إن الصراع الدائر بين اليمن وإسرائيل والذي بدأه اليمنيون عام ٢٠٢٣ دعماً لفلسطين من خلال توسيع جبهات الإسناد، حوّل الولايات المتحدة الأمريكية إلى مدافعٍ قوي عن إسرائيل على المدى الطويل، حيث تحمي واشنطن مصالح إسرائيل وممراتها البحرية. لقد صعّد اليمنيون هجماتهم بالطائرات المسيرة والصواريخ دعماً لغزة، واستهلكت البحرية الأمريكية كميات هائلة من الذخائر المتطورة لمواجهة هذه التهديدات. أدى هذا الوضع إلى انخفاض كبير في مخزونات الصواريخ الاستراتيجية، وأثار مخاوف جدية بشأن الجاهزية العسكرية والتكاليف المالية والعواقب الجيوسياسية. وقد وصف قادة البحرية الأمريكية هذا المعدل من الاستهلاك بأنه غير مسبوق، واعتبروه دليلاً على ضعف دفاع البلاد.
أدى هذا الصراع إلى استهلاك واستنزاف كبير للصواريخ الأمريكية يتجاوز بكثير المعايير التاريخية. من أكتوبر 2023 إلى يونيو 2025، أطلقت حاملات الطائرات والمدمرات الأمريكية ما يقدر بنحو 268 صاروخًا متعدد الأغراض من طراز Standard Missile-2 SM-2) و159 صاروخًا من طراز SM-3 و 280 صاروخًا من طراز SM-6 لإحباط العمليات اليمنية في البحر الأحمر والدفاع عن إسرائيل. الأرقام المستندة إلى تقارير العمليات أعلى بكثير من تلك المسجلة في النزاعات السابقة، حيث استخدمت البحرية صواريخ دفاع جوي أكثر في 20 شهرًا مقارنة بالعقود الثلاثة السابقة. ووصف الأدميرالات الأمريكيون الأرقام بأنها "معدلات استهلاك مثيرة للقلق" في جلسات استماع بالكونجرس، محذرين من أن العمليات الجارية قد فرضت ضغطًا شديدًا على دورات إعادة الإمداد. تم استخدام SM-2، المصمم للدفاع الجوي قصير إلى متوسط المدى، في المقام الأول ضد الطائرات بدون طيار منخفضة التكلفة، بينما صدت SM-3 وSM-6 التهديدات الباليستية والصواريخ الأسرع من الصوت.
هذا النوع من حرب الاستنزاف و التي تعتمد من خلاله القوات اليمنية على الذخائر الرخيصة (2000 إلى 20000 دولار للواحدة) وتقابل بسلاح يقدر بملايين الدولارات، يُظهر بوضوح التحديات غير المتكافئة بين الطرفين، وقد أجبر الولايات المتحدة على إنفاق أموال باهظة الثمن في منطقة البحر الأحمر. فعلى الرغم من زيادة الإنتاج، فقد أدت عمليات الإطلاق هذه إلى استنفاد الاحتياطيات الاستراتيجية بشكل كبير وقد تعرض الاستعداد التشغيلي للجيش الأمريكي للخطر. بحلول منتصف عام 2025، انخفضت مخزونات SM-2 بنحو 3٪ عن مستويات أكتوبر 2023، وانخفضت مخزونات SM-3 بنسبة 33٪، وانخفضت مخزونات SM-6 بنسبة 17٪. زادت شركات مثل Raytheon من الإنتاج، حيث قامت بتصنيع مئات من هذه الصواريخ سنويًا، لكن هذه التحسينات لم تكن كافية لاستبدالها، حيث يتخلف الإنتاج دائمًا عن الطلب في الحروب الطويلة.
يحذر الخبراء العسكريون من أن مثل هذه التخفيضات في مخزونات الصواريخ يمكن أن تخلق "فجوة تشغيلية"، خاصة إذا تصاعدت الأزمة أو انتشرت إلى جبهات متعددة، مما يجعل السفن عرضة للتهديدات المتزامنة. على سبيل المثال، تعتمد حاملات الطائرات مثل يو إس إس دوايت دي. أيزنهاور، التي تلعب دورًا محوريًا في عملية البحر الأحمر، على أنظمة إطلاق عمودية لا يمكن تجديدها في البحر مما يستلزم عملية مكلفة ويكشف عن نقاط ضعف لوجستية. يُبرز هذا التوجه هشاشة مخزونات الذخيرة الأمريكية، المصممة تقليديًا للعمليات القصيرة والحاسمة، وليس لحروب الاستنزاف المستمرة.[1]
كما ضاعفت التكلفة المالية لعمليات الاعتراض هذه من حجم التكلفة، حيث وصلت التكاليف إلى المليارات من الدولارات. يتراوح سعر كل صاروخ SM-3، المُحسّن للدفاع الباليستي، بين 12.5 مليون دولار و28.7 مليون دولار؛ بينما يزيد سعر صاروخ SM-2 عن 2.5 مليون دولار. ويبلغ متوسط سعر SM-6 حوالي 4.3 مليون دولار. وبناءً على نوعية وعدد الصواريخ المستخدمة، ربما وصلت التكلفة الإجمالية للدفاع عن إسرائيل خلال هذه الفترة إلى حوالي 3.6 مليار دولار؛ ويشمل هذا الرقم الذخيرة فقط ولا يأخذ في الاعتبار التكاليف الإضافية مثل الطاقة والوقود والقوى العاملة. يُسلط هذا الخلل الاستراتيجي الضوء على عدم كفاءة عقيدة الدفاع الأمريكية حيث تدفع الأنظمة الأمريكية تكاليف باهظة الثمن لمواجهة طائرات بدون طيار يمنية رخيصة، فقد أظهرت تقارير البنتاغون أن تكلفة كل عملية اعتراض غالبًا ما تكون عشرات أضعاف قيمة التهديد. يُحوّل هذا الإنفاق الكبير الموارد الذاتية عن برامج التحديث والتطوير، ويُرهق ميزانية وزارة الدفاع ويزيد الطلب على بدائل أرخص.[2]
يكشف هذا النهج والتكلفة الباهظة عن قيود شديدة في سيناريوهات الحرب مع قوى عظمى مثل الصين. لا تزال العمليات الحالية ضمن نطاق القدرات اللوجستية الأمريكية، لكن التوقعات تُظهر أن صراعًا كبيرًا في مضيق تايوان أو بحر الصين الجنوبي قد يزيد استهلاك الصواريخ عشرة أضعاف أو أكثر، مما يؤدي إلى استنزاف المخزون في غضون أسابيع. تخلق صواريخ الصين الأسرع من الصوت وتكتيكات السرب طلبًا هائلا على صواريخ SM-3 و SM-6، مما يجعل الدفاع المستدام مستحيلا بالتكاليف ومعدلات الإنتاج الحالية. تُعدّ تجربة البحر الأحمر نموذجًا مصغرًا لكيفية استخدام الخصوم لحرب الاستنزاف لإضعاف القدرات الأمريكية قبل نشوب صراع كبير، مما يؤدي إلى تحويل تخصيصات الموارد نحو إضعاف الردع في المحيط الهادئ. [3]
من منظور استراتيجي، تتطلب هذه الأزمة إعادة تفكير كاملة في سياسات المخزون الأمريكي وقدرات الإنتاج ومبادئ الدفاع الصاروخي. يتحدى استنزاف المخزون الاعتماد المفرط على الصواريخ الاعتراضية باهظة الثمن ويستلزم الاستثمار في الإنتاج الضخم والتقنيات البديلة مثل الليزر أو الحرب الإلكترونية. كما أنه يتحدى المبادئ القائمة على الدفاع الأمامي وقد يتحول نحو الضربات الاستباقية أو تقاسم الأعباء مع الحلفاء. تشمل التداعيات الأوسع تراجع مصداقية التحالفات، إذ تستفيد دول مثل إسرائيل من الإنفاق الأمريكي دون مساعدة متناسبة، كما يثير تساؤلات حول التبعيات الاستراتيجية التي قد تُشكل تحديًا كبيرًا للعلاقات السياسية والأمنية على المدى الطويل. وأخيرًا، يُمثل الإنفاق الأمريكي المتزايد على الدفاع عن إسرائيل في هذا الصراع مسارًا محفوفًا بالمخاطر. إذا لم تُكبح حكومة الولايات المتحدة تصرفات النظام الإسرائيلي، فستواجه عواقب استراتيجية وأمنية لا يمكن إصلاحها، وستخسر موارد رئيسية لاحتواء الصين، وستُشجع منافسيها على استغلال نقاط الضعف القائمة في المنافسات والصراعات الكبرى.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال