النظام الغربي المهزوز!
1365 Views

النظام الغربي المهزوز!

خلال السنوات الأخيرة تغير المشهد الجيوسياسي بشكل سريع، وتجلى هذا التغير بشكل واضح في التقارب المتزايد بين إيران والصين وروسيا وكوريا الشمالية. وفي اتحادهم القوي هذا في قمة منظمة شنغهاي للتعاون، دق ناقوس الخطر في جميع أنحاء أوروبا وخاصةً بعد العرض العسكري المهيب في بكين. بالنسبة للسياسيين الأوروبيين ليس هذا مجرد تنسيق تكتيكي بل هو مؤشر على تحدٍّ أوسع للنظام الدولي المتمركز حول الغرب والذي هيمن على السياسة العالمية منذ الحرب العالمية الثانية.

من بروكسل إلى برلين صوّر القادة الأوروبيون بشكل متزايد تقارب إيران وروسيا والصين وكوريا الشمالية على أنه "تحالف استبدادي". ويؤكد المحللون الأوروبيون أن هذه الشراكات ليست مجرد تعاون إقليمي بل هي مشروع واعٍ لتقويض شرعية نظام قائم على القواعد والمؤسسات والمعايير الغربية. بالنسبة لأوروبا يُمثّل هذا تحديًا استراتيجيًا عميقًا، إذ يعتمد استقرار سياستها الخارجية والأمنية على النظام الدولي القائم على القواعد والأسس الغربية وخاصةً حلف شمال الأطلسي (الناتو) والاتحاد الأوروبي، والعلاقات عبر الأطلسي. يشير وصف السلطات الأوروبية لهذا التقارب بأنه "تحالف استبدادي" إلى أنه يُعرّف بمعارضة الغرب بدلاً من التماسك الداخلي. يسمح هذا الإطار للقادة الأوروبيين بتعزيز تضامن الناتو وتبرير العقوبات وتعزيز التماسك عبر الأطلسي. ومع ذلك فإن هذا التقارب يُشير أيضًا إلى القلق الأوروبي مُدركًا أن مراكز القوى البديلة تتحدى بوضوح الهيمنة الغربية، وأنها لم تعد القادة العالميين الوحيدين. [1]

علاوة على ذلك تتابع وسائل الإعلام الأوروبية هذا التقارب عن كثب وتفسره على أنه أكثر من مجرد اصطفاف رمزي. غالبًا ما تُؤكد تحليلاتها على أن قمة منظمة شنغهاي للتعاون والعرض العسكري في بكين هما خطوة نحو إنشاء نظام دولي موازٍ، يُطلق عليه البعض "المحور الشرقي". لم يبقَ هذا النظام مجرد شعار بل تجلى في اتفاقيات متعددة الأطراف وبيانات مشتركة وانتقاد مستمر للتدخل الغربي.[2]

بالنسبة للأوروبيين، ظهور نظام بديل يعني تآكل نفوذهم العالمي. تواجه القوى الأوروبية التي تواجه بالفعل تحديات مثل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي والركود الاقتصادي والانقسامات السياسية الداخلية، مشهدًا هيكليًا متنافسًا يقلل بشدة من قدرتها التفاوضية. لذلك يعكس التأطير الإعلامي خطورة هذه العملية والمخاوف من افتقار أوروبا إلى الأدوات الكافية لوقفها أو عكس مسارها. في الواقع يبدو أن أوروبا تُقصى من النظام الدولي.

لعل القلق الأكثر وضوحًا للسياسيين الأوروبيين هو التقارب العسكري، الذي يتجلى في شكل مناورات واستعراضات مشتركة. كان حضور إيران وروسيا في العرض العسكري الصيني في بكين مقلقًا بشكل خاص لمسؤولي الدفاع الأوروبيين. لا تؤدي هذه العروض وظيفة دعائية فحسب بل تُظهر أيضًا الإمكانات الحقيقية للتعاون الاستراتيجي والتآزر.[3]

بالنسبة لحلف شمال الأطلسي (الناتو) وأعضائه الأوروبيين تُمثل هذه العروض "تهديدًا أمنيًا لأوروبا". الحجة واضحة: كلما عززت هذه الدول علاقاتها العسكرية، زادت قدرتها على مواجهة نفوذ الناتو في أوراسيا، واستعراض قوتها في المناطق الحساسة وتعقيد التخطيط الدفاعي الأوروبي. في ظل الحرب الدائرة في أوكرانيا والتوترات المتصاعدة في شرق آسيا يخشى القادة الأوروبيون من أن تتحول منظمة شنغهاي للتعاون تدريجيًا إلى كتلة عسكرية تُضعف قوة ردع الناتو.[4]

ومن أبعاد هذا التقارب الذي يُقلق أوروبا بُعده الاقتصادي والمالي. فقد سعت إيران وروسيا الخاضعتان لعقوبات شديدة من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بشكل متزايد إلى تجاوز النظام المالي الغربي باستخدام عملتيهما الوطنيتين وتعزيز تعاونهما في مجال الطاقة مع الصين. وقد تسارعت هذه العملية بفضل مبادرات منظمة شنغهاي للتعاون والاتفاقيات الثنائية.[5]

يدرك المسؤولون الأوروبيون جيدًا أن مثل هذه الإجراءات تُقوّض بشكل مباشر فعالية العقوبات الغربية. على سبيل المثال من شأن بيع النفط الروسي للصين أو توسيع دور إيران في أسواق الطاقة الآسيوية أن يُخفف من وطأة العقوبات. ولا يقتصر قلق أوروبا على البعد الاقتصادي فحسب بل يمتد إلى البعد الاستراتيجي أيضًا؛ فقد كان نظام العقوبات أحد أدوات سياستها الخارجية الرئيسية لا سيما منذ غزو روسيا لأوكرانيا. إذا أصبحت آليات التجارة البديلة قوية بما يكفي، فستفقد أوروبا إحدى أدواتها المدنية القليلة.[6]

وفي النتيجة، يُشكل ظهور هذا المحور تحديًا غير مسبوق للنظام الغربي القائم على القواعد. لكن هذا التحدي ليس عسكريًا أو اقتصاديًا فحسب بل هو أيضًا جوهري وأيديولوجي. يسعى تحالف الدول الشرقية الذي اجتمع على هامش استعراض بكين وقمة شنغهاي، إلى إنشاء محور شرقي بديل. هذا بالإضافة إلى تكثيف التهديد الأمني ​​لأوروبا، يُضعف بشكل مباشر فعالية العقوبات. يعتمد مستقبل هذه المنافسة على قدرة الغرب على تعزيز التماسك الداخلي وتقديم منظور بديل.



أمين مهدوي

[1] China is using the SCO summit and Victory Day parade to showcase its vision of a new world order | Chatham House – International Affairs Think Tank
[2] A look at the world leaders attending China's SCO summit and military parade | AP News
[3] Crink: the new autocractic 'axis of evil' | The Week
[4] Natural allies': wrong term for China, Russia, Iran, North Korea - Asia Times
[5] China, Russia join Iran in rejecting European move to restore sanctions on Tehran | Reuters
[6] Understanding and improving sanctions today | Some of the real and imagined concerns about sanctions
لا توجد تعليقات لهذا المنصب.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال