الفرصة الکبرى لتركيا !
540 Views

الفرصة الکبرى لتركيا !

لقد شهدت التغيرات الجيوسياسية العالمية تحولات سريعة و واضحة بعد اندلاع الحرب بين روسيا وأوكرانيا عام ٢٠٢٢. ومن هذه الدول تركيا وهي دولة ربما لم تكن ذات أهمية كبيرة لأوروبا قبل الحرب ولكن مع اندلاعها ودبلوماسيتها الذكية أظهرت للعالم مكانتها المهمة بالنسبة لأوروبا بل وحتى لروسيا.

لطالما كان اعتماد أوروبا على الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي (الناتو) ملاذًا آمنًا لها حتى عام ٢٠١٦. وفي الواقع بدا أنها كانت تحظى بدعم عسكري ولوجستي كامل من الولايات المتحدة ولكن في ذلك العام وخلال ولاية ترامب الأولى في البيت الأبيض تزعزعت هذه العلاقة واستمر هذا التوجه منذ ذلك الحين فكانت حرب روسيا وأوكرانيا عام ٢٠٢٢ بمثابة الفيضان الذي أيقظ أوروبا. منذ بداية الحرب سعت الدول الأوروبية إلى توسيع قوتها العسكرية وبالإضافة إلى الشؤون العسكرية أيضًا أهتمت في القضايا الجيوسياسية. وأدى تغير نهج الدول الأوروبية إلى زيادة وعيها بدور تركيا المهم في التطورات المقبلة في القارة الأوروبية. وكان للموقع الاستراتيجي لتركيا وتفاعلاتها الواسعة مع الأطراف المتورطة في الحرب وسعيها للحياد ولعب دور الوسيط، أهمية كبيرة في نجاح تركيا السياسي في هذا الاتجاه.

بالإضافة إلى ذلك تسعى أوروبا إلى تغيير بنيتها الأمنية والعسكرية، ومن خلال فهم نقاط الضعف في الصناعات والخدمات اللوجستية تسعى إلى تلبية احتياجاتها بشكل مستقل ودون الحاجة إلى الولايات المتحدة، على الرغم من أن حلف الناتو لا يزال العمود الفقري والمحور الرئيسي في جميع البرامج العسكرية والدفاعية الأوروبية. ولا يزال أمام أوروبا طريق طويل لتحقيق الاستقلال التام عن الولايات المتحدة، الأمر الذي يتطلب تخطيطًا ودعمًا من دول مهمة، ومن هذه البرامج التفاعل مع القوى الإقليمية مثل تركيا في البرامج العسكرية.

وبصفتها قوة ناشئة في الصناعات العسكرية تمكنت تركيا من خلق سوق جيدة لنفسها. وقد جلب هذا السوق أكثر من 5 مليارات دولار للبلاد بفضل الأداء الجيد والمثير للإعجاب للمنتجات التركية في مختلف الحروب من ليبيا إلى أوكرانيا. ولذلك فإن أوروبا التي تتطلع الآن إلى تنويع شركائها الدفاعيين يمكنها تعويض بعض نقائصها من خلال التعاون مع تركيا ونقل الخبرة والتكنولوجيا إليها حتى لا تتأخر في التكنولوجيا أو تواجه مشاكل في الخدمات اللوجستية.[1]

تجدر الإشارة إلى أن تركيا استطاعت أن تُبرز نفسها كلاعب مهم بفضل دبلوماسيتها النشطة في الحرب الروسية الأوكرانية. فهي كوسيط نجحت في إبرام اتفاقية الحبوب وإدارة توترات البحر الأسود بأقل التكاليف. وقد جعل هذا النهج من حكومة أردوغان شريكًا موثوقًا به تقريبًا للأطراف المتنازعة حيث يمكنهم من خلاله التفكير في تبادل الرسائل أو إبرام الاتفاقات. وتشير برامج الحوار بين الأطراف المتحاربة وحتى اتفاقيات تبادل الأسرى إلى الدور المهم لتركيا في هذه الحرب.

في الواقع، يبدو أن تركيا تمكنت من استغلال ثقلها الجيوسياسي ببراعة لتحقيق أهدافها طويلة المدى وتعزيز نفوذها السياسي. ومن خلال لعبها دور اللاعب الأساسي في لعبة البندول بين الشرق والغرب، تسعى تركيا إلى تقديم نفسها كعنصر مهم ومؤثر، واستغلال فرص مثل الحرب الأوكرانية هو أحدها الذي أثبت من خلاله هذا البلد مكانته الإقليمية. وقد منح هذا النهج تركيا ثقة عالية بالنفس للترويج لنفسها في مجالات أخرى أيضًا. تعتبر هذه الدولة نفسها الآن لاعباً مهماً في النظام العالمي والدولي، ويمكن أن يكون لهذه القضية آثار طويلة المدى وعميقة على أداء حكومة أردوغان، وخاصةً فيما يتعلق بالأحزاب الأوروبية ودول الاتحاد الأوروبي التي لم تأخذ دور تركيا على محمل الجد حتى الآن. [2]

وأخيرًا، يمكن القول إن تركيا بنهجها العثماني الجديد تحاول إحياء إمبراطوريتها والأوروبيون الذين حطموا هذه الإمبراطورية بوحدتهم مجبرون الآن على المساعدة في إحيائها لحماية أنفسهم من التوترات والتحديات الأمنية والعسكرية والسياسية. في غضون ذلك تسعى تركيا إلى تعزيز قوتها حتى تصبح قادرة على تحقيق طموحاتها التوسعية بالإضافة إلى كونها شريكاً استراتيجياً ومحورياً لأوروبا.


أمين مهدوي

[1] /https://politicstoday.org/turkish-defense-industry-at-the-global-super-league
[2] https://researchcentre.trtworld.com/wp-content/uploads/2024/09/Mediating-Conflicts
لا توجد تعليقات لهذا المنصب.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال