يُشكّل موقف الحكومة المجرية بقيادة رئيس الوزراء فيكتور أوربان، تجاه عضوية أوكرانيا في الاتحاد الأوروبي مزيجًا معقدًا من المخاوف المعلنة والأهداف الاستراتيجية الخفية. ورغم أن بودابست تُبرّر هذا الموقف بالدفاع عن حقوق الأقليات المجرية في أوكرانيا، إلا أن هذه السياسة في الواقع تُمثّل أداةً متعددة الأغراض لتعزيز مكانة المجر محليًا ودوليًا. كما يُشكّل هذا النهج رافعةً تفاوضيةً ضد بروكسل ومبررًا للحفاظ على علاقات وثيقة مع روسيا وحاجزًا أمام توسّع النفوذ الغربي في أوروبا الشرقية. ويُظهر تحليل هذا الموقف أن المجر تُمارس لعبةً محفوفة بالمخاطر ستُكلّفها غاليًا في حال فشلها.
يُعدّ الدفاع عن حقوق الأقليات المجرية في أوكرانيا أحد الركائز الأساسية لمعارضة المجر. يعيش حوالي 150 ألف مجري في منطقة ترانسكارباتيا الأوكرانية، وتتهم بودابست كييف بانتهاك حقوقهم اللغوية والتعليمية والثقافية بشكل ممنهج. منذ عام ٢٠١٧ فرضت قوانين اللغة الأوكرانية أن تكون اللغة الأوكرانية لغة التدريس الرئيسية في المدارس، وهو ما تعتبره المجر إجراءً تمييزيًا ضد الأقليات. بالنسبة للمجر لا يُعد هذا الأمر مجرد مسألة رمزية بل مسؤولية قانونية وسياسية تجاه مواطنيها في الخارج. لهذا السبب تسعى بودابست مستخدمةً حق النقض (الفيتو) في الاتحاد الأوروبي، إلى ممارسة الضغط اللازم لتعديل أو إلغاء هذه القوانين لضمان الحماية العملية للهوية الثقافية واللغوية للمجريين. وقد أصبحت معارضة عضوية أوكرانيا وسيلةً للحصول على تنازلات محددة في مجال حقوق الأقليات.[1]
كما تُجادل حكومة أوربان بأن عضوية أوكرانيا في الاتحاد الأوروبي ستُثقل كاهل المجر بأعباء مالية باهظة. ووفقًا لتقديرات مؤسسات الدولة المجرية قد تصل حصة البلاد من تكاليف إعادة إعمار أوكرانيا على مدى السنوات الخمس المقبلة إلى ٤٨ مليار يورو، أي ما يعادل ٦٨٪ من الميزانية السنوية للمجر في عام ٢٠٢٣. كما تُثير المخاوف بشأن المنافسة غير العادلة بين القمح الأوكراني والمنتجات الزراعية المحلية، وارتفاع التكاليف الاجتماعية للهجرة المحتملة.[2]
هذه الأرقام وإن كانت مُخيفة إلا أنها غالبًا ما تكون مُبالغًا فيها ولم يتم التحقق منها بشكل مستقل. علاوة على ذلك تتجاهل هذه الحجج الفوائد طويلة الأجل لعضوية أوكرانيا مثل الاستقرار الإقليمي وفتح أسواق جديدة والحد من التهديدات الأمنية. في الواقع يُقصد بهذا السرد الاقتصادي إثارة المشاعر المناهضة للهجرة والاتحاد الأوروبي لدى الجمهور المجري أكثر من كونه تحليلًا واقعيًا.
بالإضافة إلى ذلك يلعب التوجه الجيوسياسي للمجر دورًا رئيسيًا في معارضة عضوية أوكرانيا في الاتحاد الأوروبي. فعلى عكس العديد من الدول الأعضاء الأخرى في الاتحاد الأوروبي حافظت بودابست على علاقات أوثق مع موسكو، لا سيما في قطاع الطاقة. يعتمد اقتصاد المجر اعتمادًا كبيرًا على الغاز والنفط الروسيين، وقد سعت حكومة أوربان دائمًا إلى الحد من تأثير عقوبات الاتحاد الأوروبي على روسيا. من وجهة نظر بودابست سيزيد انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي من حدة التوتر بين بروكسل وموسكو ويدفع الاتحاد الأوروبي نحو مواجهة مباشرة مع روسيا. وقد يؤدي هذا الوضع إلى تفاقم أزمة الطاقة وزيادة التهديدات الاقتصادية وتقويض الاستقرار الإقليمي بشكل أكبر. لذلك تُعتبر معارضة عضوية أوكرانيا في الواقع محاولة لحماية أمن الطاقة وتجنب صراعات أوسع نطاقًا بالنسبة للمجر. [3]
وتزعم الحكومة المجرية أن عضوية أوكرانيا على الرغم من الفساد المستشري وضعف المؤسسات والحرب الدائرة، ستؤدي إلى إضعاف التماسك الداخلي للاتحاد الأوروبي. لكن هذه الحجة متناقضة بوضوح؛ فبينما خضعت المجر نفسها لعقوبات مالية من الاتحاد الأوروبي لانتهاكها مبادئ الديمقراطية وسيادة القانون، فإنها تستخدم الآن تضامن الاتحاد كذريعة لمعارضة توسعها. [4]
في الواقع تحاول المجر من خلال استخدام حق النقض (الفيتو) في المجلس الأوروبي، تغيير نظام صنع القرار في الاتحاد لصالحها. ومن خلال عرقلة مسار أوكرانيا، تسعى بودابست إلى الحصول على مطالب محددة من بروكسل مثل تسريع عملية انضمام غرب البلقان أو توفير المزيد من التمويل للمشاريع المحلية. هذا النهج يقوض مبادئ الاتحاد الأوروبي ويُظهر أن المجر بدلاً من الحفاظ على التضامن تسعى إلى الاستثنائية والنفوذ الأحادي. مع أنها تؤكد ظاهريًا أن هذا يهدف إلى الحفاظ على مبادئ الاتحاد ومنع شلله المؤسسي وتسمي نفسها حامية الاتحاد الأوروبي.[5]
أخيرًا، تُعدّ معارضة عضوية أوكرانيا ورقة ضغط للمجر داخل الاتحاد الأوروبي. فمن خلال عرقلة مسار القضية الأوكرانية، تعزز بودابست قوتها التفاوضية في المفاوضات مع بروكسل. تتيح هذه الاستراتيجية لحكومة أوربان المطالبة بمزيد من المساعدات المالية، أو إعفاءات من بعض سياسات الاتحاد الأوروبي، أو التساهل في النزاعات المتعلقة بشروط سيادة القانون. بعبارة أخرى أصبحت معارضة عضوية أوكرانيا ورقة رابحة لتعزيز نفوذ المجر في عمليات صنع القرار في الاتحاد الأوروبي. وقد تكرر استخدام حق النقض (الفيتو) للحصول على تنازلات من قبل بودابست مرات عديدة في السنوات الأخيرة، وقضية أوكرانيا ليست استثناءً. تتجذر معارضة المجر لعضوية أوكرانيا في الاتحاد الأوروبي في مزيج معقد من المخاوف الداخلية، والحسابات الاقتصادية، والاعتبارات الجيوسياسية، واستراتيجيات التفاوض. ويُعد الدفاع عن حقوق الأقليات المجرية في أوكرانيا جزءًا من بناء الهوية السياسية لأوربان في الداخل. كما أن معارضة تحويل أموال الاتحاد الأوروبي إلى كييف تحمي المصالح الاقتصادية الوطنية. ويُعد تجنب التصعيد مع روسيا مسألة تتعلق بأمن الطاقة والاستقرار الإقليمي. إن التحذير من تهديد تماسك الاتحاد يُظهر المجر كدولة داعمة له.
وأخيرًا فإن استخدام هذه المعارضة كأداة ضغط يُعزز موقف المجر في المفاوضات الأوروبية.ومع ذلك، فإن هذه الاستراتيجية تهدف إلى تحقيق أقصى استفادة من الأطراف المتورطة في الحرب وعواقبها أكثر من كونها تهدف إلى منع أوكرانيا نهائيًا من الانضمام. لكن هذه ليست لعبة خالية من المخاطر. فإذا أخطأت المجر في حساباتها أو أصرت على المعارضة أكثر من اللازم، فإنها تُخاطر بالعزلة داخل الاتحاد وفقدان الدعم المالي والسياسي. وهكذا، فرغم أن موقف بودابست يُمثل انعكاسًا منطقيًا لمصالحها الوطنية والاستراتيجية، فإن نجاحه يعتمد على دقة تنفيذه. وإلا ستصبح هذه الاستراتيجية عبئًا على المجر بدلًا من أن تكون ورقة رابحة.
أمين مهدوي
[1] EU on charm offensive in Ukraine as Hungary blocks Kyiv's accession | Reuters
[2] EU mulls tweaking rules to bypass Hungarian veto on Ukraine's accession | Euronews
[3] Hungary warns against Ukraine's EU membership | Daily Sabah
[4] Hungary monthly briefing: The question of Ukraine’s EU membership in European.. – China-CEE Institute
[5] Hungarian PM suggests EU build strategic partnership with Ukraine, not admit it to bloc -Xinhua
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال