يُعدّ اعتماد مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية للقرار السياسي ضد إيران في 12 حزيران 2025 نقطة تحول في تصعيد التوترات بشأن البرنامج النووي الإيراني. ويعكس هذا القرار الذي يظهر إيران بأنها تنتهك التزاماتها بمنع الانتشار النووي، الصراع الجيوسياسي المستمر بين إيران والقوى الغربية. وقد أثارت هذه الخطوة مخاوف جدية بشأن حياد الوكالة، والاستقرار الإقليمي، ومستقبل نظام منع الانتشار النووي العالمي. (1)
لطالما استخدم الغرب الوكالة لتحقيق أهداف سياسته الخارجية وتقويض حقوق إيران النووية السلمية. ووفقًا لمحللين إيرانيين، فإن الولايات المتحدة والقوى الأوروبية الثلاث (بريطانيا، وفرنسا، وألمانيا) تنظر إلى الملف النووي الإيراني على أنه حملة ضغط سياسية. يُعيد القرار طرح اتهامات قديمة تم التوافق عليها وحلها بموجب اتفاقيات سابقة، ويُظهر طبيعته المنحازة.
بعد تعاون إيران المكثف مع الوكالة، بما في ذلك حلّ القضايا العالقة بموجب خطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015، لا يزال الغرب يُصرّ على إدانة إيران واتهام الجمهورية الإسلامية بتقويض خطة العمل الشاملة المشتركة. بعد الانسحاب الأمريكي الأحادي الجانب عام 2018، فشلت أوروبا في تحقيق الفوائد الاقتصادية الموعودة. من هذا المنظور، كانت الإجراءات النووية الإيرانية بعد عام 2019 ردودًا مشروعة بموجب أحكام خطة العمل الشاملة المشتركة، لكن الغرب يعتبرها انتهاكات وهو معيار مزدوج ترفضه إيران. لذلك يُنظر إلى القرار على أنه خطوة للضغط الغربي الأحادي الجانب الذي يسعى إلى تحقيق أهدافه من خلال المنظمات الدولية.(2)
لقد قُدّمت رسميًا اتفاقية يونيو 2025 من قِبل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا، وطالبت إيران بالإجابة على أسئلة حول تخصيب اليورانيوم في مواقع غير مُعلنة. وبعد التصويت وافق عليه 19 عضوًا، بينما عارضته روسيا والصين وبوركينا فاسو وامتنعت 11 دولة عن التصويت. أدانت طهران بشدة هذه الخطوة ووصفتها بأنها "متسرعة وغير حكيمة" وحذرت من أنها ستضر بالتواصل الدبلوماسي. وصف المسؤولون الإيرانيون النص بأنه "لا يمتلك أساس تقني أو قانوني" و"سياسي". وأيدت روسيا والصين موقف إيران. ووصف المبعوث الروسي ميخائيل أوليانوف القرار بأنه "غير عادل"، واتهم الغرب بمطالبة إيران بالامتثال الكامل للاتفاق النووي دون رفع العقوبات. كما وصفته الصين بأنه "غير بنّاء". في المقابل دافعت مجموعة الدول الأوروبية الثلاث عن القرار باعتباره إجراءً رقابيًا ضروريًا، لكن هذا الموقف لم يكن مقنعًا لإيران التي اعتبرته خطوة غير تقنية وايديولوجية لكسب النفوذ ومجرد وأداة للمساومة فقط.
مع ذلك يرى المنتقدون أن القرار يُمثل إساءة استخدام للوكالة، مما يُهدد مهمتها الفنية. وقد حذّر سفير إيران لدى الوكالة من أن اتخاذ القرارات بناءً على معلومات سياسية بدلًا من الأدلة يُقوّض مصداقية الوكالة. وتُصرّ إيران على تعاونها غير المسبوق مع 72% من عمليات التفتيش العالمية التي أجرتها الوكالة. ولذلك ترى في القرار نهجًا سياسيًا للرقابة الفنية يفرض معايير مزدوجة. ويُجادل مسؤولون إيرانيون وبعض خبراء الشؤون الدولية بأن هذا التسييس يُلحق الضرر بمنع الانتشار النووي العالمي ويُقوّض الثقة بالوكالة. وحذّروا من أن استمرار هذا التوجه سيؤثر على تعاون إيران المستقبلي.(3)
في الواقع يُشكّك أيضاً في تسييس نهج الوكالة في مصداقيتها كهيئة فنية مستقلة. وتتمثل المهمة الأساسية للوكالة في التحقق بنزاهة من الالتزامات النووية للدول، لا في أن تُصبح أداة للضغط الجيوسياسي. إن اعتماد قرارات تعتبرها العديد من الدول مُوجّهة نحو الغرب يُعرّض الوكالة لاتهامات بالإساءة والاستغلال، ويُقلّل من ثقة الدول غير الغربية. إن تكرار هذا التوجه سيخلق نمطًا خطيرًا للقوى الأخرى لاستغلال المؤسسات الدولية لمصالحها السياسية ونتيجةً لذلك ستضعف فعالية الوكالة في ضمان الشفافية والأمن النوويين العالميين.
ومن القضايا المهمة الأخرى المتعلقة بالدول الغربية، وخاصةً الولايات المتحدة، النهج المزدوج الذي اتبعته تجاه إيران: فمن جهة تطالب إيران بالامتثال الكامل لالتزاماتها، ومن جهة أخرى، لم تتقيد هي نفسها بالتزاماتها الدولية بانسحابها من خطة العمل الشاملة المشتركة وفرض عقوبات جديدة. وقد أثار هذا التناقض تساؤلات حول شرعية مطالب الغرب، وأدى إلى انعدام الثقة بإيران. ولكي تنجح المفاوضات يجب على الغرب العودة إلى التزاماته، واعتماد نهج قائم على الثقة المتبادلة والاستقرار في السلوك الدولي بدلًا من الاعتماد على الضغط والتهديدات.(4)
ويمكن القول إن إحدى عواقب هذا القرار كانت الهجوم المباشر من جانب النظام الصهيوني على إيران، واستهداف البنية التحتية والمدنيين. في الواقع أصبح هذا القرار دعمًا لانتهاك النظام الصهيوني لاستقلال إيران وسلامة أراضيها. ومع ذلك كان ينبغي على مجلس المحافظين التصرف بنهج متوازن قائم على احترام سيادة الدول والحفاظ على المصداقية الفنية للوكالة. وعليه فإن القرار الأخير لمجلس المحافظين ضد إيران يُشير إلى تسييس الرقابة الفنية ويشكل تهديدًا لمصداقية الوكالة والاستقرار الإقليمي. وقد أدى النهج المزدوج للغرب، وانتهاك خطة العمل الشاملة المشتركة، إلى تفاقم انعدام الثقة وصعوبة العملية الدبلوماسية. ويُمثل الاستخدام الفعّال للوكالة نموذجًا خطيرًا على مستقبل نظام منع الانتشار وقد يُحوّل هذه المؤسسة إلى ساحة للتنافس الجيوسياسي.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال