حزب العمال يسعى لمصلحة ذاتية أم لمصلحة وطنية؟
870 Views

حزب العمال يسعى لمصلحة ذاتية أم لمصلحة وطنية؟

تعتبرُ خطة "شركة الطاقة البريطانية العظمى" (GBE)، التي كشف عنها حزب العمال إحدى الركائز الأساسية لرؤية الحزب لمعالجة أزمة الطاقة في المملكة المتحدة والانتقال إلى مستقبل يعتمد على الطاقة النظيفة. تهدف الخطة وهي لشركة حكومية مقرها اسكتلندا، إلى قيادة المملكة المتحدة نحو كهرباء خالية من الكربون بحلول عام 2030 من خلال الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة، وخلق فرص عمل وخفض فواتير الطاقة. إلا أن الخطة واجهت انتقادات لاذعة، حيث يرى المنتقدون أنها تُركز على الترويج السياسي أكثر من الحلول العملية، وتتجاهل الاحتياجات العامة المُلحة بل وتُشكّل تحديًا لسوق الطاقة.

تُقدّم خطة "شركة الطاقة البريطانية العظمى" كسياسة استراتيجية لتحويل المملكة المتحدة إلى "قوة عظمى في مجال الطاقة النظيفة"، ويتم تمويلها من خلال زيادة ضريبية قدرها 8.3 مليار جنيه إسترليني على مُشغّلي النفط والغاز في بحر الشمال، مما يرفع معدل ضرائبهم من 75% إلى 78%. تهدف إلى الاستثمار في الطاقة المتجددة مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية وطاقة المد والجزر وخلق 53000 وظيفة في مجال الطاقة النظيفة، بالإضافة إلى خفض فواتير الطاقة المنزلية بما يصل إلى 300 جنيه إسترليني سنويًا.(1)

ومع ذلك، أثار عدم وجود خارطة طريق مالية وفنية مفصلة شكوكًا حول جدواها. على سبيل المثال، لا يزال التوقيت والآليات المحددة لتحقيق الأهداف الطموحة للخطة غامضة، مما دفع البعض إلى اعتبارها لفتة استعراضية لجذب الانتباه الانتخابي. أشار مقال نُشر عام 2022 في صحيفة نيو ستيتسمان إلى أن 72٪ من الناخبين المحافظين في عام 2019 سيدعمون شركة طاقة مملوكة للدولة، مما يشير إلى أن جاذبية GBE صُممت استراتيجيًا لجذب مجموعة واسعة من الناخبين. يعزز عدم وجود نتائج ملموسة على المدى القصير التصور بأن GBE تدور حول الإعلان أكثر من معالجة أزمة الطاقة المباشرة.(2)

أيضًا، مع مواجهة ملايين الأسر البريطانية لفقر الطاقة وارتفاع فواتير الطاقة، تعرض تركيز GBE على أهداف الطاقة النظيفة طويلة الأجل لانتقادات لتجاهلها الاحتياجات العامة الفورية. أدت أزمة غلاء المعيشة إلى تفاقم الضغوط المالية، ومع ذلك خصص حزب العمال 8.3 مليار جنيه إسترليني لمشروع ذي فوائد قصيرة الأجل غير مؤكدة، بدلاً من الاستثمار في تدابير فورية مثل دعم الطاقة أو برامج عزل المنازل. يمكن لهذه البدائل أن تخفف بشكل مباشر العبء عن الأسر التي تعاني من ارتفاع تكاليف الطاقة بشكل كبير.(3)

كما وصف حزب الخضر استثمار 8.3 مليار جنيه إسترليني لتحقيق كهرباء خالية من الكربون بحلول عام 2030 بأنه غير كافٍ، وأشار إلى أن حزب العمال قد خفض ميزانيته الخضراء الأوسع بحلول أوائل عام 2024، مما يشير إلى أن مشروع الطاقة الخضراء قد لا يحقق بالكامل أهداف المناخ طويلة الأجل ولا يعالج التحديات الاقتصادية الفورية بفعالية، مما يترك الأسر عرضة للخطر بينما تُحوّل الموارد نحو مشروع غامض.(4)

أثار إنشاء شركة طاقة مملوكة للدولة ومقترح زيادة الضرائب على عائدات النفط مخاوف بشأن اضطراب السوق وثقة المستثمرين. ويحذر خبراء الطاقة من أن برنامج GBE قد يزيد من البيروقراطية ويُثبط الاستثمار الخاص الضروري لتوسيع البنية التحتية للطاقة المتجددة. واتهم الحزب الوطني الاسكتلندي حزب العمال بتعريض آلاف الوظائف في اسكتلندا للخطر من خلال وقف تصاريح النفط والغاز الجديدة وزيادة الضرائب، مما قد يُزعزع استقرار قطاع الطاقة. وتشير التقديرات إلى أن هذه السياسات قد تؤدي إلى فقدان ما يصل إلى 100 ألف وظيفة، لا سيما في قطاع النفط والغاز الاسكتلندي.(5)

كما وصف المحافظون برنامج GBE بأنه برنامج غير ممول وله "تأثير فوري" على تكاليف الطاقة، مجادلين بأنه قد يزيد من زعزعة استقرار السوق. وتُسلط هذه الانتقادات الضوء على إمكانية أن يُثير برنامج GBE حالة من عدم اليقين ويُثبط مشاركة القطاع الخاص، وهي مشاركة أساسية في عملية التحول في مجال الطاقة في المملكة المتحدة. داخل حزب العمال أيضًا، كشف مشروع الطاقة العالمي عن انقسامات داخلية، حيث أقرّ بعض الأعضاء سرًا بأن الخطة مصممة لجذب الرأي العام أكثر من كونها سياسة حازمة. قد يُقوّض هذا النقص في التوافق تطبيق مشروع الطاقة العالمي. كما تُشير الانتقادات الداخلية والخارجية إلى أن تطوير مشروع الطاقة العالمي يُعيقه نقص الدعم الموحد داخل حزب العمال وبين حلفائه، مما قد يُضعف فعاليته.

تُقدّم الأمثلة العالمية لشركات الطاقة المملوكة للدولة دروسًا تحذيرية لمشروع الطاقة العالمي. مثل تأميم شركة كهرباء فرنسا (EDF)، التي غالبًا ما يستشهد بها كنموذج يُحتذى به بالكامل في عام 2022 لضمان سيادة الطاقة والتحكم في الأسعار في ظل ارتفاع تكاليفها. ومع ذلك واجهت شركة كهرباء فرنسا (EDF) تحديات كبيرة، بما في ذلك ارتفاع الديون ومشاكل تشغيلية، حيث خرج نصف أسطولها النووي عن الخدمة بحلول عام 2022 بسبب الصيانة.

وبالمثل تعرضت شركة بهارات للطاقة الهندية لانتقادات بسبب عدم الكفاءة والفساد، مما يُسلّط الضوء على مخاطر سوء الإدارة في الشركات المملوكة للدولة. تشير هذه الأمثلة إلى أن برنامج الطاقة العالمي، بميزانيته الصغيرة نسبيًا والبالغة 8.3 مليار جنيه إسترليني، قد يواجه تحديات مالية وتشغيلية مماثلة.

وأخيرًا، تجدر الإشارة إلى أن المملكة المتحدة تمر حاليًا بمرحلة استراتيجية في مجال الطاقة. تُشكل الأهداف الطموحة لخفض انبعاثات الكربون بحلول عام 2030 والضغوط لمعالجة فقر الطاقة والقيود المالية، مجموعة معقدة من التحديات لصانعي السياسات. إذا افتقرت برامج مثل برنامج الطاقة العالمي إلى الشفافية والتنسيق مع الجهات الفاعلة الأخرى في سوق الطاقة، فقد لا تُحقق المملكة المتحدة أهدافها البيئية فحسب، بل قد تفقد أيضًا ثقة الجمهور وتمويله. تحتاج المملكة المتحدة إلى استراتيجية واضحة وتخصيص صحيح للموارد وتوافق سياسي للتغلب على هذه الأزمة؛ وإلا فإن الوعود الفارغة ستتلاشى بسرعة وستستمر أزمة الطاقة.


أمين مهدوي

1- /https://labour.org.uk/change/make-britain-a-clean-energy-superpower
2- /https://www.gasworld.com/story/labour-party-targets-hydrogen-and-ccs-in-new-great-british-energy-policy/2139498.article
3- /https://www.politico.eu/article/labour-party-energy-company-uk-election-keir-starmer
4- https://www.instituteforgovernment.org.uk/comment/spending-review-2025
5- https://theconversation.com/what-we-know-so-far-about-labours-plan-for-great-british-energy-231408
لا توجد تعليقات لهذا المنصب.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال