دبلوماسية الحياد والدفاع عن السيادة العراقية
1242 Views

دبلوماسية الحياد والدفاع عن السيادة العراقية

عادة وفي ظل تصاعد التوترات الإقليمية وتداخل الصراعات بين الأطراف الدولية، يبرز دور الحكومات في حماية أمن بلدانها وشعوبها من الإنخراط في أتون الصراعات المفتعلة أو المحتملة. ونحن سنتكلم هنا عن سياسة الحكومة العراقية التي تعتبر خير الأمثلة على ذلك في الفترة الأخيرة، إذ استطاعت بتكتيكات دبلوماسية متوازنة وإجراءات أمنية حازمة أن تمنع امتداد نزاع حرب الإثني عشر يوماً الأخير بين جمهورية إيران الإسلامية والنظام الصهيوني إلى الأراضي العراقية، محققة توازناً دقيقًا بين الحفاظ على السيادة الوطنية، ودعم العلاقات مع الأطراف المعنية خاصة بين إيران والولايات المتحدة.

دبلوماسية الحياد الاستراتيجي
اعتمدت الحكومة العراقية خلال هذه الأزمة على دبلوماسية متوازنة ومرنة، تهدف إلى الحفاظ على الحياد الاستراتيجي، وهو أمر حاسم في ظل التدخلات الإقليمية والدولية المتشابكة. فقد تبنى المسؤولون سياسة مدروسة تركز على التقىيد والتحكم في العلاقات مع إيران من جهة، مع عدم إغفال أهمية العلاقات مع الولايات المتحدة، حليف النظام الإسرائيلي. هذا التوازن الدقيق مكن العراق من تجنب التصعيد المباشر، وتحاشي الانزلاق في صراع عسكري واسع خاصة مع حقيقة أن أي اصطفاف قد يؤدي إلى تأجيج الأزمة وزعزعة الاستقرار الداخلي وجر البلاد إلى حرب لاتحمد عقباها.

وقد أظهرت حكومة السوداني مرونة عالية في إدارة العلاقات الدبلوماسية، من خلال التواصل المستمر مع واشنطن وطهران، وتقديم مبادرات دبلوماسية لاحتواء الأزمة قبل أن تتصاعد، مع الحرص على استمرار الحوار والوساطة غير المباشرة للحؤول دون وقوع أي تصعيد عسكري يهدد أمن العراق والمنطقة بشكل أوسع وهذا الموقف ليس بغريب عن حكومة العراق التي انتهجت سياسة مسك العصا من الوسط وأخذ دور الوساطة في حل النزاعات لما للعراق من مكانة وأهمية دولية على المستوى الإقليمي.

الإحتجاج على انتهاك السيادة الجوية
اتخذت الحكومة العراقية موقفًا واضحًا وحازمًا إزاء انتهاك السيادة الوطنية عبر مرور الطائرات المقاتلة الإسرائيلية فوق أجوائها، وهو تصرف اعتبره رئيس الوزراء العراقي خرقاً واضحاً لسيادة البلاد، وخرقًا لاتفاقات عدم التصعيد. كما حددت الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرارها رقم (3314) لسنة 1974 تعريفًا دقيقًا للعدوان، ومن ضمن الحالات التي يشملها: “قصف إقليم دولة من قبل القوات المسلحة لدولة أخرى، أو استخدام أي أسلحة من قبل دولة ضد أراضي دولة أخرى.” وبالتالي، فإن تنفيذ عمليات عسكرية أو حتى الاستطلاع الجوي فوق الأراضي العراقية، دون موافقة رسمية يُعد من قبيل الأعمال العدوانية التي تستوجب المساءلة الدولية.[1]

لم يتوانَ العراق عن تقديم احتجاج رسمي إلى مجلس الأمن، حيث أكدت الحكومة أن استمرار مثل هذه الانتهاكات قد يؤدي إلى زعزعة أمن البلاد وتقويض علاقاتها مع الأطراف الدولية، وهو موقف يعكس التزام العراق بحماية سيادته الوطنية ومصالحه الأمنية.

دعم المرجعية الشيعية وتفعيل دور أجهزة الدولة
إلى جانب الدبلوماسية والتهدئة السياسية حرصت الحكومة على دعم مواقف المرجعية الدينية في النجف، التي أعربت عن قلقها البالغ إزاء استمرار الحرب الممتدة، لما تشكله من تهديد للوحدة الوطنية واستقرار المجتمع المدني. وقد استطاعت الحكومة من خلال تفعيل تواصلها مع المرجعية وإظهار حرصها على التماهي مع مواقفها، أن تبني توافقًا وطنيًا ودينيًا يعزز من وحدة الصف الداخلي، ويحول دون تصاعد التوترات الطائفية أو الدينية، وتفعيل دور الدولة وأجهزتها لمنع انزلاق العراق في الحرب جراء مواقف فردية ، وكما قال السوداني في مقابلة له مع وكالة اسوشيتد برس: “الأجهزة الأمنية أحبطت 29 محاولة قامت بها مجموعات مسلحة لإطلاق صواريخ ومسيّرات باتجاه إسرائيل وقواعد أميركية بالعراق”، وشدد خلالها على أن بغداد لن تسمح “لأي فرد أو جهة باستخدام العراق كقاعدة لعمليات عسكرية”، الأمر الذي يعد درعًا واقيًا مهمًا في وجه الضغوط الخارجية والداخلية. [2]

وفي سياق تأمين البلاد قررت الحكومة تعزيز قدراتها الدفاعية، لاسيما فيما يخص الدفاع الجوي ومراقبة المجال الجوي بشكل مباشر، مع تزويد أجهزة الأمن والإستخبارات بأحدث الوسائل التكنولوجية لمراقبة المناطق الحدودية وتحييد التهديدات المحتملة. وقد شدد رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، وفي مقابلة مع شبكة "بي بي سي" الإنكليزية، على أن العراق لم يقف مكتوف الأيدي حيال التصعيد بين تل أبيب وطهران، بل تحرك دبلوماسيًا لنزع فتيل الأزمة، وفي الوقت نفسه بدأ خطوات ملموسة لتعزيز أمنه السيادي.[3] وكانت هذه الإجراءات بمثابة رسالة واضحة لكل الأطراف الإقليمية والدولية، مفادها أن العراق عازم على حماية أمنه الوطني وعدم السماح بتحويل أراضيه إلى ساحة صراع أو معبر للاعتداءات والتداخلات.

الدور الخفي في احتواء الأزمة
في ظل التوترات التي تصاعدت في المنطقة قامت الحكومة إلى جانب الإجراءات الرسمية، بالقيام بدور ناعم وسري عبر قنوات دبلوماسية غير معلنة، للتواصل مع مختلف الأطراف الإقليمية والدولية بهدف الحد من نطاق الحرب، والحفاظ على استقرار الداخل، خاصة في ظل التحديات المتعلقة بأمن الطاقة والسياسة الداخلية. و هذه الوساطة الناعمة سمحت للعراق أن يلعب دور الوسيط غير المباشر، مسلحًا باستراتيجيته في عدم الانحياز، ليتجنب الوقوع في مخاطر تصعيد غير ملاحظ، ويحافظ على مصالحه العليا. ففي ظل ذروة التوتر المتصاعد بين إيران والولايات المتحدة، بذل العراق جهوداً كثيفة معلنة وغير معلنة للحفاظ على توازنه في العلاقات مع الطرفين. وقال السوداني "لدينا علاقات جيدة مع كل من إيران وأميركا، وهما يدركان أهمية استقرار العراق وعدم زجه في صراعاتهما".

ختامًا، تظهر التجربة العراقية الأخيرة كيف يمكن لسياسة الدبلوماسية المتوازنة، واعتمادها على الحياد الاستراتيجي، والدفاع عن السيادة، والدعم الحكيم لمرجعياتها الدينية، بالتزامن مع إجراءات أمنية مشددة، أن تردع أطراف الصراع عن التمادي داخل الأراضي العراقية. هذه السياسات تعكس وعيًا عميقًا بضرورة إدارة الأزمات بمنهجية تدمج بين القوة الناعمة والخفية، للحفاظ على استقرار البلاد والمنطقة، في زمن تتشابك خلاله السياسات والتحديات بشكل متداخل ومعقد، ونجاح تجربة "الدبلوماسية العراقية" في ظل تلك المرحلة أصبحت نموذجاً يحتذى به لدول المنطقة ولتفادي أي تصعيد محتمل بين الأطراف المتنازعة.



محمد يزن الحمادي


[1] https://altaakhi.net/category/sport/
[2] https://thecradlearabic.com/articles/32158
[3]https://www.middle-east-online.com/%A7%D9%86
لا توجد تعليقات لهذا المنصب.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال