تشكيل نظام إقليمي جديد بعد اعتداء الدوحة
1227 Views

تشكيل نظام إقليمي جديد بعد اعتداء الدوحة

في اليوم التاسع من سبتمبر 2025 نفذ النظام الصهيوني في انتهاك صارخ للسيادة الوطنية لدولة قطر، غارة جوية في قلب العاصمة القطرية الدوحة. ولم تكن هذه العملية التي استهدفت مقر القيادة السياسية لحركة حماس مجرد انتهاك للسيادة الوطنية لدولة مستقلة وعضو في الأمم المتحدة، بل كانت أيضًا نقطة تحول خطيرة في مسار العدوان الصهيوني الذي عرّض استقرار وأمن الشرق الأوسط بأكمله للخطر.

أظهر هجوم النظام الإسرائيلي الذي وقع في ذروة الجهود الدبلوماسية الرامية إلى وقف إطلاق النار في غزة بوضوح أن تل أبيب لا تعترف بأي حدود لعملياتها وأن خطأ إسرائيل الاستراتيجي قد ينشر نيران الحرب من حدود غزة إلى المنطقة بأسرها.

عدوان إسرائيل الشامل
لسنوات دأب النظام الصهيوني بدعم مطلق من شركائه الدوليين، على مهاجمة أي نقطة يريدها بسهولة. لقد انتقل العدوان الذي شهدناه بالفعل في لبنان وسوريا والعراق وحتى إيران إلى مستوى جديد تمامًا من خلال هجومه على دولة قطر. قطر دولة عربية ذات علاقات دبلوماسية واسعة وتستضيف قواعد عسكرية أمريكية.

كان الهجوم على مثل هذه الدولة صادمًا حتى للمراقبين المطلعين وأظهر أنه لا توجد دولة بمنأى عن العدوان الإسرائيلي. يُعد هذا الإجراء انتهاكًا واضحًا للمادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة، التي تحظر استخدام القوة العسكرية ضد السلامة الإقليمية أو الاستقلال السياسي لأي دولة، وهو مثال واضح على تجاهل تل أبيب للقواعد الأساسية للقانون الدولي. كما يهدد عدوان إسرائيل الواسع النطاق استقرار المنطقة بأكملها، وقد أظهر حكومة بنيامين نتنياهو كجهة فاعلة لا يمكن التنبؤ بتصرفاتها ومزعزعة للاستقرار في النظام الدولي[1].

استهداف القادة السياسيين لحماس في الدوحة
تشير تفاصيل زمان ومكان الهجوم إلى تخطيط دقيق لإيقاف المسار الدبلوماسي. جاء الهجوم على قطر في اللحظة التي كان فيها القادة السياسيون لحماس يضعون اللمسات الأخيرة على اقتراح وقف إطلاق النار الذي قدمه وسطاء مصريون وقطريون. لم يكن هذا التوقيت مصادفة؛ كانت خطوةً مدروسةً للقضاء على أي إمكانية للتوصل إلى اتفاق. يُظهر هذا الإجراء أن تل أبيب ترى حتى عملية التفاوض تهديدًا لأهدافها الحربية وستلجأ إلى أي وسيلة لتدمير بنية قيادة المقاومة، حتى على أرض دولة ثالثة. إن استهداف الشخصيات السياسية التي تتمتع بالحصانة على عكس العناصر العسكرية في ساحة المعركة يُعدّ بحد ذاته جريمة حرب أخرى، ويؤكد نية النظام الصهيوني على مواصلة الحرب دون انقطاع.[2]

إغلاق الطرق الدبلوماسية
بهذا الإجراء والإعتداء السافر دمّرت إسرائيل فعليًا مسار الحوار السياسي وأشهرًا من جهود الوساطة التي بذلتها قطر ومصر. وجّه الهجوم رسالةً واضحةً إلى جميع الأطراف الإقليمية والدولية: تل أبيب لا تؤمن بالحلول الدبلوماسية إطلاقًا، وتفضّل إدارة الأزمة بالوسائل العسكرية وتصعيد العنف. لم يكن خلق مأزق دبلوماسي سوء تقدير بل خيارًا استراتيجيًا.

قوّض هذا الخيار دور قطر كوسيط موثوق، ودمّر الثقة اللازمة لاستئناف المفاوضات في المستقبل القريب. والنتيجة المباشرة للهجوم الأخير هي استمرار الحرب وتزايد الخسائر المدنية في غزة وتعميق الخلافات الإقليمية.[3]

التداعيات الاستراتيجية على مستقبل المنطقة
لعل أهمّ عواقب الهجوم هو تغيير النموذج الأمني ​​في المنطقة. قبل العدوان ظنّت بعض الدول العربية أنها تستطيع تجنّب أضرار العدوان الإسرائيلي بتطبيع العلاقات أو لعب دور الوسيط. لكنّ الهجوم على قطر بدّد هذا الوهم، وأثبت للجميع أن سياسات تل أبيب العدوانية لا حدود لها. إن هجوم النظام يُمثل جرس إنذار خطير لجميع الدول التي ترى أمنها مرهونًا بمعادلات إقليمية هشة.

لقد غذّى الخطأ الاستراتيجي الإسرائيلي، دون قصد خطاب الأمن الجماعي في المنطقة. وقد استنتجت الدول الآن، أكثر من أي وقت مضى، أن الردع الفردي ضد نظام يخرق القانون لا يكفي وأن السبيل الوحيد لمواجهته هو خلق إطار أمني مشترك ومتكامل. وقد يؤدي هجوم النظام إلى تقارب أكبر بين الدول التي اختلفت حتى الآن حول كيفية مواجهة إسرائيل.[4]

من ناحية أخرى سيكون للعدوان الصهيوني تأثير مباشر على تماسك المقاومة واستراتيجيتها. فمع إغلاق إسرائيل أبواب الدبلوماسية تمامًا، بدأت فصائل المقاومة في جميع أنحاء المنطقة (من لبنان واليمن إلى العراق وفلسطين) تعتقد أن الخيار الوحيد المتبقي هو تكثيف المقاومة المسلحة وخلق ردع فعال. وقد عزز العدوان الإسرائيلي شرعية خطاب المقاومة ومهد الطريق لتنسيق عملياتي واستراتيجي أوسع بين أعضاء محور المقاومة.

وكانت ردود الفعل العالمية متوقعة أيضًا. رغم الإدانة الدولية الواسعة من الدول الإسلامية وجامعة الدول العربية وبعض الدول الأوروبية، إلا أن الدعم الضمني للولايات المتحدة أثبت مجددًا عجز مجلس الأمن الدولي والمؤسسات الدولية عن احتواء العدوان الإسرائيلي. وتفاقم هذه الازدواجية في المعايير انعدام الثقة في النظام العالمي القائم، ويدفع الأطراف الإقليمية إلى البحث عن حلول جدية ومحلية[5].

النتيجة
لم يكن هجوم النظام الإسرائيلي على الدوحة مجرد عمل إرهابي على دولة؛ بل كان سوء تقدير ذو عواقب بعيدة المدى. فباستهدافه قادة حماس السياسيين، لم يُدمر النظام عملية التفاوض فحسب بل دمّر أيضًا آخر جسور التفاوض للوصول إلى حل سياسي. وقد زرع هذا الإجراء انعدام ثقة عميقًا في المنطقة، وجعل الحاجة إلى تشكيل تحالف إقليمي للأمن الجماعي أولوية ملحة.

ربما حققت تل أبيب إنجازًا تكتيكيًا على المدى القصير، لكنها على المدى البعيد، بتوحيدها لأعدائها وعزلها نفسها في الساحة الدبلوماسية مُنيت بهزيمة استراتيجية فادحة. إن مستقبل الشرق الأوسط بعد العدوان على الدوحة محفوف بتطورات ستتغير فيها موازين القوى على حساب السياسات العدوانية والأحادية.


محمد صالح قرباني

[1] https://www.aljazeera.com/news/2025/9/10/analysis-will-attack-in-qatar-lead-to-international-isolation-of-israel
[2] https://arabcenterdc.org/resource/israel-attack-on-qatar-and-the-erosion-of-regional-stability
[3] /https://www.washingtonpost.com/world/2025/09/09/doha-qatar-israel-strike-peace-ceasefire-gaza
[4] https://www.middleeasteye.net/opinion/israel-attack-qatar-another-nail-coffin-us-regional-leadership
[5] https://www.cbsnews.com/news/israel-qatar-attack-fallout-netanyahu-trump-hamas-war-gaza
لا توجد تعليقات لهذا المنصب.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال