تطبيع وتوسيع العلاقات بين روسيا و طالبان
501 Views

تطبيع وتوسيع العلاقات بين روسيا و طالبان

تأسست حركة طالبان عام ١٩٩٤ خلال الحرب الأهلية الأفغانية وكان معظم أعضائها الأساسيين من المجاهدين الذين قاتلوا الجيش السوفيتي السابق في ثمانينيات القرن الماضي، وقد استعادت السلطة عام ٢٠٢١ مباشرة بعد هزيمة القوات الأمريكية وانسحابها من أفغانستان. وقد تغير موقف روسيا تجاه طالبان بشكل كبير خلال العقدين الماضيين، وفي الوقت نفسه اتخذت روسيا التي وصفت الانسحاب الأمريكي من أفغانستان بأنه "فشل"، خطوات لتطبيع العلاقات مع حكومة طالبان معتبرةً إياها شريكًا اقتصاديًا وحليفًا محتملًا في مكافحة الإرهاب.

مع هزيمة القوات الغربية وانسحابها من أفغانستان اتخذت روسيا تدريجيًا مسارًا نحو مزيد من التعاون مع طالبان. الهدف الرئيسي لموسكو هو إقامة تعاون مستدام في المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية، وظهر ذلك في الأشهر الأخيرة وبعد قرار المحكمة العليا الروسية بشطب طالبان من قائمة المنظمات المحظورة والإرهابية في روسيا، يُعد هذا الإجراء خطوة مهمة نحو تطبيع العلاقات الثنائية مع طالبان.(1) لأنه وراء هذه الخطوة المهمة أعلنت طالبان أن روسيا قبلت رسميًا السفير الذي رشحته هذه الحكومة في السفارة الأفغانية في موسكو.(2)

أولاً وقبل كل شيء، يجب أن نعلم أنه مع انسحاب القوات الغربية وقوات حلف شمال الأطلسي من أفغانستان، اعتبرت روسيا هذا الوضع فرصة مهمة واستراتيجية لتوسيع نفوذها في آسيا الوسطى. وقد دفع الفراغ الأمني الذي نشأ الدول المجاورة لأفغانستان، بما في ذلك طاجيكستان وأوزبكستان وتركمانستان، إلى الاعتماد بشكل أكبر على الدعم العسكري والأمني الروسي. في الوقت نفسه سعت روسيا إلى احتواء نفوذ الغرب، وخاصة الولايات المتحدة في أفغانستان من أجل ترسيخ مكانتها كلاعب رئيسي وشريك استراتيجي في المنطقة.

لذلك بعد انسحاب القوات الغربية تسعى موسكو إلى الحد من النفوذ الغربي ومنع عودة دور بارز للولايات المتحدة وحلفائها في التطورات السياسية والأمنية في المنطقة، وذلك من خلال العمل بشكل وثيق مع طالبان والدول المجاورة. ووفقًا للعديد من الخبراء يُعد هذا النهج جزءًا من الاستراتيجية الشاملة لروسيا للحفاظ على أمنها ومصالحها الجيوسياسية في آسيا الوسطى.

بالإضافة إلى الجوانب العسكرية والأمنية، تسعى روسيا إلى تعزيز وترسيخ مكانتها كشريك رئيسي في السياسة الإقليمية من خلال تطوير التعاون الاقتصادي والدبلوماسي مع دول المنطقة. من وجهة نظر موسكو، فإن السيطرة على العمليات السياسية في أفغانستان ومنع النفوذ الغربي هما مفتاح الحفاظ على الاستقرار والأمن في المنطقة، ويمكن أن يساعدا في زيادة نفوذ روسيا في المعادلات العالمية.

من ناحية أخرى من خلال تعزيز النفوذ الجيوسياسي في آسيا الوسطى، وكذلك كبح نفوذ الغرب والولايات المتحدة في المنطقة، ستُفتح أبواب الفرص الاقتصادية أمام موسكو. نذكر أنه في خريف العام الماضي التقى وفد روسي رفيع المستوى بمسؤولين اقتصاديين من حكومة طالبان، وأعرب عن استعداده لتطوير التعاون في قطاعات التعدين والزراعة والنقل في أفغانستان، وشدد على إنشاء لجنة حكومية مشتركة لإقامة تعاون واسع النطاق في مجالات التجارة والترانزيت والاستثمار. ولا تقتصر الفوائد الاقتصادية المزعومة للعلاقات بين موسكو وطالبان على القطاع الاقتصادي فحسب.(3)

حيث أن تقارب موسكو مع طالبان سيُتيح لها فرصة الاستفادة من الموارد الطبيعية الهائلة في أفغانستان، مثل خام الحديد والنحاس والمعادن الثمينة الأخرى، والتي تُعتبر بالغة الأهمية لموسكو، كما سيُتاح لها الدخول في مشاريع التعدين الأفغانية. إضافةً إلى ذلك ستكون مشاريع البنية التحتية مثل شبكات النقل ومشاريع أنابيب الطاقة والغاز، والتي يُمكن أن تلعب دورًا هامًا في الربط الاقتصادي للمنطقة متاحةً لروسيا والشركات الروسية. تُعد هذه الاستثمارات مهمةً لتعزيز النفوذ الاقتصادي الروسي ولضمان الوصول إلى الموارد الحيوية.

ومن أهمّ المخاوف التي واجهتها موسكو في السنوات الأخيرة انتشار انعدام الأمن والاستقرار من حدود أفغانستان إلى الدول المجاورة، وصولًا إلى حدودها الجنوبية. في هذا السياق فإن روسيا التي ترى في طالبان قوةً فعّالة في مكافحة الجماعات الإرهابية مثل داعش-خراسان، مستعدةٌ لتوسيع تعاونها في مكافحة الإرهاب مع طالبان.(4)

ولمنع زعزعة الاستقرار على الحدود الجنوبية، يسعى مسؤولو الكرملين إلى إقامة تعاون أمني مستمر مع طالبان، وذلك لمنع حدوث فراغ في السلطة في أفغانستان والحفاظ على استقرار نسبي فيها. من وجهة نظر روسيا، قد يوفر استمرار عدم الاستقرار في أفغانستان بيئة مناسبة لنمو الجماعات المتطرفة التي تُشكل تهديدًا محتملًا لدول آسيا الوسطى ومصالح روسيا في المنطقة.

وفي هذا الشأن تعمل روسيا - بعلم طالبان - على تعزيز التعاون الحدودي وتبادل المعلومات الأمنية مع الدول المجاورة لأفغانستان، وتسعى إلى ترسيخ دورها كجهة فاعلة في إدارة الأزمات الإقليمية.

وتأمل موسكو أن يُمكّنها التعاون في مكافحة الإرهاب مع طالبان من منع انتقال انعدام الأمن إلى حدودها ودول آسيا الوسطى، وترى في هذا النوع من التعاون وسيلةً لمواجهة التهديدات الإرهابية في أفغانستان وما حولها. في المقابل تسعى طالبان أيضًا إلى تعزيز مكانتها الدولية من خلال جذب دعم دول المنطقة. ومن خلال تقديم ضمانات في مكافحة الجماعات المتطرفة، وخاصةً داعش-خراسان، تسعى الحركة إلى تقديم نفسها كقوة فاعلة في الحفاظ على الاستقرار الإقليمي. يمكن لهذا التعاون حتى دون شكليات سياسية أن يُحدث تأثيرًا كبيرًا على التطورات الأمنية في آسيا الوسطى.

لا يُنظر إلى دعم الكرملين المحدود والمشروط لطالبان على أنه تأييد رسمي لأدائها وحوكمتها، بل يُنظر إليه على أنه جهد تكتيكي للسيطرة على التهديدات الأمنية العابرة للحدود الوطنية وتعزيز النفوذ الجيوسياسي. وبشكل عام، يعكس هذا جهود روسيا لزيادة نفوذها وفي الوقت نفسه هيكلة البيئة الأمنية المحيطة بها، ليس فقط لمنع الآثار السلبية للتطورات في أفغانستان على استقرارها الداخلي ومصالحها الجيوسياسية ولكن أيضًا لاعتماد استراتيجية طويلة المدى ذات خطوات متواصلة، مع الاستفادة من الفوائد الاقتصادية لهذه العلاقة وكبح نفوذ الغرب والولايات المتحدة في المنطقة، مما يؤدي في النهاية إلى منع زعزعة الاستقرار وانتشار الأمن على حدودها الجنوبية وإرساء الاستقرار في أفغانستان.



نويد دانشور

1- https://nypost.com/2025/04/17/world-news/russia-removes-taliban-from-terror-list-as-ties-deepen/
2- https://ria.ru/20250603/afganistan-2020680094.html
3- https://www.reuters.com/world/russia-removes-afghan-taliban-list-banned-terrorist-groups-2025-04-17/
4- https://www.france24.com/en/live-news/20241004-taliban-s-battle-with-is-opens-door-to-foreign-cooperation
لا توجد تعليقات لهذا المنصب.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال