تغيرات أمنية جديدة في أوروبا!
379 Views

تغيرات أمنية جديدة في أوروبا!

شهد المشهد الأمني الأوروبي في السنوات الأخيرة تغيرات جذرية مدفوعةً بتقلبات جيوسياسية مع تغير دور الولايات المتحدة وتداعيات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. في ظل هذه الظروف كثّفت لندن وبروكسل جهودهما لإنشاء إطار عمل مستدام للتعاون الدفاعي طويل الأمد. ويسعى الاتفاق المحتمل المسمى "ميثاق الدفاع بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي"، إلى استيعاب ضعف الدور الأمريكي التقليدي في تأمين أوروبا، لا سيما في ظل المخاوف بشأن نهج دونالد ترامب تجاه حلف شمال الأطلسي (الناتو) والتعاون الأمني وعواقبه غير المتوقعة. كما يهدف الاتفاق الجديد إلى الاستجابة للتحديات الأمنية الجديدة في القارة الأوروبية، واعتبار أمن أوكرانيا محورًا رئيسيًا للتعاون، مع تجاوز العقبات الهيكلية والسياسية الناجمة عن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي والتناقضات المؤسسية.

في مايو 2025، خطت المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي خطوةً مهمةً إلى الأمام بإبرام شراكة أمنية ودفاعية في القمة الأولى بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة. ستُسهّل الاتفاقية الحوارَ رفيعَ المستوى المنتظم، والمشاورات الاستراتيجية، والمبادرات المشتركة، وقد تسمح للمملكة المتحدة بالمشاركة في مشاريع دفاعية مُحددة للاتحاد الأوروبي. تُظهر هذه الشراكة التزامًا مُشتركًا بالتصدي للتهديدات المُشتركة، لا سيما الحرب بين روسيا وأوكرانيا وعدم الاستقرار الجيوسياسي العالمي الأوسع. كما تُتيح فرصًا للشركات البريطانية للاستفادة من برنامج قروض المشتريات الدفاعية المُقترح من الاتحاد الأوروبي بقيمة 150 مليار يورو بحيث يكون مرهوناً باستيفاء الشروط.

تعكس هذه الخطوة رغبةً في تجاوز توترات ما بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، والتركيز على المصالح الأمنية المُشتركة، لا سيما مع تزايد الشكوك حول التزام الولايات المتحدة تجاه حلف شمال الأطلسي وسعي أوروبا إلى جانب المملكة المتحدة إلى مُعالجة التهديدات الأمنية، حيث أصبح الأمن الآن قضية رئيسيةً مشتركةً لكلا الجانبين.

ومع ذلك في ظل غياب التكامل المؤسسي الرسمي بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ظهرت تحالفات مرنة مثل فرقة العمل المُشتركة (JTF) ومجموعة الدول الخمس الأوروبية (E5) (فرنسا، ألمانيا، إيطاليا، بولندا، المملكة المتحدة). تُتيح فرقة العمل المُشتركة النشر السريع لهذه القوات لإدارة الأزمات، وتُتيح للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي الاستجابة السريعة للتهديدات دون الحاجة إلى المرور بعمليات بيروقراطية مُطولة. تُركز مجموعة الدول الخمس الأوروبية (E5) على المشتريات المشتركة وتطوير القدرات الدفاعية وتُعزز التعاون بين دول الاتحاد الأوروبي الرئيسية. تُوفر هذه الترتيبات إطارًا عمليًا للتعاون العسكري بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وتُتيح للمملكة المتحدة العمل مع دول الاتحاد الأوروبي في مشاريع مُحددة دون الحاجة للانضمام إلى هياكله. تُعدّ هذه المرونة ضرورية لمواجهة التحديات الأمنية المُلحة مع إدارة القيود المؤسسية. يُساعد هذا على زيادة ديناميكية التعاون ويُعتبر أساسيًا ومهمًا لأوروبا والمملكة المتحدة في المرحلة الراهنة.(1)

علاوة على ذلك يُعد أمن أوكرانيا ركيزةً أساسيةً لاتفاقية دفاعية محتملة بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي. وقد دفعت الحرب في روسيا كلاً من المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى تقديم مساعدات عسكرية ومالية كبيرة لأوكرانيا. وقد استخدم الاتحاد الأوروبي مرفق السلام الأوروبي لتمويل المساعدات العسكرية بينما قدمت المملكة المتحدة الأسلحة والتدريب للمقاتلين الأوكرانيين. وتسعى الشراكة الجديدة إلى تبسيط هذه الجهود وضمان دعم منسق لتلبية احتياجات أوكرانيا الدفاعية. ولن يقتصر هذا التركيز على الاستجابة للتهديدات المباشرة فحسب، بل سيعزز أيضاً قوة الردع الأوروبية ويُظهر التنسيق مع خصوم مثل روسيا.

ومن خلال إعطاء الأولوية لأوكرانيا تسعى المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى تعزيز أمن القارة ومواجهة عدم الاستقرار الجيوسياسي الأوسع. كما يُعدّ برنامج EDTIB حيوياً لتعزيز صناعة الدفاع الأوروبية وتقليل اعتمادها على الموردين الأمريكيين. ويستثني برنامج قروض الاتحاد الأوروبي البالغ 150 مليار يورو لتعزيز برنامج EDTIB الدول غير الأعضاء في الاتحاد الأوروبي مثل المملكة المتحدة ما لم توقع على شراكة أمنية. وقد يسمح اتفاق مايو 2025 للشركات البريطانية بالمشاركة من خلال الاستفادة من صناعة الدفاع البريطانية المتقدمة. يُعدّ تحديث الاتفاقيات، مثل مذكرة التفاهم لعام 2000، لتحديد دور المملكة المتحدة أمرًا أساسيًا لضمان المنافع المتبادلة في المشتريات والبحوث المشتركة.(2)

يُعدّ هذا التكامل أساسيًا لبيئة دفاعية أوروبية متماسكة، على الرغم من أن بعض دول الاتحاد الأوروبي لا تزال حذرة من خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وتداعياته إلا أن جميع الأطراف على ما يبدو تتطلع إلى بناء الثقة وإيجاد حلول مشتركة للتغلب على العقبات. تواجه المملكة المتحدة أيضًا تحديًا معقدًا في موازنة "علاقتها الخاصة" مع الولايات المتحدة بعلاقة استراتيجية جديدة مع الاتحاد الأوروبي. تاريخيًا اعتمدت المملكة المتحدة على الولايات المتحدة من خلال حلف شمال الأطلسي (الناتو)، لكن الشكوك حول التزام الولايات المتحدة في ظل رئاسة ترامب دفعت المملكة المتحدة نحو علاقات أوثق مع الاتحاد الأوروبي. تحتاج المملكة المتحدة إلى طمأنة واشنطن بأن تعاونها مع الاتحاد الأوروبي يُكمّل التحالف عبر الأطلسي، لا أن ينافسه مع إظهار التزامها لبروكسل بالأمن الأوروبي. تتطلب هذه الدبلوماسية الدقيقة تواصلًا واضحًا لمواءمة مصالح جميع الأطراف وتسعى المملكة المتحدة إلى وضع نفسها في قلب هذه العملية للحفاظ على دورها المتوازن.(3)

في نهاية المطاف يُمثل اتفاق الدفاع بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي تحولا محورياً في اتجاهات الأمن الأوروبي، مدفوعا بعدم اليقين بشأن التزام الولايات المتحدة والحاجة المُلِحّة لدعم أوكرانيا. وتسعى المملكة المتحدة إلى خفض إنفاقها الدفاعي مع الحفاظ على نفوذها العالمي، وتعمل على تعزيز العلاقات الثنائية ومتعددة الأطراف. إلا أن نجاح هذه الاستراتيجية غير مؤكد إذ إنها تعتمد على تجاوز العقبات المؤسسية وتجاوز التعقيدات الجيوسياسية.


أمين مهدوي

1- https://www.cer.eu/insights/towards-uk-eu-security-pact
2- https://www.defensenews.com/global/europe/2025/05/19/eu-uk-agree-defense-partnership-as-prelude-to-tighter-cooperation/
3- /https://ecfr.eu/article/channelling-security-a-new-era-for-eu-uk-defence-cooperation
لا توجد تعليقات لهذا المنصب.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال