جبهات متعددة وأسلحة متنوعة والهدف واحد، استراتيجية إيران المشتركة ضد إسرائيل
إن حرب الإثني عشر يوماً الأخيرة بين إيران والكيان الصهيوني تعتبر نقطة تحول في المعادلات العسكرية والأمنية في المنطقة. ولم يُظهر هذا الصراع أبعادًا جديدة للقدرات العسكرية الإيرانية فحسب، بل كشف أيضاً عن نقاط ضعف البنية الدفاعية الإسرائيلية وخاصةً منظومة القبة الحديدية باهظة الثمن.
ما لفت انتباه المحللين في هذه المواجهة لم يكن صراعًا تقليديًا، بل هجمات إيرانية مشتركة ومتزامنة، مما أظهر قوة طهران العسكرية متعددة المستويات والمجالات، التي واجهت النظام الصهيوني على عدة جبهات وفي أبعاد عسكرية وجوية وسيبرانية وإلكترونية مختلفة.
قوة هجومية دقيقة ومتعددة المصادر
من أبرز سمات هذا الصراع إظهار قوة إيران الهجومية الدقيقة ومتعددة المصادر. لقد شهدنا في هذه الحرب إطلاقاً متزامناً لصواريخ بعيدة المدى وصواريخ دقيقة التوجيه من مناطق مختلفة من الأراضي الإيرانية الشاسعة. وبالإضافة إلى إيران استهدف حلفاؤها الإقليميون وخاصة اليمن أجزاءً مختلفة من الأراضي المحتلة خلال الحرب. وقد أدت هذه الاستراتيجية إلى تعطيل وتحييد البنية الدفاعية الإسرائيلية، بما في ذلك منظومتا القبة الحديدية ومقلاع داوود لدرجة كبيرة.
يعتقد المحللون العسكريون أن هدف هذه الهجمات متعددة الأوجه كان خلق حالة من التشبع الدفاعي والارتباك في أنظمة القيادة والسيطرة الإسرائيلية. وفي الوقت نفسه مع إطلاق الصواريخ بكثافة وبشكل منسق من اتجاهات مختلفة، واجهت أنظمة الرادار الإسرائيلية تحديات جسيمة في اكتشاف واعتراض كل قذيفة. وقد حرم هذا التكتيك دفاعات إسرائيل من فرص حيوية لاتخاذ القرار والاستجابة في الوقت المناسب، وأدى إلى مرور عدد كبير من الصواريخ وإصابة أهدافها المحددة مسبقًا.
تشير التقارير إلى أن البنية التحتية الحيوية والمراكز العسكرية الاستراتيجية في عمق إسرائيل تعرضت لضربات دقيقة، مما تسبب في أضرار جسيمة. وقد تحدى هذا النوع من الهجمات المفهوم التقليدي للدفاع الجوي، وأظهر كيف يمكن التغلب حتى على أكثر أنظمة الدفاع تطورًا من خلال نهج ذكي ومنسق.(1)
عمليات الطائرات المسيرة الضخمة والذكية
إلى جانب الهجمات الصاروخية، لعبت عمليات الطائرات المسيرة الضخمة والذكية التي شنتها إيران دورًا محوريًا في نجاح هذه الهجمات. فقد شكلت عشرات الطائرات المسيرة الذكية، وخاصة طرازي "شاهد" و"مهاجر"، التي حلقت على ارتفاعات وسرعات مختلفة، تحديًا خطيرًا لأنظمة الدفاع الإسرائيلية. ولم تقتصر هذه الطائرات على كونها منصات إطلاق رخيصة للهجمات الانتحارية أو الاستطلاعية فحسب، بل استُخدمت أيضًا كأفخاخ لتضليل أنظمة الدفاع واستنزاف مخزون النظام من الصواريخ الاعتراضية باهظة الثمن.
وتشير التقارير الميدانية وتحليلات صور الأقمار الصناعية إلى أن هذه الطائرات المسيرة نجحت في اختراق أنظمة الدفاع واستهداف مراكز عسكرية واقتصادية وبنية تحتية حساسة في إسرائيل. وقد أدت تكلفة اعتراض كل طائرة مسيرة بصواريخ القبة الحديدية مقارنةً بتكلفة تصنيعها إلى صراع اقتصادي غير متكافئ في البعد العسكري انتهى لصالح إيران.(2)
الحرب السيبرانية والخداع الإلكتروني
شكّلت الحرب السيبرانية والخداع الإلكتروني بُعدًا حاسمًا في الصراع لم يُغطَّ جيدًا. قبل الهجمات الجوية وأثناءها، شنّت إيران هجمات سيبرانية متطورة على بنى تحتية إسرائيلية حيوية، وخاصةً أنظمة الإنذار والقيادة مما تسبب في اضطراب واسع النطاق. لم تقتصر هذه الهجمات على تعطيل بعض أنظمة الرادار والاتصالات مؤقتًا، بل أبطأت أيضًا ردود فعل العدو وجعلتها غير فعّالة من خلال حقن معلومات مضللة وخداع إلكتروني.
وردت تقارير عن هجمات سيبرانية على خوادم عسكرية وحكومية رئيسية، وهجمات تصييد احتيالي استهدفت أفرادًا دفاعيين رئيسيين، وانتشار برمجيات خبيثة على شبكات حساسة. عطّلت هذه العمليات السيبرانية قدرة مختلف الوحدات العسكرية الإسرائيلية على تبادل معلومات دقيقة وفي الوقت المناسب، مما أفاد القوات المهاجمة.
في بعض الحالات، غُمرت أنظمة الإنذار المبكر بمعلومات مضللة، مما تسبب في إهدار ذخائر دفاعية على أهداف غير واقعية. أظهر هذا البُعد من الصراع أن الحرب الحديثة حاسمة ليس فقط في البعد المادي، بل أيضًا في المجالين الافتراضي والإلكتروني، وقد حققت إيران قدرات كبيرة في هذا المجال أيضًا.(3)
تنسيق كامل مع محور المقاومة
كان التنسيق الكامل مع محور المقاومة أحد العوامل الرئيسية لنجاح إيران في هذه الحرب. وقد تجاوز هذا التنسيق تبادل المعلومات والدعم اللوجستي، ليصبح تآزرًا عسكريًا غير مسبوق. بالتزامن مع هجمات إيران أشعل حلفاء إيران جبهة العدو من جهات متعددة. اشتبكت هذه العملية المنسقة مع قوات الدفاع الإسرائيلية على جبهات متعددة، وحرمتها من القدرة على التركيز على جبهة محددة.
على سبيل المثال، بينما كانت إيران تهاجم إسرائيل من الشرق، شكّلت جماعة أنصار الله في اليمن تهديدًا لإسرائيل من الجنوب بهجماتها بالطائرات المسيرة والصواريخ بعيدة المدى.
الدفاعات المحلية الفعّالة
في حين حققت إيران نجاحاتٍ كبيرة على الصعيد الهجومي، برزت قدراتها الدفاعية أيضًا في هذا الصراع. وقد تمكّن دفاع إيران المحلي الفعّال، باستخدام أنظمة متطورة مثل "باور 373" و"سوم خرداد"، من احتواء الهجمات المضادة للنظام الصهيوني. وقد تمكّنت هذه الأنظمة، المحلية بالكامل ذات قدرات اعتراض دقيقة وتغطية إقليمية واسعة من تدمير جزء كبير من الصواريخ والطائرات المسيّرة التي أطلقتها إسرائيل.
تشير التقارير إلى أن جهود إسرائيل للرد على الهجمات الإيرانية قد أُحبطت إلى حد كبير بفضل نجاح أنظمة الدفاع المحلية الإيرانية. ولم يقتصر هذا على منع أضرار جسيمة للبنية التحتية الإيرانية، بل عزز أيضًا الثقة المحلية والإقليمية بقدرات إيران الدفاعية.
وقد أثبتت هذه الأنظمة الدفاعية، التي كانت محط اهتمام وسائل الإعلام الغربية وسخرية منها لسنوات، قدراتها عمليًا، وأظهرت أن إيران قد حققت اكتفاءً ذاتيًا وكفاءةً مقبولتين في مجال الدفاع الجوي.(4)
الخلاصة، أظهرت حرب الاثني عشر يومًا الأخيرة مع الكيان الصهيوني بوضوح أن إيران أصبحت قوة عسكرية متعددة المستويات والمجالات، تتجاوز قدراتها التصورات السابقة. وقد وفّر الجمع بين الصواريخ الدقيقة والطائرات المسيرة الذكية، إلى جانب الحرب السيبرانية والتآزر غير المسبوق مع محور المقاومة، لإيران بنية دفاعية وهجومية فعّالة.
هذه الحرب ليست انتصارًا عسكريًا لإيران ومحور المقاومة فحسب، بل هي أيضًا تحذيرٌ جدّي لجميع الأطراف الإقليمية والدولية بأن عهد الحكم المطلق لقوةٍ معينة في هذه المنطقة قد ولّى. ولا شك أن المستقبل العسكري للمنطقة سيتأثر بهذا الاستعراض للقوة العسكرية الإيرانية متعددة الأوجه، وسيتطلب مراجعةً لاستراتيجيات الدفاع والأمن.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال