اليمن منطقة جيوستراتيجية في جنوب غرب آسيا وشبه الجزيرة العربية، يكتسب هذا البلد أهمية بالغة بفضل موقعه الفريد المُهيمن على كل من المحيط الهندي ومضيق باب المندب. هذا الموقع زاد من أهميته قربه من قناة السويس ومواردها النفطية. دفعت هذه الأهمية الاستراتيجية لليمن القوى الإقليمية والعالمية إلى التنافس فيما بينها للسيطرة على جزء من هذا البلد أو كله. يتمتع اليمن بمكانة مهمة في العالم العربي، إذ أنه يشكل عمقًا استراتيجيًا جعل هذه المنطقة موضع صراع بين القوى العربية في المنطقة، وخاصة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة اللتين تسعيان بشكل خاص إلى زيادة نفوذهما.
لطالما اعتبرت المملكة العربية السعودية اليمن منطقة نائية تابعة لها وكان لها نفوذ تقليدي على أجزاء منها. تكمن جذور النفوذ السعودي في التفاعلات القبلية والتقارب العرقي والثقافي في أجزاء من اليمن وخاصة منطقة حضرموت. في الواقع كان للمملكة العربية السعودية نفوذ كبير في حضرموت أكبر محافظة في اليمن ومنطقة غنية بالنفط، بناءً على الروابط الدينية والثقافية هناك وحدود مشتركة تزيد عن 600 كيلومتر وحركة المرور عبر الحدود والتجارة واعتبارات الأمن القومي.
تتمتع المملكة العربية السعودية بعلاقات قوية مع الشخصيات والقبائل المحلية المؤثرة في تلك المنطقة، وقد عززت وجودها الأمني في حضرموت منذ اندماج فرعي القاعدة السعودي واليمني في عام 2009 وتشكيل تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية AQAP))، الذي استولى على مدينة المكلا الساحلية في أبريل 2015. ترى الرياض حضرموت كبوابة إلى بحر العرب ويمكن أن تساعد في تنويع طرق التجارة وصادرات الطاقة وتقليل اعتمادها على مضيق هرمز. يمكن أن توفر المنطقة أيضًا عمقًا استراتيجيًا للسعوديين لتوسيع نفوذهم في المحيط الهندي. من ناحية أخرى لا تقف الإمارات العربية المتحدة مكتوفة الأيدي حيث تسعى حكومة أبو ظبي إلى زيادة قوتها الناعمة في العالم العربي والمنطقة. ولتحقيق هذا الهدف تسعى الإمارات العربية المتحدة إلى تفعيل قواتها بالوكالة في المناطق الاستراتيجية لاستخدامها كورقة ضغط سياسية لتحقيق أهداف مختلفة.
وفي هذا السياق تنشط الإمارات أيضًا في اليمن وتدعم ميليشيات جنوب اليمن مثل المجلس الانتقالي الجنوبي. إضافةً إلى ذلك تحدت الإمارات النفوذ السعودي في تلك المناطق من خلال توليها أدوارًا في مكافحة الإرهاب وتحقيق الاستقرار في المكلا. بعد عام من سيطرة القاعدة على المدينة شكلت الإمارات قوات النخبة الحضرمية للمساعدة في إنهاء وجود القاعدة في المنطقة. ومنذ ذلك الحين وسّعت الإمارات نفوذها على طول ساحل بحر العرب، وهي منطقة تعتبرها المملكة العربية السعودية جزءًا من مجال أمنها القومي، وكانت هذه بداية صراع بين البلدين جمعهما الربيع العربي. [1]
وأدى تضارب المصالح بين البلدين إلى تصعيد الصراع بين الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية على مختلف المستويات. وقد لجأت المملكة العربية السعودية إلى أساليب سياسية واستراتيجية مختلفة للحد من نفوذ الإمارات مع الحفاظ على نفوذها في اليمن. ومن بين الإجراءات السعودية دعم تشكيل المجلس الوطني لحضرموت في عام 2023، وتعزيز الميليشيات الموالية للسعودية وتوسيع العلاقات مع القبائل والمشايخ المؤثرين في المنطقة.[2]
يبدو أن السعودية والإمارات تدركان جيداً مخاطر تصاعد التوترات في المنطقة ويدرك الجانب الإماراتي أنه لا يستطيع منافسة السعوديين بشكل كامل، خاصة إذا أرادت الرياض إقحام كامل ثقلها الجيوسياسي في مثل هذه الأحداث. لذلك يسعى الجانبان انطلاقاً من فهمهما لهذه القضية إلى حل الخلافات بالحوار والدبلوماسية.
وأخيرًا، يمكن القول إن مساعي الدولتين للتأثير على اليمن هي عملية طويلة الأمد بهدف توسيع نطاق نفوذهما وأن تصبحا لاعباً مهماً في التفاعلات الدولية والإقليمية. لكن النقطة المهمة قد تكمن في أن القوى الغربية والشرقية الكبرى لن تقبل بيمن قوي أو يهيمن عليه بلد معين، وأن هذا اليمن المجزأ والمنقسم بالنسبة لها هو أفضل سبيل لموازنة القوى والسلطة على المستوى العالمي. هذا النهج هو الذي حال دون قيام حوار وطني جاد وتشكيل حكومة موحدة قوية في اليمن. ولعل سرعة التطورات العالمية والتغيرات الاستراتيجية للقوى العظمى ستدفعها مستقبلاً إلى قبول يمن موحد وهو أمر ليس مطروحاً حالياً على أجندتها.
أمين مهدوي
[1] UAE vs. Saudi Arabia: The New Battlefront in South Yemen
[2] Saudi-Emirati Divergences Lead Hadhramawt to a Crossroad | Carnegie Endowment for International Peace
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال