المقاتلين الأجانب وتبعات انضمامهم لصفوف الجيش السوري
45 Views

المقاتلين الأجانب وتبعات انضمامهم لصفوف الجيش السوري

لطاما كان موضوع المقاتلين الأجانب المنتمين لهيئة تحرير الشام (تنظيم جبهة النصرة في سورية) وتنظيمات أخرى بعد سقوط نظام بشار الأسد واستيلاء أبو محمد الجولاني على السلطة محط نقاش وخلاف مع مختلف الأطراف الدولية وخاصة الولايات المتحدة الأمركية ودول الغرب وإسرائيل. ويعود ذلك للخلفية الجهادية التي تسيطر على هؤلاء المقاتلين والذين يكفرون كل من يخالفهم العقيدة والمذهب ويشكلون خطراً كبيراً على باقي المكونات السورية، وأيضاُ ومن ناحية أمنية فهم أداة بالغة الخطورة بيد مشغليهم في سورية وقد يهددون السلم الإقليمي للدول المجاورة.

مع صدور قرار الحكومة السورية المؤقتة بدمج حوالي 3500 مقاتل من الأويغور والتركستان في الجيش السوري، أثار العديد من النقاط المهمة والتحديات الجيوسياسية والأمنية، وخاصة مع خلفية هؤلاء المقاتلين الأيديولوجية والجهادية وأثار ردود الفعل الدولية والإقليمية. سنناقش هذه النقاط بشكل مفصل وكيف أخذت الحكومة الضوء الأخضر من الولايات المتحدة لضم هؤلاء الأجانب لصفوف الجيش.

نبدأُ من تقرير لوكالة رويترز الأمريكية عن موافقة الولايات المتحدة لانضمام آلاف المقاتلين الأجانب للجيش السوري، وفي الواقع أثار هذا جدلاً واسعاً بين السوريين. وتقوم الخطة بحسب مسؤولين من وزارة الدفاع السورية على انضمام نحو 3500 مقاتل أجنبي معظمهم من الإيغور القادمين من الصين والدول المجاورة إلى الفرقة 84 المشكلة حديثاً في الجيش السوري والتي ستضم سوريين أيضاً. وبحسب مصدرين من وزارة الدفاع تكلما لرويترز، فإن الشرع والمقربين منه حاولوا إقناع الغربيين بأن ضم مقاتلين أجانب إلى الجيش سيمنعهم من الانضمام إلى تنظيم القاعدة أو تنظيم ما يسمى بالدولة الإسلامية. ويُقدر عدد المقاتلين الأجانب الذين كانوا يقاتلون مع هيئة تحرير الشام بالآلاف. إلى جانب الحزب الإسلامي التركستاني، هناك كتائب أخرى من الشيشان والقوقازيين والأوزبك والطاجيك والتركمان بالإضافة إلى العرب وغيرهم.(1)

الجذور الأيديولوجية والخلفية الجهادية
ينتمي هؤلاء المقاتلون بشكل رئيسي إلى "الحزب الإسلامي التركستاني"، وهو تنظيم جهادي نشط في شمال غرب سورية خلال الحرب بين محافظتي إدلب وريف اللاذقية الشمالي على الحدود السورية التركية. وهذا الحزب يعتنق أيديولوجية جهادية معقدة ومتطرفة، تستند إلى فكر متطرف يسعى إلى إقامة دولة إسلامية تعتمد على مبادئ الشريعة الإسلامية، مع التركيز على مقاومة الوجود الصيني خاصة في إقليم تركستان الشرقية (شينجيانغ). هذه الخلفية الأيديولوجية والجهادية تجعل منهم عناصر ذات خطورة عالية حيث أن دمجهم في جيش رسمي قد يعزز من قدراتهم ويؤسس لجيوب شبه مستقلة داخل الهيكل العسكري الرسمي.

ربما لايرى بعض القادة في الحكومة المؤقتة تلك الخطورة التي نتحدث عنها بالشكل المطلوب، لإنهم عاشوا معهم وخاضوا المعارك وكان لهم نفس الفكر الراديكالي المتطرف اتجاه قضية القتال والجهاد من أجل بناء مشروع إسلامي عابر للحدود، ولكن حينما يتم الحديث عن دمج لهؤلاء المقاتلين داخل المؤسسة العسكرية فلابد أن يكون بشروط محددة وصارمة وألا يقوموا بأي نشاط أو تحرك إلا بأوامر عسكرية مباشرة من قادتهم العسكريين ضمن نطاق عمل وزارة الدفاع السورية حصراً، رغم كل التحفظات التي أبداها معظم السوريون ضد هذه القضية .

الدمج في الجيش السوري وتبعاته
اتُخذ قرار الدمج بدعم حذر من الولايات المتحدة، التي ترى أن مثل هذا التحرك قد يساعد على استقرار المناطق الشمالية وتقليل من نفوذ الجماعات المتطرفة في ظل وجود تحذيرات من مخاطر إعادة استخدام هؤلاء المقاتلين بشكل جهادي وربما يشجيع ظهور التطرف في مناطق أخرى. البعض يعتقد أن تجربة وجود هؤلاء الأجانب إلى جانب المقاتلين السوريين هي تجربة ليست جديدة وقد بدأت منذ اندلاع الحرب وقدوم الجهاديين إلى سورية وانضمامهم للقتال مع الأفراد السوريين تحت مسميات مختلفة وضمن ألوية تابعة للمعارضة المسلحة، ولكن الآن أصبح الأمر له طابع رسمي داخل وزارة الدفاع. ويأتي الرد على هذا الحديث بأن هكذا قرار سيغيير في ديمغرافية الجيش، الذي من المفترض أن يكون جيش وطني يمثل جميع السوريين ويشبههم من حيث الإنتماء والعقيدة والفكر الوطني والثقافة المشتركة التي تجمع كل السوريين .

مخاوف الصين
في ذات السياق يشكل المقاتلون الإيغور النسبة الكبيرة منهم وقد حذرت الصين نفسها من تنامي انتشار هؤلاء الجهاديين في دول مجاورة لما له من تبعات خطرة على الأمن الإقليمي وأمنها الإستراتيجي، وهي بالتأكيد تخشى من عودتهم لبلادهم بعد امتلاكهم خبرات قتالية عالية وفكر متطرف محظور في الصين. وفي الحقيقة توجد مخاوف جدية من قبل الصين التي تعتبر الإيغور جزءًا من شعبها وتقف في تحدٍ كبير إزاء إمكانيّة استخدام هؤلاء المقاتلين في تنفيذ هجمات داخل الصين أو كأداة ضغط عليها.(2) الصين، تخشى أن يُصبح هؤلاء المقاتلون بعد دمجهم في الجيش السوري جزءًا من المجتمع السوري بشكل أكبرمما قد يسهل عملية تنظيمهم وسفرهم للقيام باعتداءات مستقبلية داخل الصين أو على حدودها. ويُعتبر هؤلاء الأويغور وأتباعهم ورقة ضغط استراتيجية معروفة وبالتالي فإن بكين تتابع باهتمام كبير أي تطور يتعلق بهؤلاء المقاتلين .

التحدي الذي تواجهه تركيا
أما تركيا فهي تقع على خط التماس مع شمال وغرب سورية وتعتبر أن أي تعزيز لقوات مجهولة الولاء أو جماعات متطرفة على حدودها يمثل تهديدًا لأمنها الوطني، برغم أن تاريخ العلاقة بين الدولة التركية والإيغور معروف ولطالما دعمت تركيا المسلمين الإيغوروسهلت دخولهم وتحركاتهم، ولكنها في الوقت نفسه تريد أن تحافظ على موقفها الرسمي أمام الدولة الصينية بالحفاظ على الأمن الإقليمي وعدم تشكيل أي تهديد للأمن الصيني. وفي حقيقة الأمر يصعب على تركيا السيطرة على التحركات الميدانية لهذه الجماعات. وتركيا أصلاً تتعامل مع تحديات جسيمة على حدودها من المقاتلين الأجانب. ودمج مقاتلين من الأويغور وتركستان قد يفاقم من مخاطر أمن الحدود خاصة مع احتمال تصدير هؤلاء لأفكار التطرف إلى داخل تركيا أو استخدامهم كوسيلة لزعزعة أمنها واستقرارها لإنها عانت سابقاً من أحداث أمنية داخل البلاد سببه خلايا التنظيمات المتشددة التي هربت إلى تركيا .(3)

العواقب الإقليمية ونماذج خطيرة يُحتذى بها
إن دمج الجهاديين المتطرفين في الهيكل الرسمي للجيش السوري هو نمط خطير قد لايشبه أي نمط في أي دولة أخرى، ويخشى مستقبلاً أن يُحتذى به، إذ قد يُمثل بداية لمأسسة التطرف وخلق أطر رسمية تتستر خلفها الجماعات المسلحة، مما يهدد استقرار المنطقة برمتها. وحتى ربما ينعكس على دعم الجيش السوري نفسه، حيث أن الدعم العسكري القادم من عدة دول أجنبية ربما يتوقف بسبب خشيتهم من أن تصل المعدات العسكرية الجديدة لهؤلاء وأن يكون لهم رتب عسكرية مرموقة في الجيش تزيد من خطر استقلاليتهم في التحرك على الصعيد الجهادي. باختصار يعكس هذا القرار نوعًا من تنظيم الجهاد الهيكلي، حيث يتم توظيف التطرف كجزء من الاستراتيجية العسكرية مما يفتح الباب أمام حالات مشابهة في مناطق أخرى، وهذه الخطوة قد تؤدي إلى تآكل مفهوم الدولة الوطنية والحدود وتشكيل شبكات جهادية داخل المؤسسات الرسمية مما يهدد أمن الحدود ويزيد من احتمالات النزاعات والتطرف.



محمد يزن الحمادي

1- https://www.bbc.com/arabic/articles/ce814zmpz26o
2- alarab.co.uk/هل-يغير-المقاتلون-الإيغور-في-سورية-السياسة-الخارجية-الصينية
3- https://h1.nu/10mWy
لا توجد تعليقات لهذا المنصب.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال