توماهوك من أجل السلام!
398 Views

توماهوك من أجل السلام!

تسعى الولايات المتحدة خلال العهد الحالي للرئيس ترامب إلى إحياء دورها كقوة عظمى مهيمنة في العالم. وفي ذات السياق تسعى إدارة ترامب إلى تصوير نفسها كمنقذ للدول والشعوب في مختلف مناطق العالم سعيًا لتعزيز شرعيتها. لهذا تُمثل الحرب بين أوكرانيا وروسيا فرصة غنية لهم لتحقيق مآربهم من خلال ممارسة نفوذهم.

قبل توليه السلطة وعد دونالد ترامب مرارًا وتكرارًا بإنهاء الحرب في أوكرانيا فور استلامه. حينها رأى الحل في المفاوضات والاتفاق الاقتصادي مع موسكو وأعلن استعداده للقاء فلاديمير بوتين أيضاً. أما الآن وبعد توليه الرئاسة فقد أدرك أن إنهاء هذه الحرب أكثر تعقيدًا مما كان يظن، وفشلت محاولته الأولية لمنح روسيا تنازلات اقتصادية في تهدئة الأزمة مما دفع البيت الأبيض تدريجيًا إلى اتخاذ مسار جديد.

في هذا السياق قررت الولايات المتحدة في إحدى خطواتها الأخيرة تزويد أوكرانيا بصواريخ توماهوك بعيدة المدى. الحجة الرئيسية وراء هذه الخطوة هي الضغط على موسكو وإجبارها على الجلوس على طاولة المفاوضات؛ لكن في الواقع يُعتبر هذا القرار مقامرة سياسية. والسبب واضح وهو أن صواريخ توماهوك تتطلب بنية تحتية للاستخدام الفعال وهو ما يفتقر إليه الجيش الأوكراني حاليًا. وهذا يتطلب تدخل واشنطن لنقل أنظمة الإطلاق والدعم الفني؛ مما يعني عمليًا حضورًا أمريكيًا مباشرًا أكثر في الحرب.

وقد أثار هذا رد فعل حادًا من الكرملين وحذر المسؤولون الروس من أن مثل هذه الخطوة قد تمحو الخطوط الحمراء بين القوتين النوويتين الرئيسيتين. وفي موسكو يُعتقد أن واشنطن بهذا القرار تزيد في الواقع من خطر المواجهة المباشرة وبالتالي فإن احتمالية رد روسي عسكريًا أو حتى اقتصاديًا عالية جدًا مع الولايات المتحدة.

من ناحية أخرى، لا يبدو أن روسيا تقف مكتوفة الأيدي في مواجهة هذه الضغوط، فقد أثبتت التجربة أن الكرملين بارع في ممارسة ألعاب الاستنزاف. بدءًا من الاستخدام المحتمل للأسلحة النووية التكتيكية ووصولًا إلى استخدام نفوذ الطاقة للضغط على أوروبا، جميعها ضمن نطاق الأدوات التي يمكن لموسكو استخدامها. يتوقع بعض المحللين أيضًا أن روسيا قد تتحدى حدود الناتو أو تزيد من تكاليف استمرار الحرب بالنسبة للغرب من خلال أعمال تخريبية في دول مثل فنلندا أو إستونيا.

هناك أيضًا خلافات حادة داخل الولايات المتحدة والغرب حول هذه السياسة وتعتقد مجموعة من الخبراء ووسائل الإعلام أن إرسال الأسلحة إلى أوكرانيا ليس عملاً سياسيًا فحسب، بل هو أيضًا واجب أخلاقي. على سبيل المثال تجادل صحيفة واشنطن بوست بأن زيادة تكاليف الحرب بالنسبة لروسيا قد تدفع بوتين نحو التسوية وأنه لا ينبغي للولايات المتحدة أن تقتصر على هذا الاتجاه.

ولكن من ناحية أخرى تحذر وسائل إعلام مثل صحيفة نيويورك تايمز من أن إرسال صواريخ متطورة مثل توماهوك قد يدفع الولايات المتحدة إلى صراع مباشر مع روسيا؛ وهو صراع من وجهة نظرهم لن يكون خطيرًا فحسب بل كارثيًا أيضًا وسيفرض تكاليف سياسية واقتصادية باهظة على الحكومة.

وبالمثل من الواضح أنه لا يوجد إجماع كامل في واشنطن حول كيفية دعم أوكرانيا ويُصرّ البعض على استراتيجية الضغط العسكري لتحقيق السلام، بينما يرى آخرون أنها لعبة خطيرة قد تُفاقم زعزعة استقرار النظام العالمي. وعلى أي حال ستكون سياسة إدارة ترامب الجديدة تجاه روسيا وأوكرانيا اختبارًا صعبًا ستؤثر نتيجته على مستقبل العلاقات بين القوتين ومسار الحرب التي لا تزال تُخيّم على أوروبا. [1]

إضافةً إلى ذلك هناك غموضٌ عملياتيٌّ بشأن مخزون هذه الصواريخ، وأنظمة إطلاقها وأولوية استخدامها. لم تُعلن إدارة ترامب عن العدد الدقيق لهذه الصواريخ وقالت إن إعادة إمدادها في حال إرسالها إلى أوكرانيا سيستغرق وقتًا طويلًا وقد يُشكّل خطرًا استراتيجيًا على الولايات المتحدة، نظرًا لحاجتها إلى هذه الصواريخ للعمل في المياه الدولية. كما تُشكّل الطبيعة الحساسة لتقنية توجيه صواريخ توماهوك، إلى جانب الحاجة إلى الدعم اللوجستي والاستهداف الدقيق من قِبل الجيش الأمريكي، مخاطر أمنية جسيمة على تخزين أوكرانيا واستخدامها لهذه الصواريخ. وقد شكك الكرملين علنًا في مشاركة أفراد عسكريين أمريكيين بشكل مباشر في إطلاق الصواريخ مسلطًا الضوء على خطر رد روسي على أهداف يُعتقد أنها مرتبطة بأصول أو أفراد تابعين لحلف الناتو في أوكرانيا. يتطلب توفير الأمن العملياتي اللازم لنشر سلاح بهذه الأهمية الاستراتيجية على الأراضي الأوكرانية دقةً وبعد نظر إذ قد يتضرر الغرب بشدة حتى لو كان هامش الخطأ بسيطاً.[2]

في النهاية يبدو أن ترامب يسعى إلى تحقيق السلام من خلال القوة وزيادة الإنفاق الروسي، على أمل أن يُقنع بوتين، من خلال تذكيره بأن المزيد من التدخل الأمريكي سيُضعف روسيا وذلك بتبني رؤية أكثر جدية لإنهاء الحرب. وهو أمر إن حدث سيُمثل فوزًا استراتيجيًا للولايات المتحدة وسيُمكّنها من التفكير بسهولة أكبر في احتواء الصين. لذلك يبدو أن توفير صواريخ توماهوك هو بمثابة تحذير لروسيا أكثر منه فكرة عملية، ويسعى ترامب إلى حل المشكلة من خلال الحوار وتقديم تنازلات للأطراف وسيُظهر الوقت جدية الأطراف في حل النزاع وما إذا كان السلام سيُطبق بالقوة أم لا.


محمد مهدي إسماعيل خانيان


[1] Trump Says He May Give Tomahawks to Ukraine. Is He Bluffing? - The New York Times
[2] Trump, Putin to meet: Will Ukraine get US Tomahawks or not? | Russia-Ukraine war News | Al Jazeera
لا توجد تعليقات لهذا المنصب.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال