمن فيهم العديد من أعضاء حزب العمال على رسالة في يوليو 2025 تدعو ستارمر إلى الاعتراف بفلسطين. ووصفوا هذه الخطوة بأنها "حق غير قابل للتصرف" وحذروا من أن التأخير قد يؤدي إلى وضع "لا توجد فيه دولة للاعتراف بها". كما شددت لجنة الشؤون الخارجية، برئاسة إميلي ثورنبيري من حزب العمال على الحاجة إلى اتخاذ إجراء عاجل. ومع ذلك قال ستارمر إن الاعتراف بفلسطين يجب أن يكون جزءًا من اتفاق سلام تفاوضي، مما يعكس وجهة النظر البريطانية التقليدية بأن العمل الأحادي الجانب قد يقوض الجهود الدبلوماسية.

مع ذلك ثمة دلائل على تحول محتمل في نهج الحكومة البريطانية. فقد ألمح مسؤول حكومي إلى أن المملكة المتحدة قد تعترف بفلسطين قبل الانتخابات العامة المقبلة، مشيرًا إلى أن قيادة حزب العمال تستجيب للضغوط المحلية والدولية. لكن هذا التفاؤل الحذر يجب أن يُخفف من وطأة حاجة المملكة المتحدة إلى الحفاظ على "علاقتها الخاصة" مع الولايات المتحدة، التي تعارض الاعتراف الأحادي الجانب، وعلاقاتها التاريخية مع إسرائيل وهي اعتبارات تُراعيها المملكة المتحدة.[3]

إضافةً إلى ذلك أثّرت البيئة الدولية بشكل كبير على مواقف كلا البلدين. فحتى آذار 2025 اعترفت 147 دولة من أصل 193 دولة عضو في الأمم المتحدة بفلسطين، وانضمت أيرلندا والنرويج وإسبانيا مؤخرًا إلى هذه الدول. ويتماشى قرار فرنسا مع هذا الإجماع العالمي المتنامي، لا سيما بين الدول الأفريقية والآسيوية والعربية. ورحبت المملكة العربية السعودية بالخطوة الفرنسية، واصفةً إياها بالخطوة نحو الحكم الذاتي الفلسطيني. أما بريطانيا ورغم أنها لم تنضم بعد إلى الاتحاد الأوروبي فإنها تتعرض لضغوط للتحالف مع شركائها الأوروبيين [4].

وقد زاد الصراع الدائر في غزة وانهيار محادثات وقف إطلاق النار في قطر من إلحاح الاعتراف الفلسطيني. يرى كلا البلدين أن الاعتراف بفلسطين حافز لاستئناف محادثات السلام، على الرغم من أن الناقدين السياسين يقولون إنه قد لا يكون له تأثير فوري يُذكر، لا سيما في ظل حالة التشظي التي تعيشها الأراضي الفلسطينية وغياب مجتمع سياسي موحد.

في الواقع يُمثل اعتراف فرنسا بفلسطين والتحول المحتمل في السياسة البريطانية نقطة تحول في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. تُرسّخ هذه الخطوة الجريئة لفرنسا مكانتها كقائدة في الدبلوماسية الغربية، لكن فعاليتها ستعتمد على قدرتها على إلهام عمل دولي أوسع. يعكس نهج بريطانيا الحذر تعقيدات التزاماتها المحلية والدولية لكن ضغوط البرلمانيين والرأي العام تُشير إلى أن التغيير قد يكون في الطريق. لكن من غير المرجح أن يُحلّ الاعتراف وحده التحديات المُلحة التي تواجه فلسطين مثل الأزمة الإنسانية في غزة واحتلال الضفة الغربية أو قضايا الحدود والقدس وحقوق اللاجئين العالقة.

إن إيجاد حل جدي وعاجل أمرٌ أساسي لحل القضية الفلسطينية. وبينما قد تُمهّد إجراءات فرنسا وبريطانيا الطريق لإجماع دولي أوسع، يجب أن تُصاحبها خطوات عملية لمعالجة الأسباب الجذرية للصراع. بدون هذه الجهود يُخاطر الاعتراف بالدولة الفلسطينية بأن يصبح مجرد بادرة فارغة تاركًا الفلسطينيين وحيدين في مواجهة مصاعب مستمرة. إن طريق السلام طويل ومحفوف بالصعوبات ولكنه يتطلب تحركًا جريئًا ومنسقًا وعمليًا من المجتمع الدولي.



أمين مهدوي


[1] https://www.aljazeera.com/news/2025/7/24/macron-says-france-will-recognise-palestinian-state-in-september
[2] https://www.theguardian.com/world/2025/jul/25/macron-plan-to-recognise-palestine-puts-pressure-on-starmer-to-pick-a-side
[3] https://www.politico.eu/article/uk-recognize-palestine-state-parliament-jonathan-reynolds-keir-starmer-israel/
[4] https://www.theguardian.com/politics/2025/apr/30/uk-france-talks-palestinian-state-recognition-lammy
لا توجد تعليقات لهذا المنصب.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال