تمديد الوجود التركي في العراق انتهاك للسيادة وتصعيد للتوتر
وافق البرلمان التركي يوم الثلاثاء الماضي على اقتراح الرئيس التركي بتمديد مهمة القوات المسلحة التركية في العراق وسوريا لثلاث سنوات أخرى أي حتى إلى30 تشرين الأول 2028.
ويُعد هذا التمديد الأطول للمهمة منذ التدخل التركي الأول عبر الحدود في العراق. في السابق كان هذا التمديد يُجرى سنويًا، ولكن تمديد مهمة الأتراك لثلاث سنوات مقبلة رغم تراجع التهديدات ضدهم في شمال العراق يُشير إلى تحول في طبيعة الوجود التركي من رد تكتيكي إلى استقرار استراتيجي، مما يثير تساؤلات حول أهداف تركيا على المدى المتوسط والطويل وسيدفع العراقيين إلى معارضة هذا التمديد.[1]
انتهاك صارخ للسيادة العراقية
يأتي تمديد وجود القوات التركية في العراق في وقتٍ دأب فيه بعض المسؤولين والجماعات العراقية على تأكيد الوجود والاحتلال التركي غير الشرعي لشمال العراق، واعتباره انتهاكًا صارخًا للسيادة العراقية.
ضمن هذا السياق دعا الكاتب والمحلل السياسي قاسم الغراوي الحكومة العراقية إلى اتخاذ موقف دبلوماسي حازم وجاد تجاه الوجود العسكري التركي داخل الأراضي العراقية. ويرى أن ذرائع أنقرة لم تعد مقنعة وأن استمرار وجود قواتها يتعارض مع مبادئ السيادة والعلاقات الدولية المتوازنة بين البلدين.[2]
يتفق كثير من العراقيين مع الغراوي ويعتقدون أن القوات المسلحة العراقية قادرة على حماية أراضيها وحدودها، وأن على الحكومة العراقية اتخاذ خطوات دبلوماسية جادة عبر القنوات الرسمية ومراجعة طبيعة علاقاتها الأمنية مع أنقرة بما يضمن احترام السيادة الوطنية وحماية المصالح المشتركة.
وقد واجهت الحكومة العراقية هذه القضية أزمة سيادية وكان رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني قد دعا تركيا علنًا إلى احترام حدود العراق في السابق لكن هذه التصريحات لم يكن لها تأثير يذكر على العمليات التركية.
تزايد محتمل لعدم الاستقرار في شمال العراق
لدى أنقرة حوالي 136 قاعدة عسكرية في أنحاء إقليم كردستان العراق، بزيادة كبيرة عن 15 قاعدة في عام 2018. إضافةً إلى ذلك أنشأت تركيا منطقة عازلة بعمق 40 كيلومترًا تقريبًا داخل الأراضي العراقية. وتجاوز عدد الغارات الجوية التركية 1000 غارة في عام 2024.
بالإضافة إلى مقتل وإصابة عدد من المدنيين أدت هذه الهجمات إلى نزوح العديد من السكان وإلحاق أضرار بمنازلهم وأراضيهم الزراعية، مما جعل الوضع في هذه المناطق متوترًا وغير مستقر ونتيجةً لذلك تسبب في استياء شديد بين السكان. وقد يؤدي هذا الوضع إلى ميل السكان إلى الأنشطة المسلحة ضد المحتلين، ويوفر مساحة لأنشطة الجماعات المسلحة المعارضة لتركيا.
بالإضافة إلى ذلك وبينما تعجز الحكومة العراقية أو تعجز عن الدفاع عن شعبها ومواجهة العدوان التركي بفعالية، نظمت هذه الجماعات المقاومة الإسلامية العراقية دعمًا لشعبها في السنوات الأخيرة هجمات عديدة ضد مواقع الجيش التركي في شمال العراق لإجبار الأتراك على التراجع. وفي حال تزايد التوتر في العراق فلن يكون من المستبعد أن نتوقع هجمات من قبل مجموعات عراقية مختلفة على مواقع للجيش التركي في شمال العراق.
إجراء غير قانوني بموجب القانون الدولي
تُعدّ العمليات العسكرية التركية على الأراضي العراقية دون موافقة تلك الحكومة انتهاكًا واضحًا للقانون الدولي ونموذجًا للعدوان على الأراضي الوطنية العراقية.
ووصف حيدر عرب رئيس مركز "القمة الدراسات الاستراتيجية" التصريحات التركية الأخيرة حول استمرار وجود قواتها داخل الأراضي العراقية ووصفها بأنها انتهاك واضح للسيادة الوطنية وتعبير واضح عن نوايا توسعية تُقوّض وحدة العراق واستقلاله.
ودعا إلى تقديم شكوى رسمية إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن بشأن استمرار العدوان التركي ومواجهة أي محاولة لإضفاء الشرعية على هذا الوجود العسكري المُخالف للقانون الدولي.
ويعتقد الخبراء العراقيون أن للعراق الحق الكامل في الدفاع عن سيادته وأمنه الوطني بكل الوسائل الدبلوماسية والسياسية وإذا لزم الأمر طرد أي قوات أجنبية غير شرعية من أراضيه بالوسائل العسكرية.
يعتبر محمد الكحلاوي المحلل السياسي والأمني استمرار وجود القوات التركية في شمال العراق انتهاكًا واضحًا للسيادة العراقية واحتلالًا غير شرعي للبلاد، ويرى أن الاتفاقيات السابقة الموقعة بين بغداد وأنقرة تمنع القوات التركية من التدخل داخل العراق دون تنسيق رسمي وموافقة صريحة من الحكومة العراقية.[3]
تأثير سياسي وشعبي سلبي
كان للعدوان التركي المستمر على الأراضي العراقية تأثير سلبي كبير على العلاقات السياسية بين البلدين. فقد أعلن العديد من البرلمانيين والمسؤولين الحكوميين العراقيين مرارًا وتكرارًا انتهاك سيادة بلادهم، ودعوا إلى انسحاب القوات التركية من البلاد. وقد أدى ذلك أيضًا إلى غضب واسع النطاق في أوساط الشعب العراقي تجاه أنقرة، لا سيما الأحزاب والجماعات الكردية والقوميين العراقيين. وقد يضر هذا الاستياء بالتعاون الأمني والاقتصادي والسياسي بين البلدين، ويُضعفه.
في نهاية المطاف، يُعد تمديد العمليات العسكرية التركية في العراق لثلاث سنوات استمرارًا للتأثير الواضح لهذا البلد على الحكومة والشعب العراقيين، والذي كان له تأثير سلبي واسع النطاق على الرأي العام العراقي. إن استمرار العمليات العسكرية التركية قد يؤدي إلى تقليص نفوذها في العراق وحتى المنطقة، ونقل القضايا والمشاكل خارج حدودها إلى داخل البلاد.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال