في ظل التطورات السياسية العالمية المتسارعة، برزت دول مجموعة البريكس كقوة موازنة في مواجهة الغرب. وازداد دور مجموعة البريكس أهمية في التطورات العالمية، لا سيما في استجابتها للتوترات الجيوسياسية في الشرق الأوسط وقد تجلى هذا التغيير جليًا، حيث تمارس أفعال ومواقف مجموعة البريكس ضغوطًا سياسية على النظام الإسرائيلي وحلفائه الغربيين، وهي مؤشر على التحول نحو نظام عالمي متعدد الأقطاب.
اجتمع قادة مجموعة البريكس في قمتهم في ريو دي جانيرو في 6 تموز 2025، وأصدروا بيانًا مشتركًا أدان صراحةً أفعال النظام الإسرائيلي واعتداءاته على إيران. وجاء في البيان: "ندين الضربات العسكرية ضد جمهورية إيران الإسلامية منذ 13 حزيران 2025، والتي تُشكل انتهاكًا للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة".
و أعربت الكتلة عن "قلقها العميق" إزاء الهجمات على البنية التحتية المدنية والمنشآت النووية السلمية تحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية، معتبرةً أن مثل هذه الأعمال تهدد الاستقرار الإقليمي والعالمي. وجاءت إدانة عدوان النظام الصهيوني على إيران ثمرة جهد متضافر من تحالف يمثل ما يقرب من نصف سكان العالم وحوالي ربع الناتج المحلي الإجمالي العالمي، مؤكدةً على النفوذ المتزايد لمجموعة البريكس في الحوكمة العالمية. وفي الواقع، يُعد هذا الموقف دليلا على عملية التغيير والتحول في هيكل النظام الدولي، حيث لن يكون الغرب القوة المهيمنة.(1)
ويتجاوز نهج مجموعة البريكس تجاه الشرق الأوسط الأزمات المباشرة، ويركز على تحقيق العدالة في الشرق الأوسط من خلال حلول مستدامة. ودعا البيان المشترك للكتلة إلى حلول لا تعالج الصراعات الأخيرة فحسب بل أيضاً الجذور التاريخية للأزمة في منطقة غرب آسيا. ويعكس هذا إدراكاً بأن السلام الدائم يتطلب معالجة المظالم طويلة الأمد، مثل احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية وحرمان الفلسطينيين من حقهم في تقرير المصير.(2)
إن الاستجابة الموحدة لمجموعة البريكس لأزمات الشرق الأوسط تُعدّ مثالا على دورها في تشكيل نظام عالمي جديد من خلال الدبلوماسية متعددة الأقطاب. فمن خلال إدانة تصرفات الولايات المتحدة وإسرائيل والدعوة إلى تدخل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، تتحدى مجموعة البريكس الأحادية الغربية وحق النقض (الفيتو) الذي تتمتع به الولايات المتحدة، والذي كثيراً ما حمى إسرائيل من المساءلة الدولية. ويعكس هذا العمل الدبلوماسي أجندة البريكس الأوسع نطاقاً لتعزيز عالم متعدد الأقطاب تتوزع فيه القوة بين عدة جهات فاعلة عالمية.
على عكس التحالفات التي يقودها الغرب، تؤكد مجموعة البريكس على السيادة والقانون الدولي وصنع القرار الجماعي، وتضع نفسها كقوة موازنة للهيمنة الغربية التقليدية. تعكس تصرفات الكتلة في حزيران 2025 نفوذها المتزايد في الحوكمة العالمية في سعيها إلى تعزيز نظام دولي عادل. تسعى مجموعة البريكس إلى لعب دور بناء قائم على الأمم المتحدة في حل الأزمات والتحديات العالمية، واستبدال المعايير الغربية المتعددة بقيم جديدة. إذا أمكن الحفاظ على هذا النهج، فإنه يعد بتحول نموذجي في الهيكل العالمي ويمكن أن يمهد الطريق لنظام متعدد الأقطاب(3).
يزيد موقف البريكس بشكل كبير من الضغط السياسي على إسرائيل والولايات المتحدة. وبصفتها تحالفًا للقوى الناشئة، تحمل إدانة البريكس وزنًا كبيرًا مما قد يعزل النظام الإسرائيلي دبلوماسيًا ويتحدى الهيمنة الأمريكية. من خلال دعم تدخل الأمم المتحدة ودعم الدولة الفلسطينية، يمكن لمجموعة البريكس التأثير على ديناميكيات المؤسسات الدولية مثل الأمم المتحدة، حيث يمكن لأعضائها الدفع باتجاه قرارات تتماشى مع رؤيتهم للعدالة العالمية.
قد يشجع هذا الضغط دولًا أخرى في جنوب العالم على تبني مواقف مماثلة وتعزيز الدعوة إلى نظام عالمي متوازن. يمكن أن تمهد إجراءات الكتلة الطريق لتطورات مهمة في المحافل الدولية، وتحدي الوضع الراهن، وتعزيز المساءلة. كما تمثل إجراءات البريكس في إدانة النظام الإسرائيلي نقطة تحول في السياسة العالمية مما يشير إلى تراجع الهيمنة الغربية وظهور نظام عالمي متعدد الأقطاب. تعكس إدانة العدوان والدعوة إلى الانسحاب من غزة والتركيز على العدالة في منطقة غرب آسيا التزام الكتلة بالقانون الدولي والسلام المستدام.
من خلال ممارسة الضغط السياسي على إسرائيل والولايات المتحدة، تعيد البريكس تشكيل الديناميكيات العالمية، وتتحدى الأحادية وتدعو إلى نظام دولي أكثر عدالة، ومع استمرار نمو دور البريكس في التطورات العالمية فإن دبلوماسيتها متعددة الأقطاب الحازمة هي علامة على تحول أوسع بعيدًا عن الهيمنة الغربية. لم يعد بإمكان الغرب أن يتصرف باعتباره القوة المهيمنة الوحيدة، وتشكل تصرفات مجموعة البريكس في الشرق الأوسط إشارة واضحة إلى هذا التحول الجذري نحو نظام عالمي متعدد الأقطاب.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال