في مشروع قانون ميزانية الدفاع لعام ٢٠٢٦ برهنت الحكومة الأمريكية مجددًا على سياساتها الإمبريالية بموافقتها على تقديم ٥٠٠ مليون دولار كمساعدات لأوكرانيا. هذا الإجراء الذي يُبرَّر تحت عنوان "الدفاع عن الديمقراطية"، هو في الواقع خطوة أخرى لمواصلة حروب الغرب في أوروبا الشرقية وتعزيز تجارة الحرب. بهذا القرار لا تتجاهل واشنطن أزماتها الداخلية فحسب بما في ذلك المشاكل الاقتصادية والاجتماعية بل تُفاقم أيضًا عدم الاستقرار العالمي بتسليح المنطقة لتحقيق مصالح جيوسياسية.
استمرار السياسة الأمريكية في إثارة الحروب وافتعال الأزمات
تعكس الزيادة الكبيرة في المساعدات الأمنية لأوكرانيا في جوهرها، الاستراتيجية الأمريكية الأعمق لإضعاف روسيا وتوسيع نفوذها العسكري على حدودها. هذه المساعدات ليست مصممة فقط للدفاع عن الشعب الأوكراني، بل أيضًا كأداة في لعبة جيوسياسية أوسع.
الهدف الرئيسي هو إضعاف الخصم وخلق حالة من عدم الاستقرار في المنطقة لتعزيز الأهداف الاستراتيجية لواشنطن. هذا النهج رمزٌ للسياسة الإمبريالية الأمريكية، حيث تُحدد المصالح الوطنية لأي دولة من خلال إشعال الصراعات واستمرارها في أجزاء أخرى من العالم.
يؤدي استمرار الدعم العسكري هذا إلى إطالة أمد الحروب، مما يخدم بدوره مصالح شركات الحرب والصناعات العسكرية الأمريكية. ومع تفاقم الصراعات وطول أمدها، يزداد الطلب على الأسلحة والمعدات العسكرية وتجني شركات الأسلحة وجماعات الضغط الحربية أرباحًا طائلة. تُظهر هذه الحلقة المفرغة بوضوح إعطاء الأولوية للمصالح الاقتصادية والجيوسياسية على حساب الأرواح البشرية والسلام المستدام [1].
خداع الرأي العام بذريعة الدفاع عن الديمقراطية
في الوقت الذي يُعاني فيه الشعب الأمريكي من أزمات اقتصادية وصحية واجتماعية متعددة، يُصبح تخصيص مليارات الدولارات لحرب خارجية أمرًا مشكوكًا فيه. تحاول الحكومة الأمريكية خداع الرأي العام بشعارات خادعة مثل "الدفاع عن الحرية" و"دعم الديمقراطية". هذه الشعارات هي غطاء لإخفاء الحقيقة القاسية المتمثلة في تخصيص موارد ضخمة لحرب لا نهاية لها، حرب لا تعود منافعها إلا على الصناعات العسكرية وجماعات الضغط الحربية. في حين أن البنية التحتية المحلية الأمريكية بحاجة إلى إصلاحات واستثمارات كبيرة، فإن إعطاء الأولوية للصراعات الخارجية يكشف عن تناقض كبير. يُظهر هذا التناقض أن ادعاءات الدفاع عن القيم الديمقراطية ليست سوى وسيلة لتبرير التدخلات الخارجية والمصالح الخفية. في الواقع يُظهر هذا النهج ازدواجية معايير حقوق الإنسان حيث تُستخدم حقوق الإنسان كأداة للتدخل، بينما تُتجاهل التحديات الإنسانية والاجتماعية الأساسية في الداخل [2].
تعزيز تسليح أوكرانيا؛ يعني المزيد من تدمير المنطقة
إن المساعدات الأمنية الأمريكية لأوكرانيا لا تُوقف الحرب فحسب، بل إنها تُفاقم الصراع والخسائر البشرية والدمار من خلال تعزيز قدراتها العسكرية. إن تسليح المنطقة لتحقيق مصالح جيوسياسية هو سياسة حوّلتها فعليًا إلى ساحة تجارب للأسلحة الغربية. فبدلًا من تخفيف التوترات، أدى هذا النهج إلى تفاقم العنف وعدم الاستقرار.
تتجاوز عواقب هذه السياسة الخسائر المباشرة والدمار المادي. إن موجة الهجرة والنزوح الهائلة والأزمات الإنسانية الناجمة عن هذه الصراعات مرتبطة ارتباطًا مباشرًا بسياسات التسلح. فبدلًا من أن تُفضي إلى حل سلمي، تُغذي هذه المساعدات آلة الحرب وتُفاقم دائرة العنف.[3]
النفاق في السياسة الخارجية الأمريكية
بينما تُردد الولايات المتحدة شعار حقوق الإنسان والسلام فإنها تُسهم عمليًا في تأجيج الحرب وعدم الاستقرار وإراقة الدماء من خلال تسليح دولة في حالة صراع. هذا النهج جزء من النفاق الأمريكي وازدواجية المعايير في سياستها الخارجية. كيف يمكن للمرء أن يدّعي الدفاع عن السلام وفي الوقت نفسه المساعدة في توسيع نطاق الحرب؟ هذا التناقض الواضح يضر بمصداقية أمريكا على الساحة الدولية ويزيد من انعدام الثقة العالمي بنواياها الحقيقية.
تتجلى هذه الازدواجية أيضًا في أجزاء أخرى من العالم، حيث تُسلح واشنطن، بذرائع مماثلة الأطراف المتورطة في النزاعات، وبدلاً من التوسط ومحاولة حل النزاعات سلميًا، تُساهم في تصعيدها. تؤدي هذه السياسة في نهاية المطاف إلى عدم الاستقرار الإقليمي والعالمي وتجعل آفاق السلام أكثر قتامة.[4]
التلاعب بالنظام الدولي لتحقيق المصالح الإمبريالية
إن الهدف النهائي لواشنطن من هذه المساعدة ليس الدفاع عن دولة مستقلة، بل محاصرة وإضعاف أي قوة تُعارض الهيمنة الأمريكية؛ سواء في أوكرانيا أو غرب آسيا أو شرقها. يعكس هذا النهج السياسة الإمبريالية للولايات المتحدة، التي تسعى إلى التلاعب بالنظام الدولي للحفاظ على هيمنتها. بدلاً من قبول نظام متعدد الأقطاب تسعى واشنطن إلى الحفاظ على هيمنتها الأحادية القطبية، وتستخدم جميع الوسائل، بما في ذلك الحروب بالوكالة وتسليح المناطق المتنازعة لتحقيق هذا الهدف.
تُعدّ إثارة الغرب للحرب في أوكرانيا مثالاً واضحاً على هذه المحاولة لاحتواء وإضعاف القوى المتنافسة. فبدلاً من تعزيز التعاون والتعايش السلمي، تؤدي هذه السياسة إلى تأجيج التنافس الجيوسياسي والتوترات الدولية. وينتج عن هذا النهج عالم أكثر اضطراباً وخطورة، تُفضّل فيه مصالح القوى العظمى على أمن الدول ورفاهها.
الخلاصة
إن زيادة المساعدات الأمنية الأمريكية لأوكرانيا بمقدار 500 مليون دولار في مشروع قانون ميزانية الدفاع لعام 2026 ليست إجراءً دفاعياً، بل استمراراً للسياسات العدوانية والإمبريالية للولايات المتحدة. ويُظهر هذا القرار بوضوح إعطاء الأولوية للمصالح الجيوسياسية والاقتصادية على السلام والاستقرار العالميين. إن تضليل الرأي العام بشعارات الديمقراطية الزائفة، والنفاق الأمريكي في السياسة الخارجية وسياسة الحرب هي القوى الدافعة وراء هذه السياسات.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال