خطة ترامب للسلام خطةٌ لترسيخ الاحتلال أم طريق للسلام؟
1057 Views

خطة ترامب للسلام خطةٌ لترسيخ الاحتلال أم طريق للسلام؟

وجّه دونالد ترامب انتباه العالم مجددًا إلى الصراع المزمن بين فلسطين وإسرائيل وذلك بإعلانه عن نسخة جديدة من خطته للسلام في الشرق الأوسط، وقد قوبلت الخطة التي تَعِدُ بإنهاء القتال وبدء فترة من الازدهار الاقتصادي لغزة عمليًا بموجة من التشاؤم والمعارضة الشديدة من قبل الفلسطينيين ومن العديد من الدول العربية.

هذه المعارضة لم تأتي من عناد بل من تحليل عميق لبنية الخطة وأهدافها وعواقبها، والتي بدلًا من أن تُشبه خارطة طريق للسلام تُشبه وثيقة لترسيخ الاحتلال الصهيوني وتجاهل الحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني.

الأحادية وتجاهل الطرف الرئيسي
من أهم الانتقادات الموجهة لخطة ترامب للسلام هي أحادية الجانب وإهمال الفلسطينيين في عملية صياغة الخطة. نُسِّقت الخطة إلى حد كبير بين إسرائيل والولايات المتحدة، ولم يكن للفلسطينيين بصفتهم الأطراف الرئيسية في الصراع، دورٌ حاسم فيها. هذا الوضع جعل الخطة تبدو أقرب إلى ترسيخ الاحتلال الصهيوني منها إلى سلام حقيقي.

في حين لعب الفلسطينيون تاريخيًا دورًا محوريًا في مفاوضات السلام إلا أن حقوقهم ومصالحهم تجاهلت عمليًا في خطة ترامب. كما لم يكن هناك التزام واضح بإنهاء الاحتلال الصهيوني أو تحرير الأراضي الفلسطينية مما زاد بشكل كبير من عدم ثقة الفلسطينيين بالخطة.[1]

تجاهل جذور الأزمة
من نقاط الضعف الرئيسية الأخرى في خطة ترامب للسلام تجاهلها لجذور الأزمة الفلسطينية. تُركز الخطة على إعادة إعمار غزة وإدارتها لكن القضية الرئيسية وهي الاحتلال الصهيوني وحصار غزة، مُهمَّشة في الخطة. كما تم تجاهل توسيع المستوطنات الصهيونية في الضفة الغربية تمامًا.

في الواقع لا تتضمن خطة ترامب أي خطة لوقف عمليات الاحتلال هذه، ويبدو أنها تُركز أكثر على تعزيز موقف النظام الإسرائيلي وإضفاء الشرعية على أفعاله في الأراضي المحتلة. بينما يسعى الفلسطينيون إلى إنهاء الاحتلال وإعمال حقوقهم، بما في ذلك إقامة دولة فلسطينية مستقلة تجاهلت خطة ترامب هذه المطالب تمامًا.

غياب ضمانات التنفيذ
ومن الانتقادات الأخرى لخطة ترامب للسلام غياب ضمانات التنفيذ. فرغم أن الخطة تشير ظاهريًا إلى وقف بناء المستوطنات الإسرائيلية وانسحابها التدريجي من بعض المناطق، إلا أنها تفتقر إلى آلية عملية لإجبار إسرائيل على تنفيذ هذه الالتزامات.

وهذا ما جعل خطة ترامب تبدو غير موثوقة وتفتقر إلى القدرة على التنفيذ في نظر العديد من المحللين والسياسيين. فبدون الضمانات الدولية والضغط اللازم من المنظمات الدولية، لا يمكن للخطة أن تؤدي حقًا إلى سلام دائم.[2]

إنهاء المقاومة وتجاهل حق العودة
تركز خطة ترامب للسلام أيضًا على تصفية حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية الأخرى، دون معالجة الأسباب الجذرية لظهور المقاومة وشعبيتها. نشأت المقاومة الفلسطينية وخاصة في غزة ردًا على سنوات من الاحتلال الصهيوني والقمع الذي تعرض له الشعب الفلسطيني.

لا ترمز هذه الفصائل إلى مقاومة الاحتلال الصهيوني فحسب، بل يعتبرها الكثير من الفلسطينيين ممثلين حقيقيين لهم في مواجهة النظام الإسرائيلي. إن تجاهل هذه الفصائل وإقصائها من عملية التفاوض دفع الكثير من الفلسطينيين إلى اعتبار الخطة غير مقبولة ومرفوضة.

إضافةً إلى ذلك، همّشت خطة ترامب حق عودة اللاجئين الفلسطينيين. صحيح أن ملايين الفلسطينيين الذين هُجّروا من ديارهم نتيجة الحروب والاحتلالات لهم الحق في العودة إلى ديارهم، إلا أن خطة ترامب تُهمّش هذه القضية أو تُؤجّل إلى مستقبل مجهول. تُعد هذه القضية من أكثر القضايا حساسية في عملية السلام وترتبط ارتباطًا مباشرًا بهوية الشعب الفلسطيني وحقوقه. [3]

البدائل المقترحة
في مقابل هذه الخطة المفروضة يبحث النقاد والمحللون الفلسطينيون والدوليون عن حلول حقيقية في أطر أخرى. يكمن الحل الجذري في الالتزام بالقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة التي تؤكد على إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية. ويتحدث آخرون عن نموذج الدولة الديمقراطية لجميع المواطنين بحقوق متساوية.

إلا أن تحقيق أيٍّ من هذه الحلول يتطلب أدوات ضغط فعّالة. في غضون ذلك يلعب عاملان أساسيان: أولًا تحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية، فطالما ظلت الفصائل الفلسطينية منخرطة في صراعات داخلية فلن تتمكن من تشكيل جبهة موحدة وقوية في وجه الضغوط الخارجية.

ثانيًا، زيادة الضغط الجماهيري العالمي من خلال الحركات المدنية والشعبية مثل حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS). على غرار النضال ضد نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، تسعى هذه الحركات إلى زيادة التكلفة السياسية والاقتصادية للاحتلال على إسرائيل وأنصارها، ويمكنها أن تقلب موازين القوى لصالح العدالة.[4]

الخلاصة
إن التشكيك في خطة ترامب للسلام بين الفلسطينيين والدول العربية منطقيٌّ وراسخٌ تمامًا. فبدلًا من السعي إلى حلٍّ جذريٍّ للصراع، تسعى هذه الخطط إلى ترسيخ السلطة وإدامة الوضع الراهن لصالح النظام الإسرائيلي. ولن تنجح أيُّ خطة سلامٍ حتى يتم الاعتراف بالحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني بما في ذلك حقُّ السيادة وحقُّ العودة وإنهاء الاحتلال.



محمد صالح قرباني


[1]https://www.middleeasteye.net/news/trump-proposal-permanently-end-war-abandons-gaza-riviera-plan-report
[2]https://www.aljazeera.com/news/2025/9/26/trump-says-he-will-not-allow-israel-to-annex-occupied-west-bank
[3]https://www.theguardian.com/world/2025/sep/25/is-trumps-new-palestine-plan-a-breakthrough-or-diplomatic-mirage
https://tcf.org/content/report/two-states-together-an-alternative-vision-for-palestinians-and-israelis [4]
لا توجد تعليقات لهذا المنصب.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال