اللعبة المصرية في المنطقة!
533 Views

اللعبة المصرية في المنطقة!

تعتبر مصر من إحدى الدول المهمة في منطقة جنوب غرب آسيا وشمال إفريقيا ولطالما لعبت دورًا محوريًا في التطورات الإقليمية والدولية. تسعى البلاد الآن إلى إعادة تعريف قدراتها في مختلف المجالات ومن بينها تعزيز قوتها العسكرية وخاصة سلاحها الجوي. وقد وقّعت البلاد عقدًا مع فرنسا عام ٢٠٢١ لشراء ٣٠ طائرة مقاتلة من طراز رافائيل واستلمت هذا الشهر الدفعة الأولى من أربع طائرات من هذه المقاتلات. قد يُمهّد هذا الحدث الطريق لمزيد من الأحداث في المنطقة وهي أحداث ربما لم تُعرها مصر اهتمامًا كبيرًا.[1]

إن تسليم هذه الطائرات المقاتلة ليس مجرد صفقة عسكرية بحتة بل هو في الواقع مؤشر على تحول القاهرة التدريجي من الاعتماد على روسيا إلى الاعتماد على الغرب والموردين التابعين لحلف الناتو. كانت مصر تتطلع إلى شراء مقاتلات روسية من طراز سو-٣٥ لسنوات، ولكن ورد أن الصفقة أُلغيت بسبب مخاوف بشأن العقوبات الأمريكية والتقييمات الفنية السلبية لأنظمتها الرادارية والإلكترونية. في المقابل سيسمح التعاون مع فرنسا لمصر بنقل التقنيات الغربية الحديثة والحصول على تمويل من البنوك الأوروبية لتغطية جزء من ميزانية الشراء وإقامة علاقات دبلوماسية أكثر استقرارًا مع الدول الغربية.[2]

من ناحية أخرى من خلال استلام طائرات رافائيل الجديدة لم تقلل مصر من اعتمادها على الأسلحة الروسية فقط بل تمكنت أيضًا من زيادة قوتها التفاوضية في تفاعلاتها مع الغرب وتجنب الاعتماد الاستراتيجي على شريك واحد. يسمح هذا النهج الجديد للقاهرة بالحفاظ على الاستقلال السياسي مع إبعاد نفسها أيضًا عن الضغوط الأحادية الجانب.

تُعد طائرات رافائيل F3R المقاتلة من بين أكثر المقاتلات متعددة الأدوار تقدمًا في العالم، وهي مجهزة بأنظمة رادار AESA ومعدات الحرب الإلكترونية، والقدرة على حمل مجموعة واسعة من الأسلحة الموجهة. يمكن لهذه المقاتلات أن تلعب دورًا في مجموعة متنوعة من المهام بما في ذلك القتال الجوي والهجمات البرية والاستطلاع والعمليات البحرية. مع وصول هذا الجيل من الطائرات ستصبح القوات الجوية المصرية إحدى القوى الجوية الإقليمية القوية. إن القدرة على استخدام الصواريخ الموجهة بالليزر والرادار والمدى التشغيلي المتزايد سوف تمكن مصر من خلق ردع أكثر فعالية ضد التهديدات الإقليمية والمحلية بما في ذلك في شبه جزيرة سيناء وزيادة عامل الردع بشكل كبير.[3]

من وجهة نظر بعض المحللين الإسرائيليين قد تُحدث هذه التطورات تغييرًا تدريجيًا في التوازن الجوي التقليدي بين مصر والنظام الإسرائيلي. فبينما حافظ النظام الإسرائيلي على تفوقه التكنولوجي باستخدام طائرات الجيل الخامس المقاتلة من طراز إف-35، فإن تزويد مصر بطائرات رافائيل حديثة قد يُقلص هذه الفجوة الكبيرة. ورغم أن هذا لا يُمثل تهديدًا مباشرًا إلا أنه قد يُمهد الطريق على الصعيد الاستراتيجي لمنافسة أو زيادة التوترات العسكرية والسياسية بين مصر والكيان، وهو ما قد يُشكل بحد ذاته عاملًا في انعدام الأمن على حدود مصر مستقبلًا.[4]

بالإضافة إلى ذلك تحمل اتفاقية شراء رافائيل رسالة واضحة للدول الكبرى على المستوى السياسي، مفادها أن تقارب مصر مع الكتلة الغربية آخذ في الازدياد، وأن مصر لم تعد تعتمد على شريك واحد. من وجهة نظر باريس تُمثل هذه الاتفاقية رمزًا لتعميق العلاقات الاستراتيجية مع إحدى القوى الرئيسية في منطقة جنوب غرب آسيا وشمال إفريقيا، وبالنسبة لمصر فهي وسيلة لجذب الدعم الاقتصادي والأمني ​​من أوروبا والولايات المتحدة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تواجهها البلاد. من ناحية أخرى تُتيح هذه الاتفاقية للقاهرة دوراً أكثر فاعلية في النظام الدولي الجديد. تسعى مصر إلى ترسيخ دورها كوسيط وقوة إقليمية في النزاعات الأمنية في البحر الأحمر وشرق البحر الأبيض المتوسط ​​وشمال إفريقيا. في هذا السياق يُعدّ التعاون مع فرنسا بصفتها عضواً في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، أداةً لتخفيف الضغوط السياسية والمالية، ولضمان مكانتها في معادلات الأمن الإقليمي وتسعى مصر إلى اغتنام هذه الفرصة لتعزيز مكانتها الدولية.[5]

لكن ثمة نقطة مهمة أخرى، وهي أن تحرك مصر قد يُمهّد الطريق لنشوء سباق تسلح في المنطقة وقد يكون التنافس على التفوق العسكري في مختلف المجالات عاملاً في عدم الاستقرار في المنطقة. من منظور اقتصادي وسياسي ينطوي تحرك مصر على عواقب متعددة الجوانب. فمن ناحية ستستفيد دول غربية مثل فرنسا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة من زيادة الطلب على الأسلحة المتطورة. ويمكن أن تُشكّل صادرات الأسلحة حافزاً اقتصادياً جديداً في ظلّ الوضع الراهن الذي يُعاني فيه الاقتصاد الأوروبي من ضغوط الحرب في أوكرانيا. ومن ناحية أخرى، فإن زيادة الإنفاق العسكري في دول الشرق الأوسط قد تحد من الموارد المالية اللازمة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتؤدي إلى إمكانية زيادة التوترات الإقليمية.

ومع ذلك، في حين تُعدّ الصفقة الفرنسية ركيزةً أساسيةً لتحديث سلاح الجو المصري تُحاول القاهرة تنويع مصادر أسلحتها. وقد وردت تقارير عن اهتمام مصر بشراء طائرات مقاتلة صينية من طراز J-10C. ورغم نفت بكين تسليم أيٍّ من هذه الطائرات إلى مصر في عام 2025، إلا أن هذه التقارير عن المفاوضات تُشير إلى سعي مصر إلى تجنّب الاعتماد الكامل على الغرب.

في الواقع يُحقق تنويع الموردين فائدتين لمصر، أولًا يُقلّل من الاعتماد السياسي والتقني على كتلة مُعينة وثانيًا، يُعزز من قدرتها التفاوضية في المفاوضات العسكرية والمالية مع مختلف الأطراف الغربية والشرقية. في الواقع يُصاحب استخدام أسطول متعدد الأدوار أيضًا مشاكل مثل الاختلافات في قطع الغيار وتدريب الطيارين والصيانة الفنية. ونتيجةً لذلك يجب على مصر الموازنة بين ميزة الاستقلال الاستراتيجي والتكاليف التشغيلية المرتفعة للحفاظ على مكانتها كقوة عسكرية.

وأخيرًا، من خلال إبرام هذا العقد بدأت مصر وفرنسا شراكةً استراتيجيةً يُمكن أن تُساعد البلدين بشكل كبير على تحقيق أهدافهما. بالنسبة لمصر من حيث تعزيز الردع وتنويع الشركاء الاستراتيجيين في المجال الدفاعي، وبالنسبة لفرنسا من حيث الجوانب الاقتصادية والعسكرية والتكنولوجية، التي لا تزال تُثبت جدارتها كدولة قادرة على توفير منتجات عالية الجودة ومتطورة تكنولوجيًا. لذلك يُمكن اعتبار عقد رافائيل بين القاهرة وباريس مثالًا على تلاقي المصالح العسكرية والاقتصادية، الذي لم يُغيّر القوة الجوية المصرية فحسب بل وضع أيضًا المعادلات السياسية والأمنية الإقليمية على مسار جديد.


أمين مهدوي


[1] https://www.egypttoday.com/Article/1/102571/Egypt-signs-contract-with-France-to-buy-30-Rafale-fighter
[2] https://bulgarianmilitary.com/2025/04/14/russia-sends-su-35-fighters-to-algeria-in-secret-arms-shift/
[3] https://militarywatchmagazine.com/article/france-resumes-rafale-deliveries-egypt
[4] https://www.washingtoninstitute.org/policy-analysis/understanding-egyptian-militarys-perspective-su-35-deal
[5] https://carnegieendowment.org/sada/2022/01/the-cairo-paris-axis?lang=en
لا توجد تعليقات لهذا المنصب.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال