إن تصاعد التوترات والصراعات في مضيق تايوان خلال السنوات الأخيرة أصبح أحد أهم القضايا الجيوسياسية في تلك المنطقة. في هذا السياق تُظهر وثائق مسربة أن روسيا والصين اتخذتا خطوات جديدة لتعميق شراكتهما الاستراتيجية العسكرية، بما في ذلك نقل معدات مدرعة وتقنيات متطورة لتدريب القوات الصينية، وقد تُحدث هذه التطورات تغييرات في ميزان القوى في شرق آسيا.
ووفقًا لمعلومات استعرضها وحلّلها المعهد الملكي للخدمات المتحدة (RUSI)، التزمت روسيا بتزويد الصين بكتيبة كاملة من المركبات المدرعة المحمولة جوًا، بما يصل ل 37 مركبة هجومية برمائية خفيفة من طراز BMD-4M، و11 مدفعًا برمائيًا مضادًا للدبابات من طراز Sprut-SDM1، و11 ناقلة جند من طراز BTR-MDM Rakushka، ومركبات قيادة ومراقبة من طراز Rubin وKSHM-E، بالإضافة إلى طائرات مسيرة من طراز Orlan-10، وذلك في شراكة سرية.
بالإضافة إلى توفير وتوريد المعدات، تشمل هذه الترتيبات العسكرية أيضًا أنظمة مظلات متطورة لإسقاط البضائع من ارتفاعات عالية، وإنشاء مراكز إصلاح وصيانة على الأراضي الصينية، ونقل كامل للوثائق الفنية اللازمة لتوطين التقنيات. [1]تجدر الإشارة إلى أنه بالإضافة إلى نقل وتوريد المعدات، ستقوم روسيا بتدريب وحدات المظليين التابعة لجيش الشعب الصيني والقوات الخاصة، مما يتيح للصين اكتساب خبرة مباشرة في أساليب القيادة والعمليات الروسية. فبدون تدريب القوات، لن تكون المعدات المعقدة مثل أنظمة BMD-4M أو Sprut-SDM1 المضادة للدبابات صالحة للاستخدام الكامل في العمليات المشتركة. ووفقًا لهذه الوثائق المسربة، فإن أحد الأهداف الرئيسية لهذه التدريبات هو النقل الرسمي للخبرة القتالية الروسية في العمليات العسكرية الحقيقية إلى الجيش الصيني، مع الأخذ في الاعتبار تجربة موسكو في السنوات الأخيرة وتدخلها في الأزمة الأوكرانية، وستشمل تدريبات مشتركة على الأراضي الروسية والصينية[2].
سيسمح التعاون مع روسيا للصين باكتساب خبرة قتالية ومراجعة وتطوير وتحسين عقيدة عملياتها الجوية. وبالإضافة إلى اكتساب الخبرة، فإن هذا التفاعل سيمكن الصين أيضًا من تطوير الإنتاج المحلي للمعدات المماثلة في المستقبل وتقليل اعتمادها على الإمدادات الأجنبية قدر الإمكان، مما سيؤدي إلى الاكتفاء الذاتي وزيادة القوة العسكرية الصينية في السيناريوهات التي تمت مناقشتها، وخاصة تطور الأزمة في مضيق تايوان.[3]
في إطار استمرار التعاون التقني والتدريبي بين روسيا والصين، يتمثل الهدف الرئيسي في تعزيز القدرات الجوية لجيش التحرير الشعبي الصيني لتنفيذ عمليات سريعة وفعالة بالقرب من موانئ ومطارات تايوان. وتهدف هذه التفاعلات العسكرية إلى تمهيد الطريق لدخول القوات اللاحقة وتسهيل العمليات المشتركة في حالة الصراع والتوتر في مضيق تايوان. وتُقيّم هذه الجهود على أنها تُعمق العلاقات العسكرية الاستراتيجية بين موسكو وبكين، ويمكنها في حالة حدوث أي أزمة في تايوان أن تلعب دورًا مزدوجًا في تطوير وإدارة العمليات العسكرية مع تهيئة الاستعداد المسبق للتعامل معها.[4] ومع ذلك من الضروري الإشارة إلى أن هذا التفاعل في مجال الأسلحة بين البلدين، بالإضافة إلى تدريب وتعزيز قدرات الصين قد خلق فرصة محتملة ومهمة لموسكو لتمويل الصناعات الدفاعية المتورطة في أزمة أوكرانيا.
لقد أرسلت روسيا إلى الصين معداتٍ بقيمة 584 مليون دولار، مثل مركبات BMD-4M المدرعة، ومدافع Sprut-SDM1 المضادة للدبابات، وحتى أنظمة القيادة المحمولة جواً، وهو ما يُمثل دعماً مالياً بالغ الأهمية لروسيا التي تواجه عقوباتٍ غربية وضغوطاً اقتصادية ناجمة عن هذه العقوبات. إضافةً إلى ذلك تعاونت بكين وشاركت في إنتاج الطائرات المسيرة والمكونات العسكرية من خلال توفير المواد الخام والمعدات التي تحتاجها روسيا. ووفقاً لبعض المصادر وفرت الصين حوالي 90% من واردات روسيا من الإلكترونيات الدقيقة و70% من وارداتها من الأدوات الآلية في عام 2023. [5]وتُعد هذه العلاقات الثنائية وخاصةً في مجال التقنيات المتقدمة دليلاً واضحاً على الترابط وتعزيز العلاقات الاستراتيجية بين البلدين.
يكشف إلقاء نظرة سريعة على جميع جوانب التعاون العسكري الروسي الصيني أن هذه العلاقة تتجاوز مجرد صفقة أسلحة، لتشمل في الواقع نقل معدات متطور وتدريب القوات الخاصة وبناء قدرات جوية للصين، وتعزيز الصناعات الدفاعية الروسية من جهة أخرى. بالنسبة للصين يعني هذا التفاعل اكتساب خبرة عسكرية وتطوير عقيدة جوية، وبناء قدرة على الإنتاج المحلي للمعدات المتطورة. أما بالنسبة لروسيا فبالإضافة إلى تمويل الصناعات الدفاعية المشاركة في حرب أوكرانيا فإنه يزيد من الارتباط الاستراتيجي للصين مع موسكو.
الخلاصة
لا يقتصر هذا التعاون العسكري على تعزيز القدرات الدفاعية والعسكرية للصين فحسب، بل قد يُلقي بظلاله أيضًا على توازن القوى في شرق آسيا، وخاصةً احتمالية التوتر المتعلق بمضيق تايوان، وله آثار استراتيجية واسعة النطاق على الأمن الإقليمي والنظام الدولي[6]. ولا يقتصر دور التعاون بين روسيا والصين على لعب دور مهم في سيناريو السيطرة على تايوان فحسب، بل قد يكون أيضًا أداة مهمة وأساسية لاستعراض بكين قوتها الإقليمية في مواجهة منافسيها الآسيويين والغربيين.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال