تغيير ميزان القوى البحري: هل ستُجبر أمريكا على التفاوض مع أنصار الله؟
33 Views

تغيير ميزان القوى البحري: هل ستُجبر أمريكا على التفاوض مع أنصار الله؟

بعد مرور أشهر على بدء حرب غزة الأخيرة، ودخول اليمن المقاوم في طليعة داعمي الشعب الفلسطيني، دخلت المعركة البحرية في البحر الأحمر مرحلة استراتيجية جديدة كليًا.

هذه المرحلة، التي بدأت بتصريح صنعاء الأخير باستهداف أي سفينة متجهة إلى موانئ النظام الإسرائيلي، تتجاوز المواجهة العسكرية البسيطة لتشمل أبعادًا جيوسياسية واقتصادية وقانونية واسعة، شكلت تحديًا للموقف الاستراتيجي للولايات المتحدة وإسرائيل. في الواقع تُعدّ هذه المعركة مظهرًا من مظاهر حرب بحرية غير متكافئة تُشكّل بأقل التكاليف أكبر ضغط على مصالح الغرب والنظام الإسرائيلي.

الانتقال من المواجهة العسكرية إلى الحرب الجيوسياسية
تُشير تهديدات اليمن للسفن المرتبطة بإسرائيل، بغض النظر عن علمها أو جنسيتها، إلى تحول في طبيعة الصراع من حرب تقليدية إلى حرب جيوسياسية. بهذا الإجراء أنشأت صنعاء فعليًا منطقة بحرية محظورة على أي تجارة مع إسرائيل. لا يقتصر تأثير هذه الخطوة على الاقتصاد الإسرائيلي فحسب، بل يمتد ليشمل مجالات مثل الشحن العالمي والتأمين التجاري والقانون الدولي وأمن الطاقة العالمي.

باستهدافها السفن غير الإسرائيلية، لم تعد اليمن تسعى للانتقام من النظام الصهيوني فحسب، بل تهدف أيضًا إلى خلق رافعة قوية ضد داعمي إسرائيل، وخاصة الولايات المتحدة، من خلال تعطيل سلسلة التوريد العالمية. هذا تهديد جيوسياسي جديد يُجبر واشنطن على إعادة النظر في سياساتها.

تحدٍّ مباشر للمصالح الأمريكية
شكّل دخول اليمن في صراع البحر الأحمر تحديًا للأمن التجاري والعسكري الأمريكي. في الماضي كان الدعم الأمريكي لإسرائيل التزامًا سياسيًا وعسكريًا إلى حد كبير. أما الآن فقد أصبح هذا الدعم تهديدًا مباشرًا للمصالح الغربية الحيوية، وخاصة في أزمة الممرات المائية.

تضطر واشنطن إلى التحرك لحماية ممرات الشحن وحرية تدفق التجارة العالمية، لكن هذا الإجراء يعني أيضًا دعمًا علنيًا لخطوط الإمداد الإسرائيلية. وقد وضع هذا الوضع الولايات المتحدة في مأزق استراتيجي ذي تكاليف باهظة في كلتا الحالتين. يُعد الضغط الاقتصادي على الولايات المتحدة من خلال زيادة تكاليف الشحن والتأمين أداةً قويةً تتمتع بها اليمن بموقعٍ جيدٍ لاستغلالها.[1]

القوة الاقتصادية والنفسية لأنصار الله
لقد أظهرت جماعة أنصار الله في اليمن قوةً اقتصاديةً ونفسيةً غير مسبوقة. فمن خلال استهدافها لسفن الشحن التجارية زادت اليمن بشكلٍ كبيرٍ من مخاطر التأمين والتجارة في المنطقة، وأجبرت شركات الشحن على تغيير مسارها عبر رأس الرجاء الصالح.

ورغم زيادة وقت الشحن وتكاليفه، يُعد هذا الإجراء أداة تدميرٍ غير متكافئة تُسبب أكبر قدرٍ من الاضطراب في سلسلة التوريد العالمية بأقل تكلفة. وتُعد هذه الاستراتيجية مثالا على الحرب الهجينة التي تستخدم النفوذ الاقتصادي والنفسي لتحقيق أهدافٍ سياسية.

كما عزز الصراع محور المقاومة كفاعلٍ موحدٍ ومنسقٍ في المنطقة. وقد أثبت اليمن من خلال أفعاله أن محور المقاومة لا يقتصر على الحدود البرية، ويمكنه استخدام الوسائل البحرية للضغط على إسرائيل وداعميها.[2]

تردد واشنطن في تحديد أولوياتها
تواجه الولايات المتحدة الآن معضلة استراتيجية، فمن جهة، يعني استمرار دعمها غير المشروط للنظام الإسرائيلي تحمل تكاليف اقتصادية وأمنية باهظة، ومن جهة أخرى، يعني تقليص دعمها للنظام الصهيوني إضعاف الهيمنة الغربية في الشرق الأوسط.

من المرجح أن تتجه واشنطن نحو الخيارات الدبلوماسية، إذ إن استمرار الصراع البحري مع اليمن لن يُعيق أمن الملاحة فحسب، بل قد يؤدي إلى أزمات اقتصادية أوسع نطاقًا.

البداية الحتمية للاتصالات الدبلوماسية مع صنعاء
دفع توسع عمليات أنصار الله وتأثيرها المباشر على التجارة العالمية وأمن الطاقة واشنطن والقوى الدولية الأخرى إلى قبول حقيقة دور أنصار الله كفاعل مستقل. ورغم أن الاتصالات قد تكون غير مباشرة أو خلف الكواليس، إلا أن إرسال إشارات إلى صنعاء لاحتواء أزمة التجارة العالمية بشكل أكبر يُعدّ أكثر جاذبية.

هذا يعني أن اليمن يدخل ساحة دبلوماسية إقليمية كانت متجاهلة بشكل صارخ في السابق. ويتوقع بعض المحللين الآن أنه في حال استمرار الأزمة، فمن المرجح جدًا أن يتواصل اليمن مع وسطاء مثل عُمان لضمان الأمن البحري.[3]

الخلاصة
تُمثل المرحلة الجديدة من المعركة البحرية اليمنية نقطة تحول في الصراع الإقليمي. بدخولها في الحرب الجيوسياسية، أثبت اليمن أن القوى الصغيرة قادرة أيضًا على تحدي مصالح القوى الكبرى باستخدام وسائل غير متكافئة. لا تُلحق هذه المعركة الضرر باقتصاد وأمن النظام الإسرائيلي فحسب، بل تُضعف أيضًا المكانة الاستراتيجية للولايات المتحدة في المنطقة والعالم، وتضعها في مأزق استراتيجي. ومع استمرار هذا التوجه، يبدو أن الولايات المتحدة ستُجبر في النهاية على قبول دور أنصار الله كلاعب رئيسي في المنطقة وستسعى إلى حلول دبلوماسية لإنهاء هذه الأزمة.



محمد صالح قرباني


[1] https://apnews.com/article/houthi-shipping-attacks-israel-red-sea-002a52ed270245427fbe29a0118c3711
[2] https://globalsecurityreview.com/why-the-houthi-threat-persists
[3] /https://moderndiplomacy.eu/2025/07/29/regional-diplomacy-confronts-the-weaponisation-of-trade-routes
لا توجد تعليقات لهذا المنصب.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال