تراجع الهيمنة الأمريكية في غرب آسيا وفرص محور المقاومة
تعكس التطورات الأخيرة في السياسة الخارجية الأمريكية وتصرفات المقاومة في المنطقة، فرض معادلات القوة المعقدة ذات الأبعاد المتعددة في غرب آسيا. وقد خلقت السياسات الأمريكية وخاصةً خلال الفترة الثانية من رئاسة ترامب إلى جانب السلوكيات العسكرية والدبلوماسية لمحور المقاومة ظروفًا تتجاوز عواقبها الحدود الإقليمية، بل وتمتد إلى المدى البعيد. وقد أدى الارتباك وغياب التماسك في صنع السياسات في واشنطن والتركيز حصريًا على الأهداف السياسية قصيرة المدى والدعاية الإعلامية، إلى وضع الولايات المتحدة في موقف رد الفعل وحد من قدرتها على التأثير في الاتجاهات طويلة المدى وخاصة في منطقة غرب آسيا.
وقد خلّفت الإجراءات العسكرية والدبلوماسية المتقطعة للبلاد عواقب أمنية واقتصادية وإنسانية واسعة النطاق على دول المنطقة وفي الوقت نفسه أتاحت فرصًا استراتيجية لمحور المقاومة.
في المقابل تمكّن محور المقاومة من خلال استغلال سياسات أمريكا الخاطئة وثغراتها الاستراتيجية بذكاء، من تعزيز مكانته كلاعب حاسم في منطقة غرب آسيا. لقد أعاد التماسك الإقليمي والتفاعل الهادف مع الحلفاء وتعزيز قدرات الردع والدفاع وإدارة الفرص السياسية والاقتصادية الناتجة عن ارتباك أمريكا تحديد مكانة المقاومة في النظام الإقليمي والمعادلات الدولية. لهذا الوضع أيضًا عواقب بعيدة المدى على النظام العالمي؛ فقد عززت فوضى السياسات الأمريكية والنفوذ المتزايد لمحور المقاومة عملية تعدد الأقطاب في النظام الدولي، ومهدت الطريق لتشكيل هياكل إقليمية أكثر استقلالية عن واشنطن.
من خلال التركيز على العروض اللحظية للقوة والتهديدات الدعائية، لم تقلل الولايات المتحدة من ثقة حلفائها التقليديين فحسب بل عرضت نفسها أيضًا لتحديات عملياتية واستراتيجية. وقد سمح هذا الفراغ الاستراتيجي لمحور المقاومة باستخدام قدراته العسكرية والدفاعية لتغيير ميزان القوى لصالحه. على سبيل المثال تُشكّل زيادة القدرات الصاروخية والقتالية للجمهورية الإسلامية الإيرانية والجماعات المتحالفة معها في لبنان وفلسطين رادعًا فعالًا والجهات الفاعلة الإقليمية بما في ذلك النظام الصهيوني والدول العربية تُدرك هذه الحقيقة جيدًا.
كما أن واشنطن بفشلها في تقديم خطة متماسكة لحل النزاعات الإقليمية مهدت الطريق للجمهورية الإسلامية الإيرانية وحلفائها للعب دور فعال في تغيير ميزان القوى لصالح محور المقاومة في آنٍ واحد من خلال الدبلوماسية والشبكات السياسية والوجود العسكري المحدود.
في الواقع، أدركت دول المنطقة وخاصة تلك التي تسعى إلى ضمان أمنها ومصالحها الوطنية أن المقاومة يمكن أن تكون خيارًا عمليًا وفعالًا لحماية مصالحها. تُمثّل هذه الحقيقة فرصة تاريخية واستراتيجية لدول محور المقاومة، ومؤشرًا على الضعف وعدم الاستقرار المنهجي للسياسة الخارجية الأمريكية في المنطقة. في مجال السياسة الخارجية والدبلوماسية الإقليمية يستطيع محور المقاومة من خلال تطويرعلاقات استراتيجية مع الدول ذات التوجهات المماثلة، وتعزيز التعاون الإقليمي والمشاركة الفاعلة في القضايا السياسية والاقتصادية الإقليمية والدولية الحساسة والحدّ من نفوذ الأعداء وتوفير الأرضية اللازمة للنمو الاقتصادي واستقرار السلام والأمن الإقليميين. كما يمكنه تصميم استراتيجيات تركز على استقرار موقف المقاومة وخلق توازن القوى والردع المستهدف بما يوجه التطورات الإقليمية لصالح الحلفاء الاستراتيجيين، وبما يتماشى مع الأهداف الأمنية والاقتصادية طويلة المدى لدول منطقة غرب آسيا والمقاومة. ومع ذلك يتطلب محور المقاومة خطة شاملة ومتماسكة في مواجهة التهديدات الشاملة والضغوط الدولية سواء في المجالات العسكرية والاقتصادية والدبلوماسية والإعلامية.
النقطة الأولى هي تعزيز قدرة محور المقاومة على الردع: فقد أثبتت تجربة السنوات الأخيرة أن الاستجابة السريعة والذكية للتهديدات الخارجية لا يمكن أن تتم بالاعتماد على القوة العسكرية وحدها، بل إن دمجها مع الاستخبارات والتدريب المتخصص والاستعداد العملياتي أمرٌ أساسي. إن إنشاء شبكات دفاع إقليمية وتعزيزها والتنسيق بين مختلف قوى محور المقاومة يمكن أن يزيد من القدرة العملياتية ويزيد بشكل كبير من تكلفة أي عمل عدائي من جانب العدو.
النقطة الثانية هي التطوير الاقتصادي والتكنولوجي: إن تعزيز البنية التحتية والمشاريع المحلية والتقنيات الجديدة، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي وأنظمة المعلومات المتقدمة وتقنيات الدفاع يوفر أساسًا لزيادة الاستقلال وتقليل نقاط الضعف. بالإضافة إلى تعزيز الردع تُمكّن هذه التدابير أيضًا من إدارة الأزمات والاستجابة الوقائية لمحور المقاومة وتساعد في بناء الشرعية المحلية والدولية.
النقطة الثالثة هي التركيز على الدبلوماسية النشطة والتكامل الإقليمي: يجب على محور المقاومة ترسيخ مكانته كفاعل مستقل وفعال من خلال إقامة وتعزيز العلاقات مع الدول الحليفة، والحضور الفعال في المحافل الدولية وتقديم حلول عملية للأزمات الإقليمية. سيعزز هذا التقارب النفوذ الإقليمي ويحد من نفوذ الأعداء ويعزز القوة الاستراتيجية لمحور المقاومة.
النقطة الرابعة هي الإدارة الذكية للأزمات والفرص والجهد الإعلامي الجهادي لتقديم الرواية الأولى المنتصرة: يمكن استغلال الصراعات الداخلية والتغيرات الديموغرافية والضغوط السياسية في الدول المجاورة بفعالية لتعزيز الموقع الاستراتيجي لمحور المقاومة. سيمهد التنسيق بين القدرات العسكرية والاقتصادية والدبلوماسية الطريق للاستفادة المثلى من هذه الفرص والحد من تأثير التهديدات الخارجية.
وأخيرًا، تُظهر النتيجة الإجمالية أن محور المقاومة قادر على ترسيخ وتعزيز موقعه الاستراتيجي والصمود في وجه الضغوط الإقليمية والعالمية، من خلال التركيز على الردع والتطوير الاقتصادي والتكنولوجي والدبلوماسية الفاعلة والإدارة الذكية للأزمات وتقديم سرد مباشر للأحداث والاتجاهات الاستراتيجية.
يتطلب النجاح في هذا المسار خطة شاملة ومنسقة ومستدامة تعزّز القدرات المحلية وتدير في الوقت نفسه الفرص البيئية والإقليمية لصالح محور المقاومة. وهذه النقاط سوف ترسخ محور المقاومة كفاعل قوي ومستقل ومؤثر على الساحة الإقليمية وفي هندسة النظام الدولي الجديد، وتعزز بشكل حاسم دوره في تشكيل مستقبل المنطقة والعالم.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال