المرجعية الدينية وحرب الاثني عشر يومًا، إضفاء الشرعية على الجهاد الدفاعي و توجيه الرأي العام الإقليمي
34 Views

المرجعية الدينية وحرب الاثني عشر يومًا، إضفاء الشرعية على الجهاد الدفاعي و توجيه الرأي العام الإقليمي

كانت حرب الاثني عشر يومًا الأخيرة بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والكيان الصهيوني من أهم المواجهات العسكرية والسياسية في الشرق الأوسط، مما أبرز مجددًا الدور المحوري للمرجعية الدينية في إضفاء الشرعية على المقاومة، وتعبئة الرأي العام وتوجيه الخطاب الإعلامي المطلوب. خلال هذه الحرب أصدرت المرجعيات الدينية الشيعية في النجف وقم بيانات صريحة، مؤكدةً شرعية الجهاد الدفاعي الإيراني وذلك بتفسيرٍ ديني لهذه المواجهة وتصوّروها على أنها معركة بين "الحق والباطل".

الشرعية الدينية للمقاومة الإيرانية
كان من أبرز جوانب دور المرجعيات الدينية في هذا الصراع إضفاء الشرعية على الجهاد الدفاعي. مع بدء هجمات النظام الصهيوني على الأراضي الإيرانية وتصاعد التوترات، أثارت التصريحات الواضحة والحاسمة الصادرة عن المراجع الدينية الكبرى، لا سيما في حوزتي قم والنجف، موجةً من الدعم والتضامن. وفسّرت هذه التصريحات الإجراءات الدفاعية الإيرانية بأنها "جهاد مشروع".

واعتبرت المراجع الدينية مستندةً إلى المبادئ والأصول الفقهية الإسلامية، أن الدفاع عن أرواح المسلمين وأموالهم وأعراضهم وأراضيهم واجبٌ ديني. ولم تقتصر هذه الفتاوى والتصريحات على منح المقاومة الإيرانية مصداقية دينية فحسب، بل مهدت الطريق أيضًا لتضامن إسلامي وشعبي واسع وشامل. وقد أضفى تفسير هذه الحرب على أنها دفاع عن "الحق" في وجه "الباطل" عمقًا عقائديًا وأيديولوجيًا على الصراع متجاوزًا بذلك كونه صراعًا سياسيًا-عسكريًا بحتًا.

وغرس هذا النهج في القوات العسكرية والشعب الاعتقاد بأنهم يؤدون واجبًا مقدساً، وهو ما كان عاملًا مهمًا في رفع المعنويات والاستقرار. أدت هذه المواقف إلى تنامي دعم محور المقاومة، ليس فقط في إيران، بل بين الشيعة وحتى السنة في المنطقة. وانتشرت فتاوى المرجعيات الدينية لا سيما في الفضاء الإلكتروني بسرعة وأصبحت عاملا للتضامن الإسلامي.

التعبئة النفسية والدينية على جبهة المقاومة
كان للمرجعية الدينية تأثيرٌ بالغٌ ليس فقط داخل إيران، بل على المستوى الإقليمي أيضاً. فقد أدت المواقف الحازمة والدعم الضمني أو المباشر لفصائل المقاومة في لبنان (حزب الله)، واليمن (أنصار الله)، والعراق (الحشد الشعبي) إلى تعبئة دينية وتشجيع وحشد القوى الحليفة لإيران في محور المقاومة.

ووفّر هذا الدعم دعماً روحياً وشرعيةً لهذه الجماعات للوقوف إلى جانب إيران ضد النظام الصهيوني. وشجعت رسائل المرجعية قوى المقاومة على مواصلة الصمود ومواجهة العدوان، وأكدت لهم أن جهادهم جهادٌ مشروعٌ يُقرّه الدين. وعكس هذا الدور للمرجعية عمق نفوذها العابر للحدود والأيديولوجي في حشد القوى والأنصار في جميع أنحاء منطقة غرب آسيا. ولم تكن هذه التعبئة عسكرية بطبعها فقط، بل ساهمت نفسياً وفكرياً في تعزيز تماسك المقاومة وإرادتها.

زيادة الضغط المعنوي والشعبي على إسرائيل
كان من المهام الحيوية الأخرى للمرجعية زيادة الضغط المعنوي والجماهيري على النظام الصهيوني. وقد ضيّقت تحذيرات المرجعية من العواقب الإنسانية للهجمات الصهيونية الوحشية، وخاصة استهداف المدنيين، المجال الإعلامي والسياسي أمام الكيان المحتل. وقد سلّطت هذه التحذيرات من منظور أخلاقي وإنساني الضوء على جرائم إسرائيل وكشفت عن طبيعتها العدوانية للعالم أكثر من أي وقت مضى.

وقد أبطلت تصريحات المرجعية، لا سيما من خلال استنادها إلى القانون الدولي والمبادئ الإنسانية، جهود النظام الصهيوني لتبرير هجماته، وعرضته لإدانة دولية ووعي إنساني. وقد أثار هذا ردود فعل سلبية ضد أفعال إسرائيل، وخاصة بين المجتمعات الإسلامية وحتى منظمات حقوق الإنسان في الغرب، وساهم في زيادة عزلتها السياسية.

العمل الميداني في الإعلام وصناعة الخطاب
في خضم "حرب الاثني عشر يومًا" حوّلت المرجعية باستخدام اللغة والأدب الديني والأخلاقي، الحرب من مجرد صراع عسكري إلى مواجهة بين الحق والباطل. وقد أعطى هذا النهج في صناعة الخطاب أبعادًا جديدة للحرب الإعلامية. واستنادًا إلى مفاهيم إسلامية كالظلم والجهاد والاستشهاد والمقاومة، وجّهت المرجعية الرأي العام في المنطقة والعالم الإسلامي نحو قضية إيران ومواجهتها العدوان الإسرائيلي السافر.

وتمكّن هذا الخطاب، لا سيما في مواجهة الدعاية الصهيونية والغربية المنتشرة، من تقديم رواية بديلة للأحداث قائمة على المبادئ الأخلاقية والدينية. وكان لهذا العمل الميداني في صناعة الخطاب تأثيرٌ ليس فقط على عامة الناس، بل أيضًا على النخب الفكرية والدينية، وساهم في تسليط الضوء على الأبعاد الخفية للصراع. وكانت نتيجة هذا النهج تعزيز الرواية المتمحورة حول المقاومة وإضعاف رواية النظام الصهيوني في نظر الرأي العام العالمي.

الوساطة لتعزيز انتصار إيران
في الأيام الأخيرة من "حرب الاثني عشر يومًا"، عندما بدأت ترتسم ملامح وقف إطلاق النار، استطاعت المرجعية الدينية لعب دورٍ مُوازنٍ في إنهاء الصراع مع الحفاظ على شرف إيران وإنجازاتها. وكان نفوذها ومكانتها الروحية فعّالين في تهيئة الظروف لوقف إطلاق النار لصالح جبهة المقاومة. وقد استطاعت مواقف المرجعية في تلك المرحلة، كأداة ضغط غير مباشرة دفع الأطراف نحو قبول وقف إطلاق نار يُحترم فيه الخطوط الحمراء لإيران ويُعترف بالإنجازات العسكرية والسياسية لهذه الجبهة.

منح هذا الدور المرجعية الدينية ليس فقط موقع القائد وأهميته في ساحة المعركة، بل أيضًا كانت وسيطًا روحيًا للحفاظ على شرف الأمة الإيرانية وكرامتها.

الخلاصة
أثبتت "حرب الاثني عشر يومًا" الأخيرة بين إيران والكيان الصهيوني مرة أخرى أهمية المرجعية الدينية ومكانتها المحورية في التطورات الإقليمية والدولية. كان لدور المرجعية أبعادٌ متعددة وفعّالة، بدءًا من إضفاء الشرعية على الجهاد الدفاعي والتعبئة الدينية، وصولًا إلى المشاركة الميدانية في الحرب الإعلامية وزيادة الضغط على الرأي العام. وقد وفّر النفوذ الروحي للمرجعية دعمًا فكريًا ونفسيًا قويًا لمحور المقاومة، وجعله أكثر قدرة على مقاومة اعتداءات الكيان الصهيوني. وكان هذا الدور حاسمًا، ليس فقط في المجال العسكري، بل أيضًا في مجال بناء الخطاب وتشكيل الرأي العام وأظهر أن المرجعية الدينية، تجاوزت كونها مؤسسةً تقليدية وأصبحت طرفًا فاعلًا وحاسمًا في المعادلات الإقليمية.


محمد صالح قرباني
لا توجد تعليقات لهذا المنصب.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال