المساعي و التحديات في سورية بقيادة أحمد الشرع لإعادة الإعمار
486 Views

المساعي و التحديات في سورية بقيادة أحمد الشرع لإعادة الإعمار

تشهد سورية في الآونة الأخيرة تحولات جذرية على مستوى السياسة الداخلية والخارجية، بقيادة الرئيس المؤقت أحمد الشرع الذي تولى زمام الأمور في وقت يتطلب جهوداً ضخمة في سبيل استقرار البلاد و تتصاعد فيه التحديات وتبرز معها عوامل جديدة تؤثر على مستقبل سورية والمنطقة ككل. وفيما يلي نستعرض أبرز المساعي الرامية لتطوير البلاد والتحديات التي تواجه إعادة الإعمار.

الموقع الجيوسياسي لسورية في النظام الإقليمي الجديد
لطالما كانت النظرة التاريخية اتجاه سورية أنها تحتل مكانة جيوسياسية فريدة في قلب الشرق الأوسط، إذ تُعد جسرًا حيويًا بين دول المنطقة مثل إيران وتركيا والعراق والبحر الأبيض المتوسط. وهذا الموقع جعل سورية على مر العقود مركزًا للتفاعلات الإقليمية والدولية، حيث بنت سياستها خلال الفترة الماضية من حكم الأسد على تحالفات إقليمية خاصة بها أدت إلى مواجهات مع المحور الغربي والعربي أيضاً. ومع استلام أحمد الشرع السلطة المؤقتة حالياً بدأت تتغير السياسة الخارجية للبلاد بشكل واضح، حيث اتجهت الحكومة السورية نحو تقارب أكبر مع الغرب والدول العربية وهو تحول استراتيجى كبير يعكس رغبة النظام الجديد في إعادة تأهيل نفسه دوليًا(1)، خاصة في ظل التوترات المعقدة في المنطقة والعزلة التي فرضت على سورية خلال العقد الماضي.

من أبرز الأدلة على هذا التحول، اللقاءات التي أجراها الشرع مع قادة غربيين و أبرزهم لقاؤه الأخير مع دونالد ترامب، والذي كان إشارة واضحة إلى سعي سورية لتطبيع علاقاتها مع إسرائيل، (2) وذلك في إطار مساعيها لضبط علاقاتها الخارجية وتحقيق نوع من الاستقرار الداخلي. وهذا التقارب يفتح آفاقًا جديدة ولكنه يثير أيضًا تساؤلات عن طبيعة التحالفات الجديدة وأثرها على توازنات المنطقة. وقد لاحظنا من خلال تلك الزيارات واللقاءات في الخارج والداخل رغبة تلك الدول في إعادة تطبيع علاقاتها وجعل لها موضع قدم للمستقبل القادم في هذه المنطقة.

أن الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية السعودي لدمشق البارحة قد تكون بداية لمسار أكبر من المبادرات الاقتصادية والتنموية في سورية، وقد تتطور لاحقا إلى مشاركة فعلية في مؤتمرات دولية لإعادة إعمار سورية، حيث أن إعادة الإعمار ملف لا يزال في بداياته ويحتاج إلى بيئة مناسبة وضغط من الدول الفاعلة للحصول على التمويل من الجهات المانحة. كما أن السعودية بما تملكه من ثقل اقتصادي تمثل بوابة لدخول الاستثمارات الخليجية إلى سورية، مع ربط الدعم المقدم بإصلاحات هيكلية في الاقتصاد السوري و ذلك سيتم عبر استثمارات مباشرة في مجالات حيوية مثل البنية التحتية والطرق والمطارات والكهرباء والصناعات الدوائية والغذائية.(3)

أن تصريحات الوزيرين السوري والسعودي اليوم قد ركزت بشكل لافت على مفهوم "الشراكة والتكامل الاقتصادي، وأضاف الوزير السعودي أن قطاع الاتصالات يشكل إحدى أهم فرص الاستثمار في سورية، خاصة أن الشركات السعودية تمتلك خبرات متقدمة في هذا المجال وفي مجال إعادة الإعمار والإنشاءات كذلك.(4)

التبعات الخطيرة للتحريض على الطائفية و العرقية
عملية إعادة الإعمار دخلت مساراً جديداً في سورية بعد رفع العقوبات الغربية عنها، وهذا الباب الواسع الذي فتح مصراعيه أمام المستثمرين ورجال الأعمال سيوصد بسهولة وبسرعة في حال لم تواجه التحديات الأمنية والاجتماعية والتي تعتبر بالغة الخطورة و تتمثل في التوترات العرقية والدينية. إذ إن تجاهل التنوع العرقي والديني في سورية قد يؤدي إلى توترات داخلية عميقة، خصوصًا مع استمرار التحريض الطائفي ضد مكونات مختلفة في سورية، والانتهاكات التي تحصل بحق الأقليات كالدروز والشيعة والعلويون وحتى مشكلة الأكراد التي لم تنتهي بعد. لذا فإن نجاح جهود إعادة الإعمار يتطلب تبني سياسات تضمن العدالة والمساواة لجميع المكونات، وتفادي أي سياسات تكرس التفرقة والإقصاء واستبعاد الآخر بالإضافة إلى تبني سياسة تطبيق القانون على الجميع و دون استثناء وسحب السلاح غير الشرعي من باقي المجموعات التي لم تنطوي تحت راية وزارة الدفاع السورية.

السياسة المزدوجة للغرب تجاه سورية
على الرغم من الدعم المعلن من قبل بعض الدول الغربية حول جهود إعادة الإعمار فإن مواقف الغرب لا تزال تتسم بالتردد والحذر، خاصة في ظل السجل الدامي لبعض أفراد الحكومة السورية بقيادة أحمد الشرع حول انتهاكات حقوق الإنسان وغيرها من الملفات الحساسة. فقد رُفعت بعض العقوبات الاقتصادية إلا أن المراقبين يلاحظون أن الغرب لا يزال يحتفظ بموقف انتقادي، ويشعر بعدم الثقة حيال التعامل مع أعضاء هذه الحكومة في المستقبل القادم.(5) وفي ذات الوقت تلعب بعض الدول الغربية دوراً مغايراً من حيث تعزيز العلاقات حتى تفتح الباب أمام باقي الدول مع بداية التعافي والتحسن المرتقبة، كدولة برطانيا والتي بادرت في رفع العقوبات وفتح المجال أمام العلاقات السورية البرطانية بالمضي قدماً نحو العودة القريبة.

احتمالية تجدد المواجهة بين الخصوم وأتباعهم
مع تشكيل نظام جديد في المنطقة نتيجة لتقارب سورية مع الدول العربية والغربية، والذي يعكس تنامي النفوذ التركي والقطري وإعادة صياغة التحالفات وإشعال مواجهات جديدة بين الكتل الإقليمية ولو أنها قريبة من بعضها، خاصة في ظل الصراع على النفوذ والمصالح الإستراتيجية، وهنا كما ذكرنا المقصود الجار التركي الذي لايمضي يوم إلا وتصدر منه تصريحات وتلميحات حول الوضع في سورية، الرئيس أردوغان كان يحلم بالولاية السورية كأحدى ولاياته التركية وأن تكون سورية أرض للنفوذ التركي وللقواعد العسكرية التركية، لكن اعتراض إسرائيل على هذا المشروع وتفعيل السعودية والإمارات خطوات أعادت سورية للحضن العربي أفشل مشروع أردوغان وحلمه بعودة الدولة العثمانية.

ختاماً
من المتوقع أن تشرع القيادة الجديدة في مفاوضات وتحالفات جديدة مع الدول الداعمة، ومنها تركيا والغرب، خاصة بعد رفع العقوبات وانفتاح دول الاتحاد الأوروبي على سورية. بالتوازي بدأت عملية إعادة تفعيل العلاقات الأمريكية السورية بشكل تدريجي مع بروز مؤشرات على عودة سورية إلى الحضن العربي. هذا الانفتاح يعزز من قدرات الاقتصاد السوري، ويشجع على زيادة الاستثمارات خاصة من قبل المغتربين السوريين الذين بدأوا في المبادرة ومشاركة شركاتهم الأجنبية في مشاريع إعادة الإعمار. ويُعد رجل الأعمال أيمن الأصفري من الشخصيات البارزة في هذا السياق، حيث ساهم مؤخرًا في بلورة رؤية تحفيزية لبقية المستثمرين في الخارج، بهدف إعادة تنشيط الأنشطة الاقتصادية والاستثمارية في سورية وتوجيه رسائل واضحة تشجع على العودة إلى البلد وشراكة المستثمرين لإعادة بناء البنية التحتية والقطاعات الحيوية.

تتمحور جهود سورية بقيادة أحمد الشرع حول إعادة الإعمار وترتيب أوراق السياسة الخارجية، مع محاولة لموازنة العلاقات الدولية والإقليمية، لكن التحديات الأمنية وتضارب المصالح الدولية تظل عقبات كبيرة أمام تحقيق السلام والاستقرار الشامل. فنجاح هذه المساعي يتطلب تضافر الجهود الوطنية والإقليمية والدولية، مع أخذ التحذيرات المتمثلة في تصاعد التوترات بين الأطراف المعنية بعين الاعتبار، لضمان مستقبل أكثر استقرارًا وسلامًا للبلاد والمنطقة.


محمد يزن الحمادي

1- https://www.csis.org
2- https://2h.ae/qBtL
3- https://www.aljazeera.net
4- https://www.aljazeera.net/encyclopedia/2023/11/19
5- https://arabic.cnn.com/middle-east/article/2025/05/08/syria-ahmad-alsharaa-viral-answer-video-trust
لا توجد تعليقات لهذا المنصب.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال